هل تنتبه هذه الفئة ممن شاركوا يوماً ما فى الثورة أنهم صاروا كتفاً بكتف مع جماعة الإخوان وحلفائها الذين أثبتوا بالأدلة القاطعة العديدة أنهم أشدّ الفصائل معاداة للثورة؟ هل تدرك هذه الفئة أنها صارت عملياً فى خندق واحد مع الثورة المضادة فى معركة واحدة؟ وأن طلبات كل منهما صارت متطابقة فى بعض القضايا، بل أنهم يستخدمون لغة واحدة بمصطلحات واحدة لها نفس الدلالة؟ القضية واضحة للإخوان ولم يرصدون من خارجهم سياستهم وحركتهم، لأنه يمكن فهم واستيعاب أسبابهم فى رفض ما حدث فى 30 يونيو وما بعدها، حتى مع الحماس للإطاحة بحكمهم، وحتى مع عدم الموافقة على منطقهم، وحتى مع عدم التعاطف معهم، ذلك لأنهم خسروا الحكم فى هبة شعبية تاريخية ضدهم وأنهم على الأغلب عاجزون عن إدراك أن هذا حدث بسبب جرائمهم ضد الدستور والقانون، وبسبب فشلهم فى تلبية احتياجات الجماهير، والأهم بسبب انعدام الأمل فى أن يتحقق إنجاز حقيقى على أيديهم، بل ساد يقين أنهم فى سبيلهم لإيراد البلاد فى مخاطر هائلة أدركت النخب السياسية المعارضة والجماهير العريضة، وخاصة الشباب، أن أعباءها ستكون فادحة على الوطن وعلى كل مواطن على حدة، ما عدا جماعة الإخوان الذين كانوا أصحاب النصيب الأوفر حظاً فى المكاسب بعد استيلائهم على مقاليد الحكم ومعهم حلفاؤهم الذين يستفيد كل منهم بقدر ما يفيد الجماعة! وكان مفهوماً أن يحزن الإخوان ومن فى معيتهم، وأن يرفضوا الإطاحة بهم، وأن يتصدوا لمحاولة سحب الثقة منهم، وأن يبذلوا كل طاقتهم للعودة، ولم يكن غريباً منهم اتساقاً مع تاريخهم التليد أن يلجأوا إلى التدليس السياسى، وإلى الشعوذة التى تعبث بالدين، بالسعى للإيحاء أنهم متمسكون بالشرعية، برغم أنهم لم يهتموا بالشرعية قط، لا قبل ثورة يناير ولا بعد وصولهم للحكم، كما أنهم يتجاهلون أن الشعب هو صاحب الشرعية، يمنحها لمن يراه أهلاً لها ويغمطها عن الآخرين، وكان هذا أهم الاستخلاصات من يناير 2011، وقد رحبوا هم بأن يمارس الشعب هذا الحق عندما كانوا هم أول المستفيدين من إنفاذه. بل من المرجح أن يرفض أو أن يكابر أو أن يعاند أى فصيل سياسى غيرهم عندما تهبّ الجماهير تسعى للإطاحة به من الحكم، وإنْ اختلف، بالضرورة، كل فصيل آخر فى طريقته للتصدى لما حدث له، أما الإخوان وحلفاؤهم فلقد اختاروا أن يكون ذلك بالعنف المباشر واستخدام السلاح بكمية ونوعية غير مسبوقة على الإطلاق فى تاريخ البلادّ، وباعتمادهم الإرهاب الصريح بالقتل العمدى بقلب بارد لممثلى جهات سيادية فى الدولة دون اكتراث لسقوط ضحايا من عموم المواطنين شاء حظهم العاثر أن يكونوا فى مجال التراشق! وهذا نفق مظلم، لأنه، حتى إذا نحيت جانباً هذا التهتك السياسى والأخلاقى الذى يعتمد الاغتيال على الهوية الوظيفية أو القتل العشوائى، فإنك لن تفهم غرضهم السياسى ولا كيفية تحقيقه بهذا الأسلوب، كما لن تجد مخرجاً لمن دخلوا فى هذا السبيل: إما أن يستمروا على ما هم فيه بوهم أنهم سينتصرون يوماً، وإما أن ينتظروا اضطرار المجتمع إلى مقاومتهم بكل الأسلحة الممكنة اتقاءً لمخاطر تهدد الحياة اليومية للمواطنين! أما فئة الطيبين من الثوار فقد غاب عنهم أن من أهم مهام الثورة إجادة ترتيب الأولويات وحُسن التوقيت فى البدء فى قضية ما، بل وقبلها فى الإعلان عنها وشرحها للجماهير وتبرير تقديمها على ما عداها من قضايا ثورية أخرى، ولا يمكن اعتبار إشراك الجماهير مجرد إجراء شكلى، بل هو من أخصّ خصائص الثورة، لأن الثورة تفقد شرعيتها بمجرد انفضاض الجماهير عنها، بل لم يكن من الممكن وصف الحدث بالثورة إلا بتوفير أهم شروطها وهو انخراط الجماهير فى حركتها، وكلما زادت مشاركتهم كلما كانت الثورة أعظم وكانت فرصها الإيجابية أوفر حظاً، والعكس بالعكس! ولكن، وللأسف، زاغ بصر بعضهم، وأصيب آخرون بعمى الألوان السياسى، ونسوا أن حقوق الجماهير لها الأولوية الأولى، لأن الجماهير لا تشارك فى الثورة إلا استجابة لوعد تحسين ظروف حياتها، وكان يترتب على هذه الحقيقة الواضحة البسيطة أن يُحتَرَم حقُ الجماهير فى أن تفهم لماذا يصخب البعض ضد قانون ما، وما هى المصلحة التى ستتحقق لهم من جراء التصدى لهذا القانون، وهل هو بالفعل أولى بالتصدى ضده من قوانين أخرى أو إجراءات أخرى، وهل هو بالفعل أحق من المبادرة فى الشروع فى التخطيط لقضايا أخرى! لم تول هذه الفئة من الثوار اهتماماً لأسئلة الجماهير، وراحوا ينفردون بقرارات إعلان الحرب الفورية الضروس على قانون هنا وإجراء هناك، مما لا خلاف على رفضه من ناحية المبدأ، بل هناك من له حجج أقوى فى الرفض، ولكن له أيضاً منطق أقوى فى تأجيل السعى لإلغائه حتى يتشكل البرلمان فى القريب ويتولى المهمة، للحفاظ على هذه الجهود والاستفادة منها فى سبيل السعى لتحقيق مهام أكثر خطورة وأكثر إلحاحاً. الإخوان سعداء بأن يساعدهم آخرون مِمَن لا ينتمون إلى تنظيماتهم، خاصة إذا جاءت المساعدة ممن كان يُتوقع منه أن يكون من المناوئين لهم، وخاصة إذا تبنى مقولاتهم المسمومة عن "الشرعية"، وخاصة إذا كان يُعيق الثورة عن استكمال مهامها العاجلة فى بناء المؤسسات الأساسية التى تمثل الثورة بحق، وخاصة إذا كان يفرض قضايا تُفَرِّق صفوف معارضيهم، وخاصة إذا كان يطرح المقاطعة فى كل استفتاء وانتخاب!