في بانوراما مصرية مضحكة مبكية، تَقَدَّم للترشح لرئاسة الجمهورية أكثر من مائتي مرشح حتى الآن، ولا ندري شيئًا عن عدد المرشحين في الأيام القادمة، ومعظم المرشحين باستثناء أصابع اليد لا يصلحون كمحافظين أو رؤساء بلديات.. ولكنها مصر المضحكة والمبكية دائمًا. ومعظم هؤلاء بلا خبرة سياسية أو إستراتيجية أو دولية أو فكر سياسي سابق على الثورة أو بذل وتضحيات سياسية سابقة تؤهلهم لمثل هذا المنصب الحساس جدًا. ومعظم هؤلاء لم يتحدثوا عن السياسة قبل ثورة 25 يناير، وليست لهم رؤى سياسية في القضايا الحيوية الداخلية والخارجية قبل الثورة. ولكنهم تصوروا أن هذه الثورة الجبارة يمكن أن تحوِّل الفسيخ إلى شربات، أو تُكسِب عديم الخبرة كل الخبرات في عام واحد.. ومعهم حق في ذلك فقد حوَّلت ثورة 23 يوليو الرائد عبد الحكيم عامر إلى لواء في خبطة واحدة، ثم رقته إلى مشير "أي ماريشال" في مرة واحدة؛ أي أنها تجاوزت سبع رتب في مرة واحدة، رغم أن بريطانيا العظمى لم يكن في تاريخها كله سوى سبع ماريشالات. وهذه القفزة العجيبة مكَّنت الرائد عبد الحكيم عامر الذي لم يحصل إلا على دورة فرقة قادة سرايا إلى القائد الأعلى للقوات المسلحة لمصر وسورية معًا، لتتوالى الكوارث في هزيمة 56 عسكريًا، ثم في الانفصال المصري السوري، ثم النكبة الكبرى في 5 يونيو عام 1967م. ذلك في الوقت الذي نحَّى فيه الرئيس عبد الناصر كل قادة الجيش الأفذاذ. § فلماذا لا يكون هؤلاء المرشحين مثل عبد الحكيم عامر؟ ولماذا يصعد هؤلاء السلم درجة درجة.. وما يمنعهم من القفز ألف درجة للوصول إلى أرفع مكان في السلم السياسي أو الإداري والعسكري المصري؟. فالثورات تصنع المستحيل وتجعل من لا يستطيع أن يقود أسرة أو شركة أن يترشح لرئاسة الجمهورية.. وقد تأتي برئيس لا مؤهلات لديه سوى الخطب الرنانة ودغدغة عواطف الشباب. وكأن مصر دومًا بين المتناقضات؛ فإما أن يكون الحاكم فرعونًا جبارًا كالآلهة لا يرى الناس ولا يرونه ولا يخالطهم ولا يخالطونه، ويعتبر أن مصر ملكًا له ولأسرته وحاشيته. وإما أن يكون الرئيس ضعيفًا مسكينًا هشًّا قليل الصلاحيات لا يستطيع أن يتخذ قرارًا مصيريًا.. أو كما أشبهه الآن بأنه منزوع الدسم؛ لأن كل السلطات الآن في مصر منزوعة الدسم وبلا صلاحيات بدءًا من المحافظين ومرورًا بالوزراء ورئيس الوزراء. فلماذا يشذ رئيس الدولة عن هؤلاء جميعًا؟ إن فرعنة الحاكم أو ضعفه الشديد ونزع سلطاته كلاهما ضار بالوطن الغالي وبالمصريين. ومن يتصور أن ضعف الحاكم في مصر سيصب في مصلحته، فهو واهم؛ فهو لن يصب إلا في مصلحة أعداء مصر، وسيكون أول مسمار في نعش تقسيمها. فمصر لا تريد فرعونًا ولا تريد خيال مآتة يتسوَّل سلطته وقوته من إرضاء هذا الحزب أو ذاك، أو توزيع الكعكة المصرية على هؤلاء وهؤلاء ثمنًا للبقاء على الكرسي، أو ثمنًا لتمرير أي قرار يراه في صالح مصر. ولكنها تريد القوي العادل الأمين الحازم عملاً بقوله تعالى: "إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِين