بإمكان أصغر صبي عربي أن يدلك علي الذي سوف يحدث في ليبيا واليمن وسوريا بل والأردن والجزائر، وربما المغرب وفلسطين والبحرين، حيث هو نفسه الذي حدث في تونس ثم في مصر، والسبب بسيط: الحكام العرب نسخ مكررة.. ذات تطابق تام، يصل الواحد منهم إلي الكرسي وكله زهد وتواضع وربما كراهية للسلطة وبغض للعنف وبعد شهور يتغير الحال.. ثم بعد سنوات تنعكس الصورة حتي نصل إلي الحاكم الحكيم والعبقري البليغ والزعيم الأوحد «وأبو» الشعب وعم الأمة، وتتجسد أشكال كراهية الشعب المحكوم وربما احتقاره باعتباره كماً لالزوم له، وتستمر ممارسة كل أعمال العنف ضد المواطنين وتتكاثر أعداد المعتقلات والسجون، والملاحظ هنا أن الدول العربية تمثل استثناء مضحكا فيما يخص ميزانية وزارة الداخلية أو ما يسمي الأمن، وهي ميزانية تساوي أضعاف ما يتم صرفه علي التعليم والعلاج مثلا، وذلك أن الحاكم المعزول عن شعبه يستند بكل أريحية علي أمن الدولة أو الأمن المركزي أو أمن الرئاسة أو غيرها من صور الأمن العربية البشعة حقا. يصبح الحاكم إذن شرهاً للسلطة والمال قابلا للإفساد وربما داعما للفساد وانظر حولك، وتتحول الدولة إلي 95% مطحونين و5% مقربين من السلطان، والفروق معروفة بالطبع وتنهار أسس البلد.. القانون، الاقتصاد، الوزن الدولي، بانهيار الطبقة الوسطي وتآكل المبادئ معها والأخلاق عموما، بينما يطفو علي السطح أراذل البشر بكل بشاعة تحبط كل مواطن شريف، هذا وتزداد قضايا الفساد التي يتم التغاضي عن مرتكبيها عمدا، ويجري بيع أصول وثروات الوطن ولا عزاء لأجيال قادمة، وحيث كل شيء قابل ومعروض للبيع والمهم العمولة أو الرشوة: سلاح، أراضي، بترول وغاز، شركات وآثار.. إلخ. وبازدياد القهر.. وباستفحال جيش الأمن المركزي الذي يمثل ضعف عدد أفراد الجيش في كل دولنا العربية، وبتكاثر اللصوص وتناسخ المفسدين، مع الطوابير والأمراض واحتقار الناس، تبدأ الشعوب في «التململ».. وهنا يبدأ السيناريو الذي يتوقع الصبي العربي حدوثه. الحاكم المتجبر يستمر في الاستعلاء واعتبار المعارضين قلة مندسة مأجورة تنفذ أجندات صهيونية، ومن ثم يتجاهل أصواتا تتعالي صراخا من ظلم طال، عشرات السنين، ومع ارتفاع الصرخات وتكرار نشرات أخبار الجزيرة، يصدر الطاغية أوامره بفض المظاهرات باعتبارها جريمة تقضي علي الاستقرار وتحطم وحدة الوطن المفدي، وتخرب الاقتصاد العملاق، وتمثل خطورة علي خطوات الإصلاح المستمرة من أول يوم! «خصوصا هتاف « ارحل». هذا والعالم يسخر من الفرعون العربي وربما من الشعوب الصامتة أيضا. ثم تزداد أعداد المتظاهرين حتي مع عنف عصي وقنابل الأمن والرصاص الحي والضمير الميت، وهنا يحاول الطاغية احتواء الوضع واظهار كرم حاتمي مفاجئ في صورة يطلق عليها أولاد البلد في مصر «رشة جريئة»: زيادة مرتبات، تعيين بتوع العقود، توفير إسكان شعبي، الخ. ومع ذلك يعلو الصراخ أكثر.. ضمن مطالبة بعقاب المسئول عن قتلي الميدان. وهنا يضحي الديكتاتور بوزير أو مسئول في محاولة لامتصاص غضب الجماهير، وأيضا دون جدوي، فالشعب يريد اسقاط النظام.. بعد ارتفاع سقف التطلعات المستحقة والعادلة للبشر، وتضيق الحلقة حول عنق الطاغية، ويبدأ في الارتعاش شكلا وموضوعا وتتوالي الخطب.. ونلاحظ هنا أنها أيضا نسخة كربونية مكررة.. وراجعوا معي: من أول عميد الحكام العرب «وكأن اللقب ميزة يفتخر بها راكب سلطة أكثر من أربعين سنة»! حتي الأخ الباشمهندس بتاع اليمن «الذي يختال متحركا كالطاووس مصدقا أنه «زعيم خالد ومبعوث شعبي»، راجعوا: «فهمتكم.. فهمتكم جميعا.. البطال «يقصد العاطل عن العمل الذي يمثل 80% من الشباب العربي»، والمحتاج «يقصد الفقير الذي سرق اللصوص ثرواته.. الذي يشكل 90% من الشارع العربي، وقدمت لبلدي التضحيات، وقضيت 50 سنة من عمري، أو أفنيت عمري في خدمة بلدي «هكذا وكأن المحروس كان متبرعا ومضطرا للالتصاق بالكرسي من عشرات السنين»، ثم لم أكن أنتوي ترشيح نفسي، أو لن يكون هناك توريث «وكأن الديكتاتور يتنازل متواضعا عن حق إلهي في البقاء علي الكرسي وقلب الشعب حتي آخر نفس».. ثم يختم: حفظ الله الوطن المفدي. مع كل تنازل واستعطاف يتذكر الناس ذلك الماضي المزدحم بالجرائم ضدهم، سنوات الفقر والقهر والهوان ومقولات: حاجيب لكم منين؟ وكأن الشعب تلقيحة «عذرا»!! بعدها يكرر الطاغية لن أتنازل خوفا من انهيار البلد، وأنا قاعد بأصوات الناخبين والدستور وأغاني الفضائيات وكتبة كل العصور، وماتنسوش «جمايلي» علي البلد برضه. حتي تخرج الملايين غير عابئة بجحافل البلطجية المستأجرين أو بدبابات أمن السلطان ولا يجد الديكتاتور مفرا من تهريب ما خف حمله وغلي ثمنه هو والهانم والأنجال، ثم الهروب بجلده تاركا خلفه تلالا من الفساد وجبالا من الإفساد!! ويتنفس الناس الصعداء.. تقول الأقلية: خد الشر وراح.. بينما تصر الأغلبية علي محاكمة لصوص الشعب، قتلة الأبرياء، ومن كان يستورد طعامه من فرنسا وملابسه من إيطاليا وتوجيهاته من واشنطن. هو إذن سيناريو واحد، ولحسن الحظ لا يتعظ الطغاة. رحم الله «بوعزيزي».. نراكم مع جمعة الخلاص في كل ميدان عربي