3 إعفاءات للأشخاص ذوي الإعاقة في القانون، تعرف عليها    بصور قديمة.. شيريهان تنعي الفنان الراحل صلاح السعدني    حزب "المصريين" يكرم 200 طفل في مسابقة «معًا نصوم» بالبحر الأحمر    بجوائز 2 مليون جنيه.. إطلاق مسابقة " الخطيب المفوه " للشباب والنشء    عيار 21 الآن فى السودان .. سعر الذهب اليوم السبت 20 أبريل 2024    تعرف على موعد انخفاض سعر الخبز.. الحكومة أظهرت "العين الحمراء" للمخابز    رسميا.. سعر الدولار مقابل الجنيه المصري اليوم السبت 20 إبريل 2024 بعد الانخفاض الأخير    GranCabrio Spyder| سيارة رياضية فاخرة من Maserati    نشرة منتصف الليل| الأرصاد تكشف موعد الموجة الحارة.. وهذه ملامح حركة المحافظين المرتقبة    300 جنيها .. مفاجأة حول أسعار أنابيب الغاز والبنزين في مصر    عميد تجارة الإسكندرية: السيطرة على سعر الصرف يزيد من فرص الاستثمار    انفجار في قاعدة كالسوم في بابل العراقية تسبب في قتل شخص وإصابة آخرين    سمير راغب: إسرائيل لا تمتلك الإمكانيات لاستهداف المنشآت النووية الإيرانية (فيديو)    ارتفاع عدد الشهداء جراء استهداف منزل في حي تل السلطان إلى 8 بينهم 5 أطفال    «أتمنى الزمالك يحارب للتعاقد معه».. ميدو يُرشح لاعبًا مفاجأة ل القلعة البيضاء من الأهلي    لؤي وائل يروي تفاصيل سقوطه أثناء مباراة بلدية المحلة.. 40 دقيقة مغمى عليا    28 مباراة بينها 3 للأهلي.. مواعيد مباريات اليوم والقنوات الناقلة    فودين يكشف أسباب ارتداء الرقم 47 مع مانشستر سيتي    ريو آفي يتعادل مع أروكا بالدوري البرتغالي    بشكتاش يهزم أنقرة جوجو.. ويقترب من مركز طرابزون    يوفنتوس يواصل فقد النقاط بالتعادل مع كالياري.. ولاتسيو يفوز على جنوى    حالة الطقس اليوم.. حار نهارًا والعظمى في القاهرة 33 درجة    9 مصابين في انقلاب سيارة ربع نقل في بني سويف    "محكمة ميتا" تنظر في قضيتين بشأن صور إباحية مزيفة لنساء مشهورات    كل ما تريد معرفته عن رياح الخماسين التى تضرب البلاد الآن    جنازة مهيبة للطفل ضحية جاره.. ذبحه داخل شقة في شبرا الخيمة    حريق هائل بمخزن كاوتش بقرية السنباط بالفيوم    وزارة الداخلية تكرم عددا من الضباط بمحافظة أسوان    إياد نصار: لا أحب مسلسلات «البان آراب».. وسعيد بنجاح "صلة رحم"    محمد حماقي يُشعل حفل نجمل محمد فؤاد (بث مباشر)    يسرا: فرحانة إني عملت فيلم «شقو».. ودوري مليان شر    نبيل الحلفاوي متأثرًا بوفاة صديقه الفنان صلاح السعدني: «اليوم ودعت جزءًا كبيرًا وجميلًا وعزيزًا من عمري»    سمية الخشاب: استحق جائزة أفضل ممثلة في مسلسلات رمضان    استعد لاحتفالات شم النسيم 2024: نصائح وأفكار لتجديد فرحة الربيع بأساليب مميزة    خالد منتصر: معظم الإرهابيين مؤهلات عليا    أعظم الذكر أجرًا.. احرص عليه في هذه الأوقات المحددة    أدعية الرزق: أهميتها وفوائدها وكيفية استخدامها في الحياة اليومية    آلام العظام: أسبابها وكيفية الوقاية منها    عمرو أديب يطالب يكشف أسباب بيع طائرات «مصر للطيران» (فيديو)    داليا عبد الرحيم: الإخوان أسست حركات لإرهاب الشعب منذ ثورة 30 يونيو.. خبير: عنف الجماعة لم يكن مجرد فعل على الثورة.. وباحث: كان تعاملهم برؤية باطنية وسرية    عاجل - فصائل عراقية تعلن استهداف قاعدة عوبدا الجوية التابعة لجيش الاحتلال بالمسيرات    إعلام عراقي: أنباء تفيد بأن انفجار بابل وقع في قاعدة كالسو    وزير دفاع أمريكا: الرصيف البحري للمساعدات في غزة سيكون جاهزا بحلول 21 أبريل    خبير ل«الضفة الأخرى»: الغرب يستخدم الإخوان كورقة للضغط على الأنظمة العربية المستقرة    إياد نصار يكشف سبب مشاركة الشيخ خالد الجندي في مسلسل صلة رحم    تعليق مثير من ليفاندوفسكي قبل مواجهة «الكلاسيكو» ضد ريال مدريد    باحث عن اعترافات متحدث الإخوان باستخدام العنف: «ليست جديدة»    وزير الرياضة يتفقد المدينة الشبابية بالغردقة    مرض القدم السكري: الأعراض والعلاج والوقاية    مرض ضغط الدم: أسبابه وطرق علاجه    «هترجع زي الأول».. حسام موافي يكشف عن حل سحري للتخلص من البطن السفلية    وزير الأوقاف ومحافظ جنوب سيناء يفتتحان أعمال تطوير مسجد الصحابة بشرم الشيخ    داليا عبد الرحيم: الإخوان أسست حركات لإرهاب الشعب منذ ثورة 30 يونيو    50 دعاء في يوم الجمعة.. متى تكون الساعة المستجابة    وزير الصحة يتفقد المركز الإفريقي لصحة المرأة ويوجه بتنفيذ تغييرات حفاظًا على التصميم الأثري للمبنى    حماة الوطن يهنئ أهالي أسيوط ب العيد القومي للمحافظة    انطلاق 10 قوافل دعوية.. وعلماء الأوقاف يؤكدون: الصدق طريق الفائزين    نصبت الموازين ونشرت الدواوين.. خطيب المسجد الحرام: عبادة الله حق واجب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الربيع العربى دمار وتشرد وبطالة وحرب أهلية وإرهاب

461 مليار دولار خسائر في البنية التحتية.. و289 مليار دولار خسائر في الناتج المحلى
فقدان 100 مليون سائح في الفترة من 2011 إلى 2014 استخدام التخريب كسلاح سياسى في النضال لتحقيق أهداف سياسية
ليست النزاعات السياسية والحروب بجديدة على العالم العربي، ولكن ما شهده منذ أواخر 2010 من أحداث عنف واضطرابات في تونس، أطلق عليها الربيع العربي، والذى انتقل إلى عدة دول أخرى مثل ليبيا ومصر واليمن، يختلف عن معظم حالات الاضطراب الإقليمى السابقة، ليس فقط في طول الوقت الذى تأثرت فيه أجزاء مختلفة من المنطقة، ولكن في الطريقة التى أثرت بها طبيعتها واسعة النطاق على معظم الدول العربية، سياسيًا واقتصاديًا واجتماعيًا، وإن كان بطرقٍ مختلفة إلى حد كبير.
ومن آثاره أنه تسبب في عزل القادة الذين خدموا لفترة طويلة من مناصبهم، وحدوث حراك وتغيير النخب السياسية الحاكمة في جميع أنحاء العالم العربي، بينما حاولت الدول الأخرى مثل المغرب ودول الخليج التخفيف من حدة السخط العام في ظل تزايد خطر امتداد الثورات إليها بما يزعزع استقرارها. وقد أثرت الثورات على الاستقرار السياسى في جميع أنحاء المنطقة، سواء من خلال المظاهرات الفعلية في مختلف البلدان أو من خلال شبح التأثيرات الإقليمية المستمرة على الدول التى لم تتدفق إليها، فقد تراجعت قيمة الاستقرار السياسى في مصر من (-0.91 في عام 2010) إلى (-1.45، -1.46، -1.62 في الأعوام 2011، 2012، 2013 على التوالي)، أما في ليبيا فقد تراجعت قيمة الاستقرار السياسى وفقًا للبنك الدولى من (-0.03 في عام 2010) إلى (-1.29، -1.54، -1.81 في الأعوام 2011، 2012، 2013 على التوالي، وفى سوريا تراجعت قيمة الاستقرار السياسى من (-0.81 في عام 2010) إلى (-2.01، -2.69، -2.68 في الأعوام 2011، 2012، 2013 على التوالي) فكانت أبزر مؤشرات عدم الاستقرار السياسى ما يلي:
تغيير النظام
نتج عن الربيع العربى عدد من التغييرات في النظام السياسي، مع تداعيات بعيدة المدى على الاستقرار والأمن، من بينها تغيير النظام، والذى أصبح على قمة مطالب الحركات الاحتجاجية والثورية في مختلف البلدان. وهو ما حدث بالفعل، ففى تونس فر الرئيس زين العابدين بن على من البلاد بعد أسابيع من الاحتجاجات في أعقاب إشعال محمد بوعزيز النار في نفسه في سيدى بوزيد في ديسمبر 2010، كما تنحى الرئيس حسنى مبارك في مصر بعد ثلاثة أسابيع من الاحتجاج الشعبي، أما في ليبيا فقد قُتل الرئيس معمر القذافى على أيدى قوات المتمردين بعد فراره من العاصمة، وقد تنحى على عبدالله صالح في فبراير 2012 في أعقاب تصاعد الاحتجاجات في اليمن لعدة أشهر متتالية. في كل حالة، أزاحت الاحتجاجات القادة السياسيين الذين حكموا بلادهم لمدة تتراوح بين 24 عامًا (بن على) و40 عامًا (القذافى)، تاركين وراءهم تصدعات عميقة في الأنظمة السياسية في جميع البلدان الأربعة.
الحكومات الانتقالية
كان التأثير الأطول أمدًا للثورات العربية التى أطاحت بالنظم السياسية الحاكمة هو حالة من عدم اليقين السياسى في ظل تجارب الحكم الانتقالى في ليبيا ومصر وتونس واليمن. فقد عانت الحكومات الانتقالية من مصادر خلاف متباينة منها التعارض في المصالح بين القوى الوطنية وكذلك بين القوى الدولية الراغبة في التحكم في طبيعة النظام السياسى الجديد، والافتقار إلى الشرعية السياسية في حد ذاتها كهيئة حاكمة غير منتخبة، سرعة معدل دوران الحكومات حيث كانت تبقى لفترات قصيرة فقط، بجانب عدم القدرة على معالجة القضايا المثيرة للجدل والتى غالبًا ما كانت تترك للحكومات المنتخبة اللاحقة. نتيجة لذلك، عانت القطاعات الرئيسية من حالة عدم اليقين الذى ساهم في تدهوره الأولويات المتنافسة جنبًا إلى جنب مع التوقعات بأن الحكومات يمكنها صياغة حلول سريعة لقضايا مثل الأمن والتى أدت إلى تآكل قدرة صناع القرار على وضع سياسات ملائمة لحلها.
الحرب الأهلية
لم تعرف أجزاء من المنطقة العربية بالربيع العربى كوقت فعلى لتغيير النظام ولكن كوقت للقتال المدنى المستمر بين القوى المتنافسة والحكومة المركزية. هذا ما حدث في سوريا حيث تحول الاحتجاج الأولى في مارس 2011 إلى حرب أهلية شاملة، مما أدى إلى نزوح ما يقرب من 2.4 مليون مواطن سورى وانقسامات بين الجماعات الدينية الطائفية المتصارعة على السلطة بجانب ترك آثار سياسية على الدول المجاورة لها - لبنان والعراق -، حيث إن كلتا الدولتين بهما صراعات طائفية ساهمت الحرب الأهلية في سوريا في زيادة احتمالية تأجيجها مرة أخرى. وقد أدى الاستخدام المزعوم للأسلحة الكيميائية ضد المدنيين في أغسطس 2013 إلى تدخل دولى ساهم في إطالة أمد الحرب الأهلية إلى الآن. وقد شهدت ليبيا وضعًا مماثلًا من تدهور الأمن الداخلى قبل إزاحة نظام القذافى وفى أعقابها. فالاقتتال المدنى العنيف بين القبائل والميليشيات والمدن أضحت ليبيا ممزقة بين الجماعات المختلفة. ولم يكن اليمن أفضل حالًا من نظائرها، فهى الأخرى تشهد إلى الآن حربا أهلية بين الحوثيين والحكومة الشرعية بقيادة عبد ربه منصور هادي، أدت بجانب تدهور الأوضاع الأمنية والإنسانية لليمن إلى التهديد بتفككها وتقسيمها مرة أخرى إلى شمال وجنوب وهو الأمر الذى عانت منه لسنوات طويلة.
انتشار أعمال التخريب والإرهاب
في حين أن الربيع العربى قد يُرى على أنه ساهم بطريقة أو بأخرى في استخدام التخريب كسلاح سياسى في النضال من أجل أهداف سياسية، فمن المهم التمييز بين حركات الاحتجاج في الشوارع العربية التى ميزت بدايات الربيع العربى وبين استخدام مجموعات أخرى التخريب لتحقيق أهداف تختلف اختلافًا كبيرًا عن مطالب المتظاهرين. ويعد اليمن مثالا بارزا على ذلك، حيث شهد هجمات إرهابية شبه منتظمة، وازداد فيه عدد اللصوص الساعيين لتحقيق مكاسب من هذه الأوضاع، وكذلك الإرهابيون المرتبطون بتنظيم القاعدة وإيران أيضًا، من خلال الاستيلاء على حقول النفط وتهريب الأسلحة، وقد تكرر ذات المشهد في سوريا ومصر وليبيا وإن كان بدرجات متفاوتة. تكرار هذه الأعمال في الدول الأربع أدى إلى غياب الأمن لفترات طويلة، وبالتبعية فاقم عدم استقرارها.
ارتفاع أعداد المهاجرين والنازحين
تسببت ثورات الربيع العربى وما تبعها من حروب أهلية في بعض الدول في ظهور أكبر موجة من الهجرة الجماعية في العالم منذ نهاية الحرب العالمية الثانية. فقد ساهمت الحروب في ليبيا وسوريا واليمن وعدم الاستقرار في معظم أنحاء العالم العربى في تشريد ما يزيد عن 17 مليون لاجئ في جميع أنحاء العالم، سعيًا إلى التخلص من الأوضاع الخطرة في دولهم بطرق أكثر خطورة - تتمثل في عبور البحر المتوسط - على أمل الوصول إلى حياة آمنة في أوروبا وغيرها. فقد خاطر أكثر من 45000 مهاجر بحياتهم أثناء عبورهم البحر المتوسط للوصول إلى إيطاليا ومالطا عام 2013 توفى منهم 700 شخص، وارتفع عدد الضحايا أكثر من أربع مرات في العام التالي، فوصل إلى 3224. بجانب ذلك أدى إلى ارتفاع عدد النازحين - المشردين - داخل بلدانهم التى مزقتها الحروب، فوصل إلى ما يزيد عن 33.3 مليون شخص.
