حكى أحدهم قال: كنت مع سفيان الثوري في طريق، فأتى رجل وسأله صدقة، ولم يكن مع الثوري ما يعطيه فبكى. فلما انصرف الرجل إلى حال سبيله، قلت: ما يُبكيك يا شيخنا، لا جناح عليك، إن الله لا يُكلف نفسا إلاّ وسعها، فقال: لا والله، فأي مصيبة أعظم من أن يؤمّل فيك أحد خيرا فلا يجده؟! ومؤخرا، رفضت المحكمة الدستورية - العليا- في حكم وُصف بأنه "بات ونهائي"، الكشف عن رواتب قضاتها، بناء على دعوى أقامها أحد قضاة محاكم "الاستئناف" وطلب فيها المساواة بين أعضاء هذه المحاكم الأخيرة وأقرانهم في "الدستورية" في الرواتب والميزات المادية الأخرى التي يتحصلون عليها، ولكن طلبه الذي يبدو في ظاهره نوعا من تحري "العدالة والمساواة" قوبل بالرفض، وقضت المحكمة (الدستورية) بأن تُدرج ميزانيتها ضمن الموازنة العامة للدولة وتُعرض على مجلس النواب المقبل "رقما واحدا". ودون الوقوع تحت طائلة جريمة لا وجود لها في القانون اسمها "التعليق على حكم قضائي"، لأن القضية هنا شديدة العمومية وبالغة الأهمية، نقول إن معنى إدراج ميزانية المحكمة الدستورية في الموازنة العامة ك"رقم واحد" هو ببساطة عدم خضوع قضاتها ل"الحد الأعلى للأجور" الذي فرضه الرئيس عبدالفتاح السيسي - مشكورا- على نفسه أولا، ثم على كبار رجال الدولة. لقد أقدم الرئيس السيسي على هذه الخطوة التزاما منه بواحد على الأقل من أهداف ثورة 25 يناير الثلاث "عيش، حرية، عدالة اجتماعية"، فكيف يرفض ذلك قضاة من المفترض أن تُلزمهم مكانتهم العالية وثقافتهم الرفيعة وأعمارهم المديدة، بأن يكونوا في طليعة الباحثين عن "العدالة"، قانونية كانت أم اجتماعية، وهي قيمة عليا غير قابلة ل"التجزئة" بأي حال في نهاية المطاف. إن قضاة المحكمة الدستورية، العليا، هم "صفوة الصفوة" في هذا البلد، ولا أحد يطلب منهم طبعا أن يكونوا فقراء، أو أن يتحروا رشدا في أهداف 25 يناير، ولكن كل عظماء التاريخ وأصحاب الرسالات، وعلى رأسهم النبي محمد، صلى الله عليه وسلم، كانوا أول من طبّق العدالة على نفسه أولا، وعلى أهل بيته، ولقد قال الرسول الكريم عبارته الشهيرة "والذي نفس محمد بيده، لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها". وأما غير ذلك من تفرقة بين "شريف وضعيف"، أي من "تجزئة" للعدالة حسب الأحوال، فقد أهلك من كانوا قبلكم. وإننا، نحن العوام من الناس، نؤمّل في قضاة "الدستورية" خيرا، ونتمنى أن نجده، ورحم الله شيخنا "سفيان".. فقد كان "ثوريا"! المشهد .. لا سقف للحرية المشهد .. لا سقف للحرية