الجيل: كلمة الرئيس السيسي طمأنت قلوب المصريين بمستقبل سيناء    بالمخالفة للدستور…حكومة الانقلاب تقترض 59 مليار دولار في العام المالي الجديد بزيادة 33%    مساعدات ب 3,6 مليار جنيه.. التضامن تستعرض أبرز جهودها في سيناء    غدا، بدء تطبيق غلق محلات الجيزة بالتوقيت الصيفي    البنتاجون يدعو إلى تحقيق شامل حول المقابر الجماعية في غزة    «القاهرة الإخبارية»: دخول 38 مصابا من غزة إلى معبر رفح لتلقي العلاج    رغم ضغوط الاتحاد الأوروبي.. اليونان لن ترسل أنظمة دفاع جوي إلى أوكرانيا    بيان مهم للقوات المسلحة المغربية بشأن مركب هجرة غير شرعية    علي فرج يتأهل إلى نهائي بطولة الجونة للإسكواش    ب 3 ذهبيات، منتخب الجودو يحصد كأس الكاتا بالبطولة الأفريقية في القاهرة    «ترشيدًا للكهرباء».. خطاب من وزارة الشباب ل اتحاد الكرة بشأن مباريات الدوري الممتاز    موقف ثلاثي بايرن ميونخ من مواجهة ريال مدريد في دوري أبطال أوروبا    المشدد 15 سنة لعامل قتل عاطلا داخل مقهى بسبب الخلاف على ثمن المشروبات    القبض على شخص عذب شاب معاق ذهنيا في ميت عنتر طلخا بالدقهلية    بالأسماء.. مصرع وإصابة 9 أشخاص في انقلاب ميكروباص بالدقهلية    رضا البحراوي: عندي 8 عيال آخرهم ريان والعزوة أهم حاجة في حياتي (فيديو)    جمال شقرة: سيناء مستهدفة منذ 7 آلاف سنة وبوابة كل الغزوات عبر التاريخ    أحمد عبد الوهاب يستعرض كواليس دوره في مسلسل الحشاشين مع منى الشاذلى غداً    عبد العزيز مخيون عن صلاح السعدني بعد رحيله : «أخلاقه كانت نادرة الوجود»    محمد الباز: لا أقبل بتوجيه الشتائم للصحفيين أثناء جنازات المشاهير    دعاء قبل صلاة الفجر يوم الجمعة.. اغتنم ساعاته من بداية الليل    مواطنون: التأمين الصحي حقق «طفرة».. الجراحات أسرع والخدمات فندقية    يقتل طفلًا كل دقيقتين.. «الصحة» تُحذر من مرض خطير    لماذا حذرت المديريات التعليمية والمدارس من حيازة المحمول أثناء الامتحانات؟    بالفيديو.. ما الحكم الشرعي حول الأحلام؟.. خالد الجندي يجيب    انخفضت 126 ألف جنيه.. سعر أرخص سيارة تقدمها رينو في مصر    بعد تطبيق التوقيت الصيفي.. تعرف على مواقيت الصلاة غدًا في محافظات الجمهورية    هل الشمام يهيج القولون؟    فيديو.. مسئول بالزراعة: نعمل حاليا على نطاق بحثي لزراعة البن    وزارة التموين تمنح علاوة 300 جنيها لمزارعى البنجر عن شهرى مارس وأبريل    أنطونوف يصف الاتهامات الأمريكية لروسيا حول الأسلحة النووية بالاستفزازية    الأهلى يخسر أمام بترو الأنجولي فى نصف نهائى الكؤوس الأفريقية لسيدات اليد    يمنحهم الطاقة والنشاط.. 3 أبراج تعشق فصل الصيف    تشكيل الزمالك المتوقع أمام دريمز الغاني بعد عودة زيزو وفتوح    6 نصائح لوقاية طفلك من حمو النيل.. أبرزها ارتداء ملابس قطنية فضفاضة    استجابة لشكاوى المواطنين.. حملة مكبرة لمنع الإشغالات وتحرير5 محاضر و18حالة إزالة بالبساتين    سبب غياب حارس الزمالك عن موقعة دريمز الغاني بالكونفيدرالية    بيان مشترك.. أمريكا و17 دولة تدعو حماس للإفراج عن جميع الرهائن مقابل وقف الحرب    دعاء الاستخارة بدون صلاة .. يجوز للمرأة الحائض في هذه الحالات    مدرب صن دوانز: الفشل في دوري الأبطال؟!.. جوارديولا فاز مرة في 12 عاما!    تحرير 498 مخالفة مرورية لردع قائدي السيارات والمركبات بالغربية    مصادرة 569 كيلو لحوم ودواجن وأسماك مدخنة مجهولة المصدر بالغربية    إصابة سيدة وأبنائها في حادث انقلاب سيارة ملاكي بالدقهلية    جامعة حلوان توقع مذكرتي تفاهم مع جامعة الجلفة الجزائرية    طريقة عمل مافن الشوكولاتة بمكونات بسيطة.. «حلوى سريعة لأطفالك»    محافظ كفر الشيخ يتابع أعمال تطوير منظومة الإنارة العامة في الرياض وبلطيم    أمين الفتوى لزوجة: اطلقى لو زوجك لم يبطل مخدرات    مشايخ سيناء في عيد تحريرها: نقف خلف القيادة السياسية لحفظ أمن مصر    أبطال سيناء.. «صابحة الرفاعي» فدائية خدعت إسرائيل بقطعة قماش على صدر ابنها    مستقبل وطن: تحرير سيناء يوم مشهود في تاريخ الوطنية المصرية    الرئيس السيسي: خضنا حربا شرسة ضد الإرهاب وكفاح المصريين من أجل سيناء ملحمة بطولة    فن التهنئة: استقبال شم النسيم 2024 بعبارات تمزج بين الفرح والتواصل    خبير في الشؤون الأمريكية: واشنطن غاضبة من تأييد طلاب الجامعات للقضية الفلسطينية    معلق بالسقف.. دفن جثة عامل عثر عليه مشنوقا داخل شقته بأوسيم    الفندق عاوز يقولكم حاجة.. أبرز لقطات الحلقة الثانية من مسلسل البيت بيتي الجزء الثاني    الاحتفال بأعياد تحرير سيناء.. نهضة في قطاع التعليم بجنوب سيناء    الهلال الأحمر يوضح خطوات استقبال طائرات المساعدات لغزة - فيديو    الزكاة على أموال وثائق التأمين.. الإفتاء توضح أحكامها ومتى تجب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



نقد الخطاب السلفي «2»
نشر في البوابة يوم 28 - 03 - 2020

يتابع عالم الاجتماع والأنثروبولوجيا المصرى الراحل دكتور محمد حافظ دياب فى كتاب «نقد الخطاب السلفى»، الصادر مؤخرا عن دار «رؤية» للنشر بقوله: وحيثما نجد أنفسنا مواجهين برؤية عقيدية مثل النزعة السلفية، فإنها حين تدخل حلبة التاريخ، تضحى خطابا يثير إشكالية أيديولوجية، يزداد وضوحها اعتبارًا من كون هذه النزعة لا تمثل معرفة متعالية خالصة، أو مجرد توجهات تنشد الترشيد العقائدى والتعبدى- بل شأنا يندمج فيه النظر بالممارسة عبر تحالف موصول بين الأنظمة الحاكمة والفقة السلفى، فيما يقوم بتأطير ذلك المجموع المتناسق من صور النزعة السلفية وأفكارها ومفاهيمها أو معاييرها، كمنطلق لصوغ رؤيا للعالم، كما يتولى إعادة إنتاج أنماط المعرفة وأساليب الممارسة وأنواع النشاط، بشكل يسعف فى عملية التعبئة، بما يتقاطع ضمنة من أشكال كثيرة لصيغ التعبير وإرادة التغيير، وما يعنية من دخول فى إطار الأيديولوجيا بكل ما تحمل من يقين جازم ومنطلقات جامدة، وما تؤول إليه من إفقار ذات الإسلام.
إن امتداد المنهج السلفى إلى مجال الممارسة، جعل المتكلمين باسمه ليسوا فقط أصحاب رؤية عقيدية بالمعنى الحصرى للكلمة، إنما أصحاب مواقف وردود على واقع الممارسة التعبدية، ومن ثم يكمن اعتبار السلفية نزعة احتجاجية على التطورات التى طرأت على المستويين الفكرى والتعبدى للدين:
فعلى المستوى الأول، يمكن النظر إلى السلفية كنمط يقتصر على استخدام المعجم الإسلامى الأصلى، ويتخذ من قيم الإسلام المعنى الذى يحدده هذا المعجم، كمعيار وحيد فى النظر والحكم، ومن النص الأصلى مرجعه النهائى فى التدليل والإثبات، دون أن يستوفى عناصر فكرية مستقلة من خارجة فى الغالب.
وعلى المستوى التعبدى، تروم السلفية إعادة تقنين الشعائر الدينية، بتوحيد نماذجها وكلماتها وإشاراتها وإجراءاتها، لكى تحافظ على النشاط الشعائرى الأصلى فى مواجهة البدع المستجدة.
وإذا أخذنا بعين الاعتبار المعنى الاجتماعى للعبادة، الذى لا يحصرها فى مجرد وسيلة يعبر بها المتعبدون عن علاقاتهم بالمعبود، ولكن فى الأساس إظهار للمشاعر وتعبيرًا جماعيا عن الموقف من الكون والحياة والعلاقات الاجتماعية، أمكن اعتبار السلفية توجها اجتماعيا يحاول من خلال عقيدته، رسم صوره مجتمع آخر أساسه التضامن العقيدى الذى يجعل الأمة جسدًا واحدًا يتضامن الكل فيه مع الجزء، ويدين كل جيل لسابقة برابط معنوى متصل، ويحمل على عاتقه أمانة نقلها إلى الجيل التالى، هو مجتمع أهل السنة والجماعة بأساسه القائم على الثبات على الإيمان كما أوجبت التعاليم النصية، وفهمها السلف الصالح المشهود لهم بالخيرية.
وعلى المدى، تولت السلفية استحضار وتوظيف عقيدتها وتحويلها إلى أيديولوجيا، حين توسع أنصارها فى الشق السياسى لمفهوم التوحيد من خلال مفهوم الحاكمية، وفى الشق الاجتماعى من خلال مفهوم الجاهلية، ومن الناحية الحركية العملية عبر مفاهيم: الجهاد، والجماعة، والطليعة وغيرها من المفاهيم التى أسست لخطاب جماعات العنف الإسلامى فى التاريخ المعاصر، مثل الطاغوت والولاء والبراء والشرك والبدعة والكفر، وجعلوه حاكمًا على سعة مفهوم التوحيد، وتشددوا فى أمور نسبوها للشرك والكفر والبدعة، وقسموا لذلك التوحيد أقساما تتطابق مع نظرتهم للشرك والكفر والبدعة.
وفى الوقت الحاضر، ترواح الأيديولوجيا السلفية بين توجهات ثلاثة رئيسية: السلفية العلمية، السلفية الإصلاحية، والسلفية الجهادية: فالسلفية العلمية هى المدرسة المنسوبة إلى «محمد أمان الجاص» و«ربيع المدخلى»، وتنحو إلى رفض كل أشكال التنظيم السياسى، والقبول بوجوب طاعة الحاكم ولو كان ظالما فاسقا، والانصراف إلى مهمة تحقيق النقاء العقيدى، وتقديم أولوية تحصيل العلم الشرعى والتربية على كل نشاط عام، ولا يعنى ذلك نفى انخراط هذه السلفية العلمية فى أعمال العنف، أما السلفية الإصلاحية، فمثالها حركة الصحوة والسرورية فى السعودية، وحركة عبدالرحمن عبدالخالق وجمعية إحياء التراث الإسلامى فى الكويت، وتسمى أحيانا السلفية التنظيمية، لأنها تعتمد العمل الجماعى سبيلا لتحصيل السلطة والنفوذ السياسى، كما أنها تنشط فى ساحات العمل الخيرى والمجتمعى من وعظ وإرشاد ودعوة وأعمال بر وخير.