يجدر الإشارة هنا إلى أن وجود المهاجرين في الدول المضيفة خلق ضغطًا غير مسبوق على الموارد الوطنية، ملثما حدث في الأردن ولبنان اللذين استضافا أكثر من مليون لاجئ سوري، أى أكثر من خمس السكان في كل منهما.
ارتفاع معدلات الجريمة
صاحب موجات الربيع العربي، ازدياد الجريمة سواء سرقات، قتل، اغتصاب، الاتجار بالمخدرات...الخ. ففى مصر - على سبيل المثال - رأى 90.91٪ من المشاركين في استطلاع رأى نشره موقع ناشيونال ماستر في 2014، أن الجريمة زادت خلال السنوات الثلاث السابقة، أى 2011 و2012 و2013، وأتت مصر في المركز الثانى على 93 دولة من حيث الاعتقاد بارتفاع معدلات الجريمة، بينما جاءت في المركز 32 من حيث ازدياد عدد الجرائم. وقد رأى 70.59٪ من المشاركين السوريين أن الجريمة قد ارتفعت بما جعل سوريا في المركز السادس من حيث الاعتقاد بارتفاع معدلات الجريمة، بينما جاءت في المركز الرابع من حيث ازدياد عدد الجرائم. أما في ليبيا فقد رأى 81.25٪ من المشاركين أن الجريمة زادت في السنوات الثلاث السابقة، وجاءت في المركز التاسع، بينما جاءت في المركز 18 من حيث عدد الجرائم، التى زادت عن مصر بنسبة 25٪. وقد رأى 80٪ من المشاركين اليمنيين أن الجريمة قد ارتفعت في اليمن، بما جعله يأتى في المركز الحادى عشر، بينما جاء في المركز 27 من حيث زيادة عدد الجرائم.
الأمن ركيزة لتحقيق النمو الاقتصادى
دائمًا ما تُظهر المؤشرات والتحليلات أهمية توفر الاستقرار السياسى كشرطٍ أساسى لتحقيق النمو الاقتصادى الذى يحتاج إلى بيئة سياسية حاضنة. ومن الصفات التى يجب أن تتسم بها البيئة الحاضنة الأمن، وقدرة الدولة والمؤسسات الحكومية على بسط نفوذها وسيطرتها على المجتمع لإنفاذ القانون. وتعانى الدول في حالات التغيير العنيف غير المنظم بأطر دستورية وقانونية من حالات هروب رءوس الأموال ممثلة في الاستثمار الأجنبى المباشر، والسياحة إضافة إلى تراجع ثقة المنظمات والمؤسسات الدولية في الإقراض لعدم ثقتها في حالة عدم استقرار الحكم التى قد تشهدها الدولة.
يُمثل غياب الأمن بيئة طاردة للاستثمارات خاصة في حالة سقوط الدول بعد حالات التحول السياسى التى تمر بها عبر أنماط التغيير العنيف. وفى هذا السياق، يُعتبر سقوط الدولة في العراق واليمن وليبيا وسوريا نموذجًا واقعيًا لخطورة القضاء على الدولة الوطنية من خلال دعم التغيير بالعنف خاصة أن هذه الأنظمة تقوم بوظائفها الأساسية تجاه مواطنيها مثل الأمن وتوفير الفرص الاقتصادية وتقديم الخدمات التعليمية والرعاية الصحية، وتحويل جهودها لمكافحة الجريمة غير المنظمة، ومقاومة الميليشيات العسكرية التى تعمل على القضاء على الدولة الوطنية لتحل محلها. وفى حال سقوط الدولة الوطنية تنشط معدلات الجريمة والفوضى والهجرة غير الشرعية سواءً لأسباب تتعلق بالفوضى أو حتى للبحث عن فرص اقتصادية واستثمارية أفضل.
