تتعرض الدول الأوروبية إلى الكثير من التهديدات من جانب تركيا بسبب إعلانها عن فتح حدودها أمام اللاجئين فى ظل التداعيات المتواصلة للحرب فى سوريا، وحركة النزوح المتواصلة من منطقة إدلب شمال غرب سوريا، التى تعرضت ولا تزال تتعرض لقصف متواصل من قبل الجيش العربى السورى المدعومة بقوة من قبل موسكو لمواجهة الجماعات المسلحة المدعومة من جانب أنقرة، وضمن هذا السياق أعرب الاتحاد الأوروبى فى الأول من مارس 2020، عن قلقه من موجة الهجرة الجديدة بعد إعلان تركيا، وأكّدت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لايين أن الاتحاد الأوروبي، ينظر بقلق إلى تدفق المهاجرين من تركيا باتّجاه حدوده من اليونان وبلغاريا، وتأتى هذه الخطوة فى أعقاب مقتل 34 جنديًّا تركيًّا فى إدلب، بقصف للجيش العربى السوري، وأرجع أردوغان فتح المعابر أمام اللاجئين، إلى عدم قدرة بلاده، على تحمل أعداد جديدة منهم، فى وقت يتدفق الآلاف منهم من شمال سوريا. ويجب الإشارة هنا إلى أن الدول الأوروبية، اتخذت العديد من الإجراءات فيما يتعلق بقضية اللاجئين من مناطق النزاعات فى الكثير من مناطق العالم، وبخاصة من دول المنطقة العربية، وعلى الرغم من انتهاج دول الاتحاد لهذه السياسات، والتى فى معظمها تتعلق بتحسين سياسات الإدماج فى سوق العمل وتنفيذ إجراءات الإدماج الاجتماعي، بيد أنه لا يوجد برنامج متكامل يأخذ بعين الاعتبار أن الاندماج الاجتماعى يرتبط ارتباطًا وثيقًا بالاندماج الاقتصادي، فاللاجئون يعانون مشكلات اجتماعية واقتصادية على حد سواء، وهى تعزز بعضها بعضًا، حيث تؤثر القضايا الثقافية والاجتماعية على التكامل الاقتصادى والعكس. من الممكن أن تتسبب زيادة أعداد اللاجئين إلى المنافسة فى سوق العمل إلى صراع اجتماعى ليس فقط فى مجتمع اللاجئين من جانب، ولكن من جانب آخر قد يمتد هذا الصراع إلى التأثير على المجتمعات الأوروبية، ومن ثم يجب الإشارة إلى أن زيادة أعداد اللاجئين فى أوروبا لا تؤثر على سياسات دول الاتحاد الأوروبى الخارجية فقط، ولكن تمتد تأثيراتها على فرص السكان الأصليين ودخولهم، وبناء عليه فقد تزداد البطالة والمواقف السلبية تجاه اللاجئين نتيجة ذلك، وعلى الأوروبيين أن يضمنوا أن الأنظمة الوطنية والمحلية تعمل بكفاءة، كما أن هناك حاجة إلى تعاون أكبر بين البلدان عبر الاتحاد الأوروبى على نطاق أوسع لمواجهة التأثيرات السلبية لمثل هذه الانعكاسات، ومن زاوية أخرى فإن التحدى الأكبر الذى يواجه المجتمعات الأوروبية هو الكيفية التى يتم بها التعامل مع الاختلافات الثقافية والاجتماعية بين اللاجئين والمجتمعات الأوروبية التى تتمايز بينهما القيم الثقافية والدينية والحضارية، وفيما يلى رسم توضيحى لعدد اللاجئين الذين تم استيعابهم فى المجتمعات الأوروبية. ومن خلال هذه البيانات يتضح الكثير من المؤشرات من أهمها أن معظم اللاجئين إلى أوروبا جاءت من دول ذات أغلبية مسلمة فى مناطق جنوب وشرق أوروبا، بما فى ذلك الشرق الأوسط وأفريقيا. وحسب الانتماء الديني، كانت غالبية الوافدين مسلمين وبشكل أساسى من المسلمين السنة مع مكون صغير من