سوف يأتى وقت يجرى فيه حساب عسير للذين أجرموا فى حق هذا الشعب، وتعاملوا معه على أنه قطيع بلا عقل! وسوف يأتى وقت يُقال فيه إن مركزاً نشأ فى القاهرة ذات يوم، كان اسمه مركز القاهرة للمعلومات الاقتصادية، وكان هدفه تنوير الناس بشكل ومضمون التحول الاقتصادى الذى يجرى فى البلد من القطاع العام إلى القطاع الخاص، فأغلقه الدكتور عاطف عبيد، رئيس الوزراء وقتها، بالضبة والمفتاح، لأن تنوير الناس لا يعنيه فى شىء، ولأنه يفضل أن يظل المواطنون هكذا، حتى يكون التأثير عليهم سهلاً، وحتى يكون اقتيادهم إلى حيث تريد الحكومة أسهل! وقد قالها مصرفى كبير: إن الحكومة، خصوصاً حكومة عاطف عبيد، لا أعاد الله أيامها، كانت تعرف جيداً أن جر حيوان لا يفقه شيئاً، أسهل كثيراً من جر إنسان يميز بعقله ويختار، ولهذا السبب تحديداً أغلقوا المركز، ولم يرحبوا به، واعتبروه زائدة دودية لا لزوم لها، ولا معنى لوجودها، رغم أن مدير صندوق النقد الدولى فى ذلك الوقت كان قد قال لهم صراحة إن تنفيذ برنامج الخصخصة على النحو المثالى، الذى يجب أن يجرى تنفيذه به، سوف يكون مستحيلاً، ما لم يكن الناس فى قواعدهم العريضة شركاء فيه بالمعرفة، أولاً بأول، وبالرأى أيضاً، وكان ذلك المركز خطوة أولى فى اتجاه إغراء المصريين بأن يكونوا طرفاً فى الموضوع، ولكن منذ متى كان وجود المواطنين طرفاً فيما يخص مستقبل وطنهم موضع حفاوة من أحد، خصوصاً الذين يتولون مواقع المسؤولية فى أكثر من مكان؟! وسوف يأتى وقت لا يكون فيه أى لوم على الذين عارضوا صفقة بيع بنك القاهرة، ولا على الذين عارضوا ويعارضون بيع عمر أفندى، فجميعهم فى حقيقة الأمر معذورون تماماً، لأن أحداً لم يتطوع بوضع الحقائق أمام عيونهم كاملة، مرة، واثنتين، وعشراً، ليتمكنوا من الحكم الرشيد على الأمر برمته، لم يحدث هذا، ولذلك كانت المعارضة الشديدة عند بيع المشروعين منطقية، ولا غرابة فيها، فالإنسان كما قيل دوماً عدو لما يجهله، والذين عارضوا، ولايزالون، إنما يعارضون شيئاً ليست معلوماته الحقيقية متاحة لديهم، وبالتالى فلا ذنب عليهم، ولا وزر! وسوف يأتى وقت يُقال فيه إن إغلاق مركز القاهرة يفسر الأخطر، وهو هذا الإهمال المتراكم لملف التعليم إجمالاً، فمن السهل عليك كحكومة أن تقول للجاهل: يمين.. فيمتثل فى الحال.. أو تقول له: شمال.. فيطيع بلا نقاش.. أما إذا كان متعلماً فالموضوع قطعاً سوف يكون مختلفاً، وسوف يكون فيه كلام! وسوف يأتى وقت يُقال فيه إن الخبراء الكبار الذين هم بلا غرض ولا مرض، قد نصحوا الحكومة مراراً بأن تترك ما للقطاع الخاص للقطاع الخاص، وتتفرغ هى لأمور لا خلاف عليها، كما يحدث فى أى بلد متطور، وبأن الإبقاء على بنك القاهرة ليديره بنك مصر، هو بمثابة تحميل ميت على مريض، فلم يستمع أحد، وفضلوا أن يستمر نزيف المال العام إلى ما لا نهاية! سوف يأتى يوم يُحاسب فيه هؤلاء المجرمون!