الشجاع ولد محمد حسن الشجاعي بقرية أبوالعز مركز كفر الزيات بمحافظة الغربية في 7 سبتمبر 1903، وكان يهوي الموسيقي منذ نعومة أظافره فاتجه إلي تعلم فنونها ودرس العزف علي آلة الترومبيت ثم بدأ رحلته مع الموسيقي في سن مبكرة عازفًا في مسارح الدرجة الثانية بروض الفرج، وفي عام 1921 عندما كان عمره ثمانية عشر عامًا التحق بالعمل بفرق موسيقي الجيش، وانتقل منها إلي أوركسترا القصر الملكي. وفي نفس الوقت واصل الشجاعي دراسة الموسيقي فالتحق بمعهد بوجرين للموسيقي وحصل في عام 1934 علي دبلوم القسم العالي للتأليف الموسيقي. وبعدها التحق بوزارة المعارف للعمل كمدرس لمادة الموسيقي وفي نفس الوقت تم إنشاء الإذاعة المصرية وتولي الموسيقي مدحت عاصم شئون الموسيقي بها، والذي بدأ يبحث عن الكوادر المؤهلة التي تعاونه في إنشاء ذلك القسم وكان أول من خطر علي باله في هذا الشأن هو صديقه محمد حسن الشجاعي فأخذ يبحث عنه وعرف أنه يعمل مدرسًا للموسيقي في مدينة دمنهور فاتصل به. رسالة ويحكي مدحت عاصم بنفسه ما دار بينه وبين الشجاعي وذلك في مرثية كتبها عنه بعد وفاته بعنوان رسالة إلي محمد حسن الشجاعي: عندما أنشئت الإذاعة وتوليت بعض الأمر فيها كنت أول من خطر ببالي الاستعانة به.. ورحت أبحث عنك وأنت مختف عن الأضواء تعمل مدرسا متواضعًا للموسيقي في دمنهور. هل تذكر يا أخي وحبيبي عند عودتك وحضورك سألتني ساخرًا: ماذا تريد مني؟ هل أقود تختا؟ فأجبتك: بل فرقة موسيقية عالمية التركيب، وقلت لك إنه ستكون هناك فرقتان، إحداهما للتخت الشرقي، أما الثانية فأوركسترا تتولي أمره.. وأخذت تعمل يا صديقي في جهد ودأب، ولم يكن يومها الأجر مجزىًا. كنت تتحمل نفقات سفرك قادمًا من دمنهور كل أسبوع ونفقات الكتب الموسيقية وجمع مختلف المؤلفات العالمية الخفيفة وموسيقي المسرح الذي كنت تؤمن بأنه السبيل للارتقاء بموسيقانا بقولك إن الدراما هي التي نفتقدها في موسيقانا وأغانينا، ولابد من إدخال عنصر الدراما فيها حتي يتحقق التطوير. كنت لا أملك أن أناقشك.. كنت أستمع إليك كما يستمع التلميذ إلي أستاذه. ومنذ عام 1934 بدأ محمد حسن الشجاعي العمل في الإذاعة بنظام الأجر مقابل العمل وقام بتأسيس أول أوركسترا عربي كانت إحدي دعامات الإذاعة المصرية عند افتتاحها وكان يقدم من خلالها المؤلفات الموسيقية العالمية والمؤلفات الموسيقية المصرية المتطورة التي كانت تجمع بين سلاسة اللحن العربي وبين العلم والفن والأوركسترا التي كانت نواة أوركسترا الإذاعة التي أصبحت بعد ذلك أوركسترا القاهرة السيمفوني. وقد قام الشجاعي بقيادتها طوال الفترة منذ عام 1934 وحتي عام 1952 واستطاع أن يشق طريقه بعزم وقوة تصل إلي عازفيه، وكان أول وأكفأ مايسترو عربي في عصره يسيطر بشكل كامل علي جميع عازفي الأوركسترا ليخرج منه وحدة فنية متكاملة مدركًا تمامًا وظيفة كل آلة في نسيج اللحن. وقد تنوعت مواهب الشجاعي الموسيقية بين العزف وقيادة الأوركسترا والتأليف الموسيقي. إخناتون فقد قام بتأليف الموسيقي التصويرية لعدد كثير من الأفلام السينمائية بلغ عددها اثنين وخمسين فيلما، كما قام بتأليف عدد كبير من المؤلفات الموسيقية التي تجمع في مضمونها بين تاريخنا القديم وتاريخنا الحديث ومظاهر حضاراتنا، ومن مؤلفاته الشهيرة «إخناتون وهاتور وصلاح الدين وطريق النخيل وليالي القمر» ومن أبرز أعماله أيضًا القصيد السيمفوني «أرض الوطن» وكلها أعمال موسيقية بلغت حد الجودة والرقي. والمعروف عنه أنه اكتفي في مجال التأليف الموسيقي علي مقطوعات وعلي الموسيقي التصويرية للأفلام، فلم يقم بتلحين أية أغنية فردية واحدة. وفي عام 1952 يتولي محمد حسن الشجاعي مهمة الإشراف علي مراقبة الموسيقي والغناء في الإذاعة، ثم ترقي في العام التالي عام 1953 إلي منصب مستشار الموسيقي والغناء في الإذاعة، وظل يشغل هذا المنصب عشر