وبجانب السلفية العلمية والسلفية الحركية الإصلاحية، تبرز السلفية الجهادية، وتعتمد مبدأ الحاكيمة لله وجاهلية المجتمع، مع مبدأ توحيد الألوهية عند «ابن تيمية»، وترفع راية الجهاد ضد كل حكومة لا تعلى من شرع الله. وتتكون الجماعة السلفية على أى حال، من دعاة محترفين وغير محترفين، يلعبون الدور الأساسى فى الحفاظ على التقاليد السلفية واستمرارها، وتابعين يتحلقون حول هؤلاء الدعاة، وهم الجمهور المستقبل هذه التقاليد.
وفى الوقت الحاضر، استطاعت السلفية أن تتحول إلى ظاهرة عالمية، حين أمكنها أن تجتذب أتباعا من خارج المحيط العربى المقترن بها تقليدية، وتجوس فى أنحاء عديدة من العالم (باكستان، إندونيسيا، إثيوبيا، المملكة المتحدة، فرنسا، هولندا..)، لدرجة تحولت فيها إلى حركة معولمة عابرة للقوميات، رغم ما صاحب هذا الانتشار من صعوبة فى التكيف مع اللغات غير العربية، خاصة أن هذه اللغات تقطع الصلة بين نسق المعتقد السلفى ولغته الأصلية العربية.
وللحديث بقية
يتابع عالم الاجتماع والأنثروبولوجيا المصرى الراحل دكتور محمد حافظ دياب فى كتاب «نقد الخطاب السلفى»، الصادر مؤخرا عن دار «رؤية» للنشر بقوله: وحيثما نجد أنفسنا مواجهين برؤية عقيدية مثل النزعة السلفية، فإنها حين تدخل حلبة التاريخ، تضحى خطابا يثير إشكالية أيديولوجية، يزداد وضوحها اعتبارًا من كون هذه النزعة لا تمثل معرفة متعالية خالصة، أو مجرد توجهات تنشد الترشيد العقائدى والتعبدى- بل شأنا يندمج فيه النظر بالممارسة عبر تحالف موصول بين الأنظمة الحاكمة والفقة السلفى، فيما يقوم بتأطير ذلك المجموع المتناسق من صور النزعة السلفية وأفكارها ومفاهيمها أو معاييرها، كمنطلق لصوغ رؤيا للعالم، كما يتولى إعادة إنتاج أنماط المعرفة وأساليب الممارسة وأنواع النشاط، بشكل يسعف فى عملية التعبئة، بما يتقاطع ضمنة من أشكال كثيرة لصيغ التعبير وإرادة التغيير، وما يعنية من دخول فى إطار الأيديولوجيا بكل ما تحمل من يقين جازم ومنطلقات جامدة، وما تؤول إليه من إفقار ذات الإسلام.
إن امتداد المنهج السلفى إلى مجال الممارسة، جعل المتكلمين باسمه ليسوا فقط أصحاب رؤية عقيدية بالمعنى الحصرى للكلمة، إنما أصحاب مواقف وردود على واقع الممارسة التعبدية، ومن ثم يكمن اعتبار السلفية نزعة احتجاجية على التطورات التى طرأت على المستويين الفكرى والتعبدى للدين:
فعلى المستوى الأول، يمكن النظر إلى السلفية كنمط يقتصر على استخدام المعجم الإسلامى الأصلى، ويتخذ من قيم الإسلام المعنى الذى يحدده هذا المعجم، كمعيار وحيد فى النظر والحكم، ومن النص الأصلى مرجعه النهائى فى التدليل والإثبات، دون أن يستوفى عناصر فكرية مستقلة من خارجة فى الغالب.