تضع النظم السياسية حالة عدم الاستقرار السياسى كمرادف للعنف السياسي. وتُعرف الدولة غير المستقرة بافتقادها للسلم الأهلى وطاعة القوانين نتيجة التغييرات السياسية والاجتماعية غير المنظمة، وهو ما قد يُولد حالة من العنف الجماعى بعكس إجراءات التغيير المؤسسى والدستوري. وتشهد الحالة الليبية ذلك الوضع؛ حيث تحول الجيش الوطنى إلى مجموعات من الكتائب والميليشيات التى يُغذيها المرتزقة. ومن المؤكد أن هذه الميليشيات تعمل على الهيمنة على القرارات الحكومية في مقابل الحماية.
خسائر الربيع العربى
وفقًا للتقارير الصادرة عن المنظمات الدولية والأمم المتحدة، كانت الدول العربية أكبر الخاسرين من أحداث ما سُمى بالربيع العربي. وفى هذا السياق، كشفت أرقام البنك الدولى ومؤسسات دولية أخرى أن إجمالى خسائر الدول العربية من هذه الأحداث بلغ 600 مليار دولار إضافة إلى أكثر من 22 مليون متعطل عن العمل. وقد أشارت اللجنة التحضيرية للملتقى العالمى لإعادة الإعمار ومستقبل البناء في دول الصراع إلى حاجة كل من سوريا والعراق مجتمعتين إلى ما يقارب 500 مليار دولار لإعادة إعمار ما دمرته الحروب.
وصدر عن المنتدى الاستراتيجى العربى في دبى تقريرًا يفند قيمة الفاتورة الباهظة التى تدفعها الشعوب العربية جراء أحداث التغيير العنيف التى بدأت عام 2011. ويشير تقرير المنتدى إلى خسارة في البنية التحتية تقترب من 461 مليار دولار، وخسارة الناتج المحلى الإجمالى للدول أكثر من 289 مليار دولار فضلًا عن خسارة أكثر من 35 مليار دولار كاستثمار مباشر. إضافة إلى الخسارة المادية، فقد نجم عن الربيع العربى 15 مليون مشرد، ووقوع 1.3 مليون ما بين جريح وقتيل.
واستغلت التنظيمات الإرهابية والجماعات المتطرفة الفوضى في سوريا واليمن وليبيا لتؤسس لنفسها موطئ قدم. علاوة على الخسارة الاقتصادية، خسر التراث العالمى العديد من المناطق الأثرية لا سيما في العراق وسوريا وليبيا بفعل أنشطة التنظيمات المسلحة التى عملت على تأجيج الصراعات المحلية التى عملت على استغلالها لنشر حالات الفوضى والعمل على تمكين الأيديولوجية المتطرفة. وخلص تقرير المنتدى الاستراتيجى العربى إلى أن حالات عدم الاستقرار وموجة الإرهاب بالمنطقة العربية أدت إلى انخفاض حاد في نمو حركة السياحة التى فقدت نحو 100 مليون سائح في الفترة بين 2011-2014.
