• الدستور في كل الأمم هو باب لتوحدها وتآزرها واجتماع شملها.. ولكننا في مصرنا المضحكة المبكية يعد بابا ً من أبواب الصراع السياسي.. وسببا ً من أسباب الاستقطاب السياسي الحاد.. وكلما قام فصيل سياسي مصري بكتابة الدستور أقصى الفصائل الأخرى. • لقد أصبح الدستور ككل شيء في مصر كمادة خصبة للاستقطاب والصراع السياسي.. فإذا كتب الإسلاميون الدستور في مصر وافق عليه كل الإسلاميين وحلفائهم حتى دون أن يدققوا فيه أو يعرفوا ما فيه وحشدوا له الجميع ليقولوا "نعم".. فالمهم الثقة فيمن كتبه. • أما أنصار القوى المدنية وحلفائهم وخصوم الإسلاميين فإنهم يرفضونه أيضا ً دون أن يقرأوه أو يدققوا فيه.. أو يعرفوا عنه شيئا ً أو يفحصوا إيجابياته وسلبياته.. وذلك لمجرد كراهيتهم وعدم ثقتهم فيمن كتبه.. كما حدث مع دستور مصر سنة 2012. • إما إذا كتبت القوى المدنية الدستور.. فإن الإسلاميين وحلفائهم جميعا ً يعقدون العزم على رفضه ومقاطعته قبل الشروع في كتابته أو دون أن يقرأوه أو يدققوا فيه أو يفحصوا إيجابياته وسلبياته.. كراهية لمن كتبوه بصرف النظر عن المكتوب نفسه. • أما القوى المدنية وأنصارها وحلفائهم فإنهم يؤيدونه ويدعمونه ويحشدون له "بنعم".. حتى دون أن يقرأوه.. حشدا ً لصفهم ونكاية في خصومهم.. باعتباره معركة من المعارك الفاصلة بينهم وبين خصومهم. • الدساتير في كل أمة يكتبها الممثلون عن الأمة والمختصون في هذا الشأن للأمة كلها دون استثناء .. إنهم يكتبونها للمنتصر والمهزوم سياسيا ً.. وللفقير والغني.. والعامل والفلاح ورجل الأعمال الغني.. يكتبونها للجميع بلا استثناء. • ولكن في مصرنا المضحكة المبكية يكتب الدستور دائما ً المنتصر سياسيا ليكرس سلطته وانتصاره.. ويدعم القوى والمؤسسات التي تتحالف معه دون سواها.. إنه يكتب الدستور لنفسه وأعوانه.. مع أن الأصل أن المنتصر الذي يكتب الدستور عليه أن يراعي المهزوم سياسيا ً لعله يكون مثله بعد حين.. ويراعي الفقير قبل الغنى لعله يلحق بالفقراء بعد حين.. ويراعي السجين قبل الحر لعل كاتبوه يدور بهم الزمان ويزوروا السجون كما زارها من كتبوا الدساتير من قبل.. ولا يعطى مؤسسة فوق حقها.. ولا يهضم الآخرين حقهم.. ولا تخضع لآخرين يريدون اكتساب ما لا يستحقونه لأنهم أقوياء.. أو يهضم آخرين حقهم لأنهم ضعفاء وقت كتابة الدستور. • البعض هلل أثناء دستور سنة 2012 أن هذا الدستور سيحيي الإسلام في مصر.. والبعض الآن يبكي ويصرخ قائلا ً: إن دستور سنة 2013 سيضيع الإسلام ويمحوه من مصر.. وسيلغي الهوية الإسلامية لمصر!!. • والحقيقة أن الإسلام كان قبل الدساتير.. وسيكون بعدها.. وسيبقى حتى دونها.. والإسلام أعظم من الدساتير وأكبر منها.. ولن يحدد أي دستور حاضر الإسلام أو مستقبله في مصر.. أو بقائه.. أو حياته أو موته.. أو ازدهاره أو انكماشه. • فالإسلام لا يوجده ولا ينشره دستور كتب فيه اسمه.. ولا يلغيه دستور لم يكتب فيه اسمه وشريعته.. ولو كتب عن الإسلام وشريعته في كل مادة من مواد الدستور ولم تتشرب النفوس والقلوب والضمائر هديه وتعاليمه وشريعته ما أغنت مواد الدستور شيئا وما نفعت الإسلام في شيء ولا أفادته قيد أنملةً.. فالإسلام ليس كسائر النظم الوضعية. • فالإسلام جاء ليخاطب الضمائر والنفوس والقلوب في المقام الأول فإن استقر فيها استقر في الكون كله وقاد الدنيا بأسرها .. وإن لم يستقر فيها فلا قيمة لوجوده في الدساتير أو القوانين.. وهذا لا يقلل من قيمة وجود الإسلام كدين رسمي للدولة في الدساتير والقوانين.. وهذا لا يقلل من قيمة كتابة النص على أن الشريعة الإسلامية أو مبادئها هي المصدر الأساسي للتشريع. • ولكن وجود هذه النصوص لا تصنع الإسلام.. وغيابها لن يضيع الإسلام.. والإسلام يزدهر وينمو بوجود القدوة والدعوة التي تحمل رسالة السماء بحق وصدق وتحسن نشرها بين الناس وتحبب الخلق في الحق سبحانه. • وفى الختام أغلب الدساتير المصرية قديما ً وحديثا ً جيدة.. ولكن لا قيمة لهذه الدساتير إلا إذا طبقت .. فمشكلة مصر والعالم الثالث ليست في الدساتير والقوانين ولكن في عدم تطبيق هذه الدساتير على أرض الواقع. • فالدستور كان يحرم ويجرم التعذيب في عهد مبارك.. ولكنه ظل منهجا ً متواصلاُ طوال عهده رغم ذلك. فالمهم حمل الحكام على تطبيق وتنفيذ الدساتير قبل أن يشعل بعضنا النار في بعض.. كلما صنع فريق من المتنافسين سياسيا ًدستورا ً لمصر.