وعلى المستوى التعبدى، تروم السلفية إعادة تقنين الشعائر الدينية، بتوحيد نماذجها وكلماتها وإشاراتها وإجراءاتها، لكى تحافظ على النشاط الشعائرى الأصلى فى مواجهة البدع المستجدة.
وإذا أخذنا بعين الاعتبار المعنى الاجتماعى للعبادة، الذى لا يحصرها فى مجرد وسيلة يعبر بها المتعبدون عن علاقاتهم بالمعبود، ولكن فى الأساس إظهار للمشاعر وتعبيرًا جماعيا عن الموقف من الكون والحياة والعلاقات الاجتماعية، أمكن اعتبار السلفية توجها اجتماعيا يحاول من خلال عقيدته، رسم صوره مجتمع آخر أساسه التضامن العقيدى الذى يجعل الأمة جسدًا واحدًا يتضامن الكل فيه مع الجزء، ويدين كل جيل لسابقة برابط معنوى متصل، ويحمل على عاتقه أمانة نقلها إلى الجيل التالى، هو مجتمع أهل السنة والجماعة بأساسه القائم على الثبات على الإيمان كما أوجبت التعاليم النصية، وفهمها السلف الصالح المشهود لهم بالخيرية.
وعلى المدى، تولت السلفية استحضار وتوظيف عقيدتها وتحويلها إلى أيديولوجيا، حين توسع أنصارها فى الشق السياسى لمفهوم التوحيد من خلال مفهوم الحاكمية، وفى الشق الاجتماعى من خلال مفهوم الجاهلية، ومن الناحية الحركية العملية عبر مفاهيم: الجهاد، والجماعة، والطليعة وغيرها من المفاهيم التى أسست لخطاب جماعات العنف الإسلامى فى التاريخ المعاصر، مثل الطاغوت والولاء والبراء والشرك والبدعة والكفر، وجعلوه حاكمًا على سعة مفهوم التوحيد، وتشددوا فى أمور نسبوها للشرك والكفر والبدعة، وقسموا لذلك التوحيد أقساما تتطابق مع نظرتهم للشرك والكفر والبدعة.
وفى الوقت الحاضر، ترواح الأيديولوجيا السلفية بين توجهات ثلاثة رئيسية: السلفية العلمية، السلفية الإصلاحية، والسلفية الجهادية: فالسلفية العلمية هى المدرسة المنسوبة إلى «محمد أمان الجاص» و«ربيع المدخلى»، وتنحو إلى رفض كل أشكال التنظيم السياسى، والقبول بوجوب طاعة الحاكم ولو كان ظالما فاسقا، والانصراف إلى مهمة تحقيق النقاء العقيدى، وتقديم أولوية تحصيل العلم الشرعى والتربية على كل نشاط عام، ولا يعنى ذلك نفى انخراط هذه السلفية العلمية فى أعمال العنف، أما السلفية الإصلاحية، فمثالها حركة الصحوة والسرورية فى السعودية، وحركة عبدالرحمن عبدالخالق وجمعية إحياء التراث الإسلامى فى الكويت، وتسمى أحيانا السلفية التنظيمية، لأنها تعتمد العمل الجماعى سبيلا لتحصيل السلطة والنفوذ السياسى، كما أنها تنشط فى ساحات العمل الخيرى والمجتمعى من وعظ وإرشاد ودعوة وأعمال بر وخير.
وبجانب السلفية العلمية والسلفية الحركية الإصلاحية، تبرز السلفية الجهادية، وتعتمد مبدأ الحاكيمة لله وجاهلية المجتمع، مع مبدأ توحيد الألوهية عند «ابن تيمية»، وترفع راية الجهاد ضد كل حكومة لا تعلى من شرع الله. وتتكون الجماعة السلفية على أى حال، من دعاة محترفين وغير محترفين، يلعبون الدور الأساسى فى الحفاظ على التقاليد السلفية واستمرارها، وتابعين يتحلقون حول هؤلاء الدعاة، وهم الجمهور المستقبل هذه التقاليد.