الاقتصادات والتغيير
تعرض الاقتصاد المصرى لخسارة فادحة نتيجة انطلاق شرارة التغيير في 2011. وأشار الرئيس عبدالفتاح السيسي إلى أن مصر خسرت منذ يناير 2011 أكثر من 100 مليار دولار؛ حيث انعكست حالة عدم الاستقرار السياسى والأمني التى مرت بها مصر منذ 2011 على قطاعات السياحة والصناعة إضافة إلى ارتفاع فاتورة مكافحة أنشطة تنظيم الدولة الإسلامية الإرهابى في سيناء وما نجم عن هذه الحرب من خسائر مادية وبشرية. وفى هذا السياق، وصلت خسائر شركة مصر للطيران إلى 777 مليون دولار أى ما يقارب 13 مليار جنيه نتيجة تأثرها بحالة العنف التى أدت إلى إسقاط طائرة مملوكة لإحدى الشركات الروسية في سيناء مما أدى إلى تعليق عدد كبير من الشركات الجوية لرحلاتها إلى مصر وهو ما انعكس بطبيعة الحال على تراجع معدلات السياحة. وقد وصل الاستثمار قبل 2011 إلى 37 مليار دولار فيما وصل إلى صفر في مايو 2011. من ناحيةٍ أخرى، تهاوى الاحتياطى النقدى الأجنبى المصرى من 36 مليار دولار مطلع يناير 2011 إلى 15 مليار دولار في ديسمبر 2012، ثم وصل بعد ذلك إلى حافة الخطر لولا جهود الدولة المصرية بعد عزل الإخوان في يونيو 2013 لاستعادة الثقة في الاقتصاد المصرى من خلال تحقيق الأمن وبدء مرحلة البناء الدستورى للمؤسسات.
لم يقتصر تأثر مصر من أحداث 2011 بالجوانب الاقتصادية وحدها ولكن تمدد الأمر إلى تهديد الأمن القومى المصرى خاصة مع انتشار الحركات والتنظيمات الإرهابية المسلحة كتنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، وتنظيم القاعدة في محيطها الجغرافى وعمقها الاستراتيجى في كل من ليبيا واليمن وسوريا التى تمثل امتدادًا طبيعيًا للأمن القومى المصري. فضلًا عن فقدان مصر لسوق العمل الليبى الذى كان يستوعب ما يقترب من مليون عامل في مختلف الحرف والمهن، وهو ما مثل عبئًا إضافيًا على كاهل الدولة المصرية التى لم تكن تعافت بعد من كلفة عملية التغيير التى ضربتها في 2011.
ويتشابه الوضع في سوريا واليمن وليبيا؛ إذ بات يسيطر النمط الميليشياتى على مناطق كبيرة من البلاد. وقامت هذه الميليشيات بتشكيل حكومات ومجالس حكم تابعة للقيام بوظائف الدولة، ولكن هذا لم يكن طريقًا لتحقيق نمو في المعدلات الاقتصادية، واقتصر فقط على تسيير احتياجات الناس اليومية بجانب حروب العصابات التى يمارسونها ضد الحكومات الوطنية وذلك لضمان استمرار الأوضاع الراهنة.
وتعرضت ليبيا لموجة عاتية من الفوضى في 2011 أدت إلى سقوط مخازن الأسلحة بأيدى الميليشيات والتنظيمات المسلحة مما انعكس سلبًا على دول الجوار خاصة مصر التى عانت من تهريب الأسلحة عبر حدودها الممتدة مع ليبيا. وخسرت ليبيا نحو 60٪ من عائداتها النفطية التى كانت تمثل 94٪ من عائدات النقد الأجنبى للحكومة الليبية قبل 2011. وتراجع نصيب الفرد من الثروة إلى نحو 7820 دولار بمعدل تراجع قدره 40٪ مما كان عليه الوضع قبل 2011. وفى السياق ذاته، انهارت البنية التحتية للدولة في سوريا واليمن؛ إذ تشير التقارير الدولية إلى حاجة هذه الدول إلى عشرات المليارات من الدولارات لإعادة الإعمار. ختامًا؛ تُخلف حالة التغيير غير المنظم عبر النظم الدستورية والقانونية خسارات فادحة على كل المستويات سواءً السياسية أو الاقتصادية أو المجتمعية؛ إذ ينتج عن هذا التغيير فراغًا قانونيًا في العمل المؤسسى مما يدفع إلى تنشيط حالات عدم الاستقرار والفوضى، وهى ما تحفز من غياب الثقة في الاقتصاد وهروب الاستثمار وتزايد معدلات الجريمة كنتيجة لغياب الاستقرار السياسي.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.