الفنان مصطفي يحيي أقام معرضه الأخير بقاعة العرض بدار الأوبرا تحت عنوان «شوارع افتراضية».. قدم فيه مشهداً بانورامياً للشارع المصري ودراميته العالية وإن كان المشهد الأكثر درامية هو مشهد البشر في الشارع وداخل المراكز التجارية كشوارع افتراضية جديدة وقد بدا الإنسان تائهاً وسط الزحام الخارجي ومع نفسه حتي بدت العيون شاخصة والأجساد تتراص في المكان وداخله كباقي الأشياء.. فبدت لوحاته مظهراً لعرض عصبي تكشفه العيون ولكتل بيولوجية تتحرك بتثاقل الأجساد المتزاحمة المنتفخة.. والشارع نفسه أصبح عصبي الملامح بأرصفته ومطباته ووسائل نقله في مسلكها العصبي.. حتي بدت لوحاته تكشف عن ثقافة عصبية الزحام في الشارع المصري سواء المفترض أو الأصلي. وقد قدم الفنان قبلاً عام 2008 معرضاً تحت عنوان في «البلكونة» فكانت إطلالة سلبية علي الشارع المتحرك لكن في معرضه هذا جعل التلاحم هو البطل وليس مجرد الإطلال علي الشارع من أعلي بل أن يكون الإنسان جزءاً منه فبدا إنسان معرضه هذا تائهاً بينما إنسان معرضه «البلكونة» بدا إنساناً هادئاً متأملاً.. في لوحات الفنان مصطفي يحيي الأخيرة نلاحظ رمزية الثعلب وهو رمز الخديعة وقد حل رأس الثعلب محل رأس الرجل في لوحاته خاصة في مشاهد تجمعه والمرأة.. ثم نجد للغرابة الرجل يقدم للمرأة دائماً تمساحاً كهدية صغيرة.. وأقول للغرابة لأن التمساح هو رمز الإله سوبيك كما هو مرسوم كرأس فوق جسد إنسان في معبد كوم أومبو من عصر البطالمة ومن جانب آخر فإنه في التوراة يعتبر التمساح رمز فرعون مصر عدو الشعب العبري.. وللحقيقة لا أدرك القيمة الرمزية للتمساح وماذا أراد به وقد كثر في لوحات الفنان بينما رمزية الرجل الثعلبي أو الذئبي الرئيسي مفهوم.. أما التمساح فدلالاته كثيرة.. ورغم أن كل شخوصه في الشارع أو في المراكز التجارية أو في وسائل النقل فإننا لا ندركهم مرتبطين وجدانياً بالمكان أي بالشارع الأصلي أو الافتراضي فقد بدوا منتفخين منزلقين أحياناً أو كأنهم ملتصقين أحياناً أخري لكننا لا نستشعر أن هذه الشوارع البديلة ذات طاقة عاطفية أو حميمية تربطهم والإنسان أو الإنسان بالمكان ليبدو الجميع كأنهم يؤدون دوراً لاكتمال صورتهم في الشارع المصري شيئاً بين الأشياء في درامية متحولة.. فهذا الانزلاق يوحي بالتغير الدائم وعدم الارتباط بالمكان وان التحولات ستغير من المشهد من لحظة لأخري كلقطات سينمائية متتالية.. وهذا التغير والتحول يؤكده عدم تركيز العيون التائهة غير المعبرة رغم درامية الحدوتة الرمزية للمشهد الذي يلتقطه الفنان بذكاء لمشهد الشارع العشوائي المتقلب.. فتبدو النساء والرجال يؤدون مشهداً داخل ضوضاء بصرية دون فسحة من المكان رائعة لمقابلات الأحبة بل يصبح الحبيبان جزءاً من ضوضاء بصرية أرادها الفنان تعبيراً عن زحمة الشارع وأثره علي البشر التي انمحت علاقات التعبير أو الرضي أو الفرحة من ملامحه وحل محلها الشرود. ومثل ازدحام اللوحات بالبشر كذلك ازدحمت بالرموز المصرية القديمة التي ترسم علي جدران المعابد من أشكال وحروف فرعونية حتي عيون كثير من شخوص اللوحات بدت تحمل هيئة العين الفرعونية حتي بعض الرؤوس بدت اخناتونية التكوين.. لتصبح اللوحات هي زحام من كل شيء في شوارعه وشخوصه ورموزه وعلاماته. لوحات هذا العرض للشارع المصري تثير حيرة وقد عاش ولا يزال الفنان الدكتور مصطفي يحيي هذه الحيرة تجاه الشوارع الافتراضية حتي أنه في نهاية كلمة كتالوج معرضه تساءل: «سألت نفسي ببراءة الأطفال.. أيهما أحب لي.. شوارع قاهرتي القديمة أم الشوارع الافتراضية الموازية.. ومازلت في حيرة الاختيار»..