سنوات كان خلالها بمثابة حارس بوابة الغناء الجميل والموسيقي الراقية وصمام الأمان ضد الأغاني الهابطة، فقد كان في عمله يؤمن كل إيمان بمبدأ «لا يصح إلا الصحيح» فقد قام بتنفيذ هذا المبدأ بكل حرص وصلابة. وقد كانت مصر قبل إنشاء الإذاعة المصرية وفي ظل تعدد الإذاعات الأهلية تعيش حالة من الفوضي الغنائية انتشرت فيها الأغاني الهابطة وسيطر علي عالم الغناء عدد كبير من الجهلاء في الموسيقي، وقد امتدت هذه الحالة عدة سنوات بعد إنشاء الإذاعة الأمر الذي دفع شاعر الشعب بيرم التونسي إلي إطلاق صيحته الشهيرة. يا أهل المغني دماغنا وجعنا.. دقيقة سكوت لله وفي هذا الجو يتولي محمد حسن الشجاعي مسئولية الغناء والموسيقي فيقود معركة عاتية مع تجار أغاني الجهلاء. وعن معركته مع صانعي الأغنية كتب الإعلامي الكبير سعد لبيب الذي كان يشغل منصبا قياديا في الإذاعة قبل انتقاله إلي التليفزيون عام 1960، وقد عاصر الشجاعي عدة سنوات، ففي مرثية كتبها سعد لبيب عن محمد حسن الشجاعي إثر وفاته قال: كان هو الرجل الذي يقف من وراء كل ما يدخل البهجة في نفوسنا من ألوان الغناء والموسيقي والبرامج الإذاعية الغنائية الموسيقية، وما انشق عنها وتأثر بها من فنون في السينما والمسرح، وذلك طوال السنوات الأخيرة من حياتنا وهي فترة لا تقاس بعدد السنين وإنما تقاس بموضعها في تطورنا الحضاري وهو الذي يجعلها أكثر أهمية من قرن كامل من عمر الزمن. ولم يكن الشجاعي يقف من وراء هذه الحركة يراقب سيرها، ويباركها أو يسخط عليها، وإنما كان يدفعها بيديه القويتين الواثقتين دفعا ويوجهها الوجهة التي يعتقد أنها سليمة والتي أثبتت الأيام أنها كانت في حياتنا بمثابة الضرورة الحضارية التي كان حتمًا علينا أن نصل إليها مهما كانت العقبات.. وكان الشجاعي يمثل دور فيلسوف الحركة وقوتها العقلية المحركة، ويضيف سعد لبيب في مرثيته لم يكن الشجاعي صانع أغاني، ولكنه كان العقل الذي يحركها والقلب الذي يسمح لها بالحياة أو يتركها لمصيرها، ولم يكن هذا الذي أراده ينسجم مع عقلية الآخرين الذين أنسوا إلي رخاوة الأغنية وكسلها ورتابتها وجهالتها، ولذلك كان لابد أن يخرج الكثيرون من صناع الأغنية من الميدان كله بسبب الشجاعي، وكان علي الباقين أن يبذلوا فوق ما كانوا يبذلون من جهد ومشقة، فكانت معركة استخدم فيها خصومه كل الأسلحة. ولم يكن بعضها نظيفا ولكنه صمم علي المضي في طريقه، اشترط أن تكون الأغنية مراعية لأصول التأليف الموسيقي وأن تكون جملتها الموسيقية متكاملة سليمة البناء، فيها التركيز وعدم تكرار الجمل الموسيقية وتنوع النغم، وحدد لها مددا لا تتجاوزها، واشترط في كثير من الأحيان أن تدخل فيها عناصر التوزيع الموسيقي وحدد عددا للعازفين المصاحبين للغناء لا يمكن الإقلال منه، وأبعد عن التأليف الموسيقي والتلحين كل الأميين الذين لا يعرفون كيف يكتبون أو يقرأون لغة الموسيقي حتي يضمن حدا أدني من العلم بأصولها ونجحت التجربة بعد كثير جدا من الجهد والصبر والمعاناة. وبعد عشر سنوات وفي 11 يوليو سنة 1960 قبل سن المعاش بعدة أيام ينطفئ المصباح الذي أضاء عالم الغناء ونقاه من الشوائب ومن الرداءة. مات محمد حسن الشجاعي حارس البوابة، وبعدها انفتحت البوابة علي مصراعيها لنعود مرة أخري إلي زمن رديء وطوفان من الأغاني الرديئة. ولعل أبلغ ما يمكن أن أختم به كلامي عن محمد حسن الشجاعي أن استشهد بعدة أبيات كتبها عبدالرحمن صديق يرثيه فيها قائلا: ليت البكا نافع إن بت أبكيه وراجع عده إن قمت أرثيه لكن ذاك قصاري ما يؤذيه إخوان فن لمن قد كان يحييه دعا لتجديده من غير تمويه ومات من أجله مستشهدًا فيه فاصغوا إلي روحه الشاكي فداعيه يدعو ولا قلب إلا وهو واعيه ولعلنا نطلب منا جميعا محبي الغناء الجميل أن نعاود ونردد مقولة شاعر الشعب بيرم التونسي: يا أهل المغني دماغنا وجعنا.. دقيقة سكوت لله.