الأقليات غير المسلمة بما فى ذلك الإيزيديون والآشوريين، وضمن نفس السياق حذرت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل فى سبتمبر 2015، من أن الوصول إلى حل لأزمة المهاجرين ما زال بعيدًا، وأن طريقة التعامل مع أزمة المهاجرين ستؤثر على شكل أوروبا على المدى البعيد، وخلال حديثها لأعضاء البرلمان الألمانى أعلنت بأن أحدث التدابير التى وافق عليها الاتحاد الأوروبى ما هى إلا خطوة أولى لمواجهة تأثير هذه الموجة من اللجوء، مشيرة إلى أن النقل الانتقائى للمهاجرين غير كاف. من المحتمل أن تتغير هوية اللاجئين الثقافية وسلوكهم كلما ازداد اتصالهم بالمجتمع المضيف، كما أن عملية التبادل الثقافى ستشهد تحديات كبيرة بسبب الاختلاف الثقافى وما يتعلق بها من الصعوبات والصراعات التى تنشأ عندما تتعارض الهوية والقيم والسلوكيات فى ثقافة البلد الأصلى مع تلك الموجودة فى الثقافة السائدة داخل المجتمعات الأوروبية؛ حيث يأتى اللاجئون من خلفيات ثقافية متنوعة، وهذه الهويات الثقافية تتفاعل، إذ يتواصل اللاجئين ليس فقط مع الناس من ثقافة الأغلبية، ولكن أيضًا مع المهاجرين من كل من الثقافات المتشابهة والمختلفة على حد سواء، ويمكن أن يؤدى فقدان اللاجئ لبنيته الاجتماعية وثقافته إلى رد فعل عنيف، خاصة أن عملية الهجرة تنطوى على فقدان المألوف، بما فى ذلك اللغة (وبخاصة العامية واللهجة). وقد يصل هذا الشعور بالفقدان إلى حالة من الرفض للثقافة الغربية والغريبة عليه فى الدول المضيفة. وبناء عليه؛ فإنه تؤدى هذه الاختلافات إلى الكثير من النتائج من أهمها: 1) الانضمام إلى الجماعات المسلحة فى ظل شعور اللاجئين بالرفض المجتمعى، خاصة بعد صعود التيارات والأحزاب الشعبوية واليمين المتطرف، فمن المؤكد أن تستغل الجماعات المتطرفة الكثير منهم فى تجنيدهم كذئاب منفردة، يمكن لهم استهداف الداخل الأوروبى وبصورة مباشرة، وهذا الأمر تعانى المجتمعات الأوروبية، خاصة فى ظل اعتماد بعض الجماعات المسلحة مفهوم الجهاد الحضارى فى المجتمعات الأوروبية، والتى فى جزء كبير منها تغيير الهوية الغربية، ومن هذا المنطلق؛ فإن الجهاد يمثل أحد أهم أركان المشروع الإسلامى الحضاري، فهو منهج كثير من الجماعات التى تبنت إعادة المشروع الإسلامى ونشر قيمه، وذلك عن طريق مدخل الصعود الحضاري، فى نية منهم لتحقيق ما يسمونه بالإسلام الحضارى وإزالة الاستكبار من الأرض ومواجهة المشروع الغربي، والذى يتمثل فى الانطلاق فى ما وراء الحدود فى إطار استراتيجية مغايرة بهوية إسلامية لمواجهة عملية التغريب على الشأن الداخلى أو الخارجى. 2) صعود التيارات الشعبوية كان لتزايد عدد اللاجئين وطلبات اللجوء الكثير من الانعكاسات على صعود التيارات الشعبوية المناهضة للكثير من سياسات الحكومات الأوروبية المتعلقة بمشكلة اللاجئين دون إغفال العوامل الأخرى، ولكن تمثل أزمة اللاجئين أحد أهم هذه العوامل؛ حيث كانت هذه القضية تاريخيًا هدفًا سهلًا لحملات نشر الشعبوية، لكن تدفق اللاجئين من سوريا وسط خوف عام من الإرهاب، وضع الهجرة على قمة الأجندات السياسية فى أوروبا. والرسائل المناهضة