وفى الوقت الحاضر، استطاعت السلفية أن تتحول إلى ظاهرة عالمية، حين أمكنها أن تجتذب أتباعا من خارج المحيط العربى المقترن بها تقليدية، وتجوس فى أنحاء عديدة من العالم (باكستان، إندونيسيا، إثيوبيا، المملكة المتحدة، فرنسا، هولندا..)، لدرجة تحولت فيها إلى حركة معولمة عابرة للقوميات، رغم ما صاحب هذا الانتشار من صعوبة فى التكيف مع اللغات غير العربية، خاصة أن هذه اللغات تقطع الصلة بين نسق المعتقد السلفى ولغته الأصلية العربية.
وللحديث بقية
يتابع عالم الاجتماع والأنثروبولوجيا المصرى الراحل دكتور محمد حافظ دياب فى كتاب «نقد الخطاب السلفى»، الصادر مؤخرا عن دار «رؤية» للنشر بقوله: وحيثما نجد أنفسنا مواجهين برؤية عقيدية مثل النزعة السلفية، فإنها حين تدخل حلبة التاريخ، تضحى خطابا يثير إشكالية أيديولوجية، يزداد وضوحها اعتبارًا من كون هذه النزعة لا تمثل معرفة متعالية خالصة، أو مجرد توجهات تنشد الترشيد العقائدى والتعبدى- بل شأنا يندمج فيه النظر بالممارسة عبر تحالف موصول بين الأنظمة الحاكمة والفقة السلفى، فيما يقوم بتأطير ذلك المجموع المتناسق من صور النزعة السلفية وأفكارها ومفاهيمها أو معاييرها، كمنطلق لصوغ رؤيا للعالم، كما يتولى إعادة إنتاج أنماط المعرفة وأساليب الممارسة وأنواع النشاط، بشكل يسعف فى عملية التعبئة، بما يتقاطع ضمنة من أشكال كثيرة لصيغ التعبير وإرادة التغيير، وما يعنية من دخول فى إطار الأيديولوجيا بكل ما تحمل من يقين جازم ومنطلقات جامدة، وما تؤول إليه من إفقار ذات الإسلام.
إن امتداد المنهج السلفى إلى مجال الممارسة، جعل المتكلمين باسمه ليسوا فقط أصحاب رؤية عقيدية بالمعنى الحصرى للكلمة، إنما أصحاب مواقف وردود على واقع الممارسة التعبدية، ومن ثم يكمن اعتبار السلفية نزعة احتجاجية على التطورات التى طرأت على المستويين الفكرى والتعبدى للدين:
فعلى المستوى الأول، يمكن النظر إلى السلفية كنمط يقتصر على استخدام المعجم الإسلامى الأصلى، ويتخذ من قيم الإسلام المعنى الذى يحدده هذا المعجم، كمعيار وحيد فى النظر والحكم، ومن النص الأصلى مرجعه النهائى فى التدليل والإثبات، دون أن يستوفى عناصر فكرية مستقلة من خارجة فى الغالب.
وعلى المستوى التعبدى، تروم السلفية إعادة تقنين الشعائر الدينية، بتوحيد نماذجها وكلماتها وإشاراتها وإجراءاتها، لكى تحافظ على النشاط الشعائرى الأصلى فى مواجهة البدع المستجدة.
وإذا أخذنا بعين الاعتبار المعنى الاجتماعى للعبادة، الذى لا يحصرها فى مجرد وسيلة يعبر بها المتعبدون عن علاقاتهم بالمعبود، ولكن فى الأساس إظهار للمشاعر وتعبيرًا جماعيا عن الموقف من الكون والحياة والعلاقات الاجتماعية، أمكن اعتبار السلفية توجها اجتماعيا يحاول من خلال عقيدته، رسم صوره مجتمع آخر أساسه التضامن العقيدى الذى يجعل الأمة جسدًا واحدًا يتضامن الكل فيه مع الجزء، ويدين كل جيل لسابقة برابط معنوى متصل، ويحمل على عاتقه أمانة نقلها إلى الجيل التالى، هو مجتمع أهل السنة والجماعة بأساسه القائم على الثبات على الإيمان كما أوجبت التعاليم النصية، وفهمها السلف الصالح المشهود لهم بالخيرية.
