تميزت مصر منذ فجر التاريخ بالعمارة، إذ خلفت العمارة المصرية القديمة العديد من الآثار التى تدل على حرفية وإتقان الفنان المصرى عبر العصور، وقدرته الفائقة على تشييد القصور، إذ كشفت الحفريات في مدينة تل العمارنة، والأقصر عن عدد كبير من القصور، واستمر الوضع عبر العصور والحضارات المتعاقبة على مصر فمرورًا بالعصر البيزنطى، والقبطى، والإسلامى، وحتى الدولة العلوية، فبدأت القصور في مصر تأخذ العديد من الطرز المعمارية، وفى هذه السلسلة من الحلقات، والتى تستمر على مدى شهر رمضان الكريم سنتعرف على أهم القصور في مصر المحروسة. في الحقيقة إن الحديث عن سراى الجزيرة، قد يتطلب عددا كبيرا من المجلدات، والتى لا يسعنا أن نقدمها في تلك السلسلة، فالقصور التى تم تشييدها في عصر «الخديو إسماعيل» مليئة بالأسرار والحكايات والطرز المعمارية التى لا مثيل لها، وفى هذه الحلقة سنقدم معلومات عن القصر من الداخل، والذى يحوى العديد من الأسرار والمفاجآت، فكل قطعة فيه حكاية «المرايا» «السقف» «صالون أوجينى» «حجرة البلياردو» وغيرها الكثير، وكما قلنا سابقًا إن سراى الجزيرة هى قلب إسماعيل. ويتكون السقف من الداخل من ثلاثة طوابق، فالطابق الأرضى يحتوى على البهو والممر الجانبى، وحجرة البلياردو وصالون أوجينى، والمرايا، والسقف، والصالون الملكى، وقاعة الإمبراطورة. وهنا نجد أنفسنا أمام تحفة معمارية مليئة بالأحاديث والروايات، وكما ذكرنا في الحلقات السابقة أن «سراى الجزيرة قد شهدت أكبر حفل زفاف، والذى استمر قرابة ال40 يومًا، حيث قام إسماعيل بتزويج أبنائه الأربعة مرة واحدة». ويُعد «صالون أوجينى» من أهم الغرف بالطابق الأرضى، إذ كانت مخصصة له قاعة كبيرة عبارة عن صحن وإيوان جلدت جدرانه بالخشب بارتفاع متر، والتى اتخذت أشكال المستطيلات والمربعات، أما الجدران من أعلى فقد تم تجليدها بورق الحائط المزخرف بأشكال الورديات، ويحيط بالجدران من أعلى شريط زخرفى يمثل أشكال عقود متجاورة تشبه المحاريب. وعلى الجدران توجد لوحتان أصليتان مرسومتان بالزيت، واللتان تعودان إلى عصر بناء القصر، اللوحة الأولى تمثل الإمبراطورة أوجينى، وهى جالسة على كرسى وبجوارها كلبان وطفل، أما اللوحة الثانية فهى للإمبراطورة وهى ممسكة بيدها سيدة، ويوجد بالقاعة ست نوافذ، والتى توجت ببلتكانات من القماش ذات اللونين الذهبى والأرجوانى، وتتدلى منها ستائر من نفس لون القماش، وتنتشر على جدران القاعة ثمانية أبليكات ذات لمبات كريستال، أما أبواب القاعة فكانت عبارة عن ستة أبواب احتوت على حشوات بزخارف نباتية وهندسية متشابكة، والتى كانت منتشرة في عمائر مساجد العصر الفاطمى كمسجد الحاكم والأقمر والجامع الأزهر. أما الصالون الملكى، والذى كان يلى قاعة أوجينى في نهاية البهو الجانبى، فقد تمت زخرفته بأشكال هندسية، كما احتوى على جدار تشغله مرآة كبيرة، والتى ترتفع فوق مدفئة مستطيلة صنعت من الرخام الأبيض بجانب عمودين لهما قواعد وتيجان مذهبة، ويتوسط العمودين تمثال من النحاس الأصفر على شكل طفل عارى الجسد، وتعلو المدفئة قاعدتان من الألباستر، وترتكز عليهما فازة من الرخام تخرج منها مجموعة من الزهور الجميلة، ويتوسط جسد الفازة منظر طبيعى لأربع فتيات عاريات يمتطين حيوانًا خرافيًّا عائمًا في البحر. وكان الصالون الأخضر أهم ما يميز الطابق الثانى في «السراى» فهو عبارة عن قاعة كبيرة مستطيلة الشكل، وكان سقف الصالون عبارة عن لوحة زخرفية هندسية رائعة الجمال. كما يوجد في البهو الجانبى الواصل بين الصالون الأخضر وبهو عايدة «صالون ممفيس»، وهو عبارة عن حجرة مستطيلة يتوسط جدارها المقابل لباب الدخول نافذة زجاجية بعقد نصف دائرى يرتكز على عمودين مدهونين باللون الأسود، وتتوسطهما نجمة بارزة ومزخرف كوشيتى العقد بزخاف هندسية وإطار زخرفى عبارة عن حبات اللؤلؤ.