للمهاجرين حاضرة فى قلب جميع الحركات والأحزاب الشعبوية واليمينية المعاصرة تقريبًا. 3) تعديل السياسات الداخلية الأوروبية اتضحت ملامح سياسة اللجوء الأوروبية الجديدة فى مواجهة الانعكاسات السلبية لهذه الأزمة فى العمل على تطوير السياسات الأوروبية، وهذا الأمر أعلن عنه وزير الداخلية الألمانى هورست زيهوفر، بأن يقوم الاتحاد الأوروبى بإصلاح نظام الهجرة، واللجوء بما فى ذلك تأسيس وكالة أوروبية خاصة معنية بالتعامل مع طلبات اللجوء فى كل أوروبا، لما له من أهمية محورية فى داخل دول الاتحاد الأوروبي، وذلك من خلال الفحص الأولى للباحثين عن الحماية قبل دخولهم أوروبا. وضرورة تعزيز حماية الحدود الخارجية للاتحاد الأوروبية من خلال تعزيز وكالة حماية الحدود «فرونتكس»، وتشديد الإجراءات للتصدى لمواصلة الهجرة غير المصرح بها داخل الاتحاد الأوروبي. 4) التداعيات الاجتماعية تسببت أزمة اللاجئين فى زيادة معدلات التغير الديموجرافى الأوروبي، وفيما يجتهد الأوروبيون للتعاطى مع الأعداد المتزايدة من اللاجئين الذين يعبرون حدود بلدانهم، تتواصل الانقسامات بين الدول الأعضاء فى الاتحاد الأوروبى حول كيفية إدارة أسوأ أزمة إنسانية منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، وعلى المستوى التحليلي، لم تكن أوروبا مستعدة لتلقى هذا السيل الكبير من اللاجئين، الذين تطور إلى هجرة جماعية كبيرة، خاصة فى ظل تجنب سياسات دول الاتحاد الجانب الإدماجى المتعلق بقضية اللاجئين، بالإضافة إلى أن اختلاف سياسات دول الاتحاد فى التعامل مع هذه المشكلة، وبات من الصعب تنظيم متوازن لتقاسم الأعباء بين الدول الأعضاء. وضمن هذا السياق؛ فإن هناك بعض العوائق التى تقف أمام إدماج اللاجئين، مثل عدم المعرفة باللغة المحلية واختلاف الثقافات وعدم تفهم المجتمعات للأوضاع الخاصة باللاجئين والتمييز ضد الأجانب، بالإضافة إلى التأثير النفسى وعدم إمكانية القيام بأى نشاط أثناء إجراءات اللجوء، ومن ناحية أخرى؛ فإن سياسات الهوية والمشاعر المناوئة للاتحاد الأوروبي، كانت منتشرة قبل وصول تدفق اللاجئين إليها، ومن ثم ستكون محاولة إدماج مئات آلاف اللاجئين فى الدول المُضيفة أمرًا صعبًا، ومن ثم فإن المشكلة فى المرحلة الراهنة هى أن عملية الهجرة فوضوية بشكل كبير. والعديد من المواطنين الأوروبيين يعتبرون أن انتشار أمواج من الناس فى شوارع أوروبا يهدد نمط حياتهم الراسخ. ولذلك، تشهد الحركات الشعبوية التى تضرب على وتر هذه المخاوف صعودًا فى العديد من الدول الأوروبية. ختامًا: من الواضح أن محاولات أوروبا منع تدفق اللاجئين القادمين عبر البحر المتوسط أو من خلال الدول القريبة من تركيا ستظل تعتمد على الحواجز والأبواب المغلقة التى لا تجد نفعا سوى أنها تغير موقع التحدى الجغرافى. وفى النهاية سيكون وضع سياسة لتنظيم الهجرة هو النهاية المرجحة فيما تدعو مفوضية الأممالمتحدة العليا للاجئين إلى المزيد من عمليات المساعدة والإنقاذ، وتعزيز الوسائل القانونية مثل برامج إعادة التوطين، ومنح تأشيرات الدخول الإنسانية، وزيادة إجراءات إعادة شمل العائلات. مع هذا.