وعلى المدى، تولت السلفية استحضار وتوظيف عقيدتها وتحويلها إلى أيديولوجيا، حين توسع أنصارها فى الشق السياسى لمفهوم التوحيد من خلال مفهوم الحاكمية، وفى الشق الاجتماعى من خلال مفهوم الجاهلية، ومن الناحية الحركية العملية عبر مفاهيم: الجهاد، والجماعة، والطليعة وغيرها من المفاهيم التى أسست لخطاب جماعات العنف الإسلامى فى التاريخ المعاصر، مثل الطاغوت والولاء والبراء والشرك والبدعة والكفر، وجعلوه حاكمًا على سعة مفهوم التوحيد، وتشددوا فى أمور نسبوها للشرك والكفر والبدعة، وقسموا لذلك التوحيد أقساما تتطابق مع نظرتهم للشرك والكفر والبدعة.
وفى الوقت الحاضر، ترواح الأيديولوجيا السلفية بين توجهات ثلاثة رئيسية: السلفية العلمية، السلفية الإصلاحية، والسلفية الجهادية: فالسلفية العلمية هى المدرسة المنسوبة إلى «محمد أمان الجاص» و«ربيع المدخلى»، وتنحو إلى رفض كل أشكال التنظيم السياسى، والقبول بوجوب طاعة الحاكم ولو كان ظالما فاسقا، والانصراف إلى مهمة تحقيق النقاء العقيدى، وتقديم أولوية تحصيل العلم الشرعى والتربية على كل نشاط عام، ولا يعنى ذلك نفى انخراط هذه السلفية العلمية فى أعمال العنف، أما السلفية الإصلاحية، فمثالها حركة الصحوة والسرورية فى السعودية، وحركة عبدالرحمن عبدالخالق وجمعية إحياء التراث الإسلامى فى الكويت، وتسمى أحيانا السلفية التنظيمية، لأنها تعتمد العمل الجماعى سبيلا لتحصيل السلطة والنفوذ السياسى، كما أنها تنشط فى ساحات العمل الخيرى والمجتمعى من وعظ وإرشاد ودعوة وأعمال بر وخير.
وبجانب السلفية العلمية والسلفية الحركية الإصلاحية، تبرز السلفية الجهادية، وتعتمد مبدأ الحاكيمة لله وجاهلية المجتمع، مع مبدأ توحيد الألوهية عند «ابن تيمية»، وترفع راية الجهاد ضد كل حكومة لا تعلى من شرع الله. وتتكون الجماعة السلفية على أى حال، من دعاة محترفين وغير محترفين، يلعبون الدور الأساسى فى الحفاظ على التقاليد السلفية واستمرارها، وتابعين يتحلقون حول هؤلاء الدعاة، وهم الجمهور المستقبل هذه التقاليد.
وفى الوقت الحاضر، استطاعت السلفية أن تتحول إلى ظاهرة عالمية، حين أمكنها أن تجتذب أتباعا من خارج المحيط العربى المقترن بها تقليدية، وتجوس فى أنحاء عديدة من العالم (باكستان، إندونيسيا، إثيوبيا، المملكة المتحدة، فرنسا، هولندا..)، لدرجة تحولت فيها إلى حركة معولمة عابرة للقوميات، رغم ما صاحب هذا الانتشار من صعوبة فى التكيف مع اللغات غير العربية، خاصة أن هذه اللغات تقطع الصلة بين نسق المعتقد السلفى ولغته الأصلية العربية.
وللحديث بقية


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.