يجدر الالتفات بجدية إلى هذه النبرة المُستجّدَّة التى يسعى أصحابُها إلى اختراق اتفاق عام، بين فئات وطوائف وأحزاب وتيارات الأغلبية الساحقة من الشعب، حول مسئولية جماعة الإخوان وحلفائها عن عمليات الإرهاب التى تضرب البلاد منذ الإطاحة بحكمهم، بإدعاء أن يد شركات إرهاب دولية غامضة هى التى تعيث الخراب والتخريب فى منشآت الجيش والشرطة والهجوم المسلح على أفرادهما، وأنها هى التى تقترف الاعتداءات على المبانى العامة وتزرع القنابل فى الأماكن المختلفة لإرهاب المواطنين العزل الآمنين! وعلى سبيل رش الملح والفلفل على الكذب الصراح، يَضاف تفسير كلاسيكى فى الثقافة السياسية بأن قوى الإمبريالية العالمية وصنيعتها إسرائيل هى التى تموِّل هذه الشركات، تماماً كما تفعل فى العراق وسوريا، والهدف هو شق الصف العربى وتقسيم الدول العربية حتى تكون إسرائيل هى القوة الوحيدة..إلى آخر الاسطوانة القديمة المحفوظة عن ظهر قلب! واضح أن تبرئة الإخوان هى المستهدف من هذه الأقاويل، ولكن القائلين لم يُجهدوا أنفسهم بتقديم دليل واحد على صحة إدعاءاتهم، كما لم يجتهدوا فى ضبط أكاذيبهم حتى تبدو مُقنِعة للجمهور المُستَهدَف، وإنْ كان المُرجَّح، من سابق الخبرات، أنهم يتساهلون لأنهم يستهينون بالجمهور الذى يفترضون فيه البلاهة والعمى والصمم وضعف الذاكرة إلى حد أن يُصدِّق هذا التهافت الساذج! لم ينس الناس بعد أن الإخوان وحلفاءهم هم الذين أعلنوا بألسنتهم فى المايكروفونات من فوق منصة رابعة وفى ميدانها، وكله مسجل بالصوت والصورة، تهديدات من عينة "سوف نسحقكم"، و"الرش بالدم"، و"إنها معركة مقدسة ضد قوى الكفر والشرك بالله"، و"نحن حماة الإسلام فى الحرب الصليبية"، وأن "ما يحدث فى سيناء سوف يتوقف بعد ثانية من الإفراج عن مرسى"..إلخ، وهو ما بثته لهم قناة الجزيرة فى حينه على الهواء، وكانت شبه اعترافات بالمسئولية عن الجرائم، حتى قبل اقتراف الكثير منها، وكان تتويج هذا الموقف عندما هدد نائبُ مرشدِ الجماعة وزيرَ الدفاع شخصياً بأن لديهم قواتهم المقاتلة المدربة التى سوف تدافع عنهم، وكوَّر قبضته فى شكل صباع يدوس على زنادِ مسدس موجهٍ إلى صدر وزير الدفاع! لم يكن فى كل هذه المشاهد أى ملمح، أو حتى أى ظل أو شُبهة، لشركات إرهاب دولية، وإنما كان الوجه إرهابياً محلياً بالمطلق! من الوارد طبعاً، بل من المؤكد، أن لأمريكا وإسرائيل مصلحة فى التخريب الحادِث، ولكن هذا لا يُعفى الإخوان وحلفاءهم من المسئولية الأصلية، حتى إذا لم يكن هنالك تنسيق بينهم وبين القوى الأجنبية. هل شركات الإرهاب الدولية هى التى اعتصمت فى رابعة والنهضة؟ وهل هى التى اعتلت المنصة وألقت تهديداتها بالسحق ورش الدم؟ وهل هذه الشركات هى التى خطفت بعض المواطنين وعذبتهم وقتلت بعضهم؟ وهل هى التى أعلنت إن الاعتصام لن ينفض "إلا على جثثنا"؟ وهل هى التى واجهت الشرطة بالسلاح عند فض الاعتصام؟ وهل هى التى أشعلت النيران فى خط أنابيب الغاز فى اليوم التالى بعد أن عَزلَ الشعبُ مرسى، فى وقت كانت توقفت فيه هذه العمليات تماماً طوال حكمه؟ وهل إرهابيو هذه الشركات هم الذين اقتحموا قسم كرداسة وقتلوا ضباط الشرطة شرّ قتلة ومثَّلوا بهم، وسكبوا "مية النار" على جثامينهم، وقيل بل على أجسادهم وهم ينازعون الموت؟ ثم، هل هم الذين كرروا نفس الجريمة فى أسوان، ثم قاموا بالاعتداء على مديريات الأمن ومراكز الشرطة فى الدقهلية والقاهرة وغيرهما؟ وهل هذه الشركات هى التى حرقت ودمرت أكثر من 60 كنيسة فى يوم واحد، بما لم يحدث قط فى تاريخ مصر التليد فى جريمة على أوضح ما يكون تستهدف استفزاز الأقباط إلى أقصى حد فى تخريب للوحدة الوطنية؟ وقبل كل هذا، هل هذه الشركات هى التى هرَّبت مرسى وشركاه من سجن وادى النطرون؟ ولماذا قَبِل مرسى أن يخرق القانون بالهروب من السجن بعون من شركات إرهاب دولية، وهو يعلم يقيناً أن هذا يضاعف من جرمه ويُغَلِّظ من العقوبة التى ستنزل عليه؟ ثم إن هنالك بيانات صدرت بالفعل بعد بعض هذه العمليات الإرهابية تعترف فيها تنظيمات "صديقة" للإخوان بمسئوليتها عن هذه الجرائم، ويحتسبون قتلاهم شهداء عن الله سبحانه وتعالى! هل إرهابيو شركات الإرهاب الدولية هم الذين قطعوا الكبارى فى رمضان الماضى وافترشوا أرض الكوبرى ورفعوا الأذان لصلاة التراويح، وعندما قامت الشرطة بفض تجمهرهم قالوا إن "قوة الانقلاب الكافرة" تمنع المسلمين من أداء الصلاة؟ إلى آخر الجرائم التى باتت محفورة فى وجدان عموم المواطنين! لم تر الجماهير ولا المراقبون آثاراً لشركات إرهاب دولية فى كل ذلك، وإنما ميليشيات للإخوان وحلفائهم بعضهم معروف بالاسم الثلاثى وسط بيئة الجيران وزملاء العمل! ولم تعلن جهات التحقيقات عن وجود شركات أجنبية وراء عمليات الإرهاب التى تضرب البلاد، بل هى مليشيات محلية مدعومة من التنظيمات الإرهابية المتآخية معها تحت مظلة التنظيم الدولى الجامع لهم، وهذا جميعه يشكل اتهاماً قوياً لمجرم حقيقى ماثل، بما لا يجعل مبرراً إلى افتراض شيئ غير موجود، ولا إلى اختراع أكذوبة تضلل العدالة وتزيغ البصر عن التقاط مجريات الأحداث على طبيعتها. ليس وراء أكذوبة شركات الإرهاب الأجنبية سوى محاولة ساذجة لتبرئة الإخوان وحلفائهم قبل بدء حملات الدعاية للانتخابات البرلمانية، والتى صارت لهم معركتَهم الكبرى يخططون لها للتعويض عن خسائرهم الهائلة التى تسببوا فيها لأنفسهم فى العام الكئيب الذى تولوا فيه حكم البلاد، ومن المؤسف أن يجد الإخوانُ منابرَ من خارجهم تروِّج لمثل هذه الأكاذيب!