استضافت القاهرة خلال الفترة من 6 وحتى 8 يوليو الجارى الندوة الثقافية الدولية، حول فن «الدان الحضرمي» والتى تقام تحت رعاية مروان دماج، وزير الثقافة اليمني، والدكتور محمد على مارم، سفير الجمهورية اليمنية بالقاهرة، والتى تأتى ضمن مشروع إدراج الدان الحضرمي ضمن عناصر التراث اللامادى للإنسانية، بمشاركة العديد من الخبراء والباحثين المهتمين بفن الدان الحضرمي والغناء اليمني. يتميز اليمن بكونه منجمًا غزيرًا وواحدًا من أغنى الشعوب من حيث الموروث الثقافي غير المادي، ويعود ذلك إلى مساحته الشاسعة وتنوع تضاريسه الجبلية والصحراوية والهضابية، والساحلية ووجوده فى موقع جغرافى مهم، وتعتبر مدينة حضرموت دليلًا واضحًا على غزارة هذا التنوع الثقافى، خاصة فيما يتعلق بالتراث الثقافى غير المادى بمختلف أشكاله، ويُعد فن الدان أحد أهم عناصر هذا الموروث الثقافى، والذى يمتد منذ القدم، إلى وقتنا هذا، حيث يمثل أحد أنواع الهوية الثقافية الحضرمية، وأن ديمومة واستمرار فن الدان الحضرمى وانتقاله عبر الأجيال يدل على أهميته ومكانته لدى الإنسان الحضرمى الذى يحترم وينظر بكل تقدير إلى موروثه الثقافى ويحافظ عليه. كما انتقل فن الدان عبر الأجيال المتعاقبة عن طريق المشافهة والممارسة، وما زالت الأجيال تحافظ عليه عبر كتابته والاحتفاظ بالأشعار فى مخطوطات، ونظرًا لما تمر به المنطقة العربية فى ظل الفضاء المفتوح، فأصبح من الضرورى الحفاظ على مثل هذا الموروث الثقافى من تأثير تلك الفضاءات المفتوحة على الهوية الثقافية المحلية والتركيز على قضية الحفظ كأحد التدابير المثلى لتجنيب التراث من مخاطر الطمس والتشويه. ولفن الدان الحضرمى له خصوصية طقسية، فجذوره ضاربة فى العمق الثقافى اليمني، كما أنه يلعب دورًا محوريًا مهمًا فى الهوية الثقافية والاجتماعية اليمنية عامة والحضرمية بشكل خاص، كما أن هذا الفن يمثل جزءًا من الثقافة المعاصرة بفضل بلاغة معانيه وروعته ومهارة فنانيه، بالإضافة إلى قيمته كدليل تاريخى على ما تملكه اليمن من حضارة أصيلة راقية منذ القدم. ولذا تم اختيار عنصر فن الدان الحضرمى لإدراجه على قائمة اليونسكو للتراث الثقافى غير المادي، لكونه يمثل أحد أهم عناصر الهوية الفنية اليمنية، وكذلك استمراه وانتقاله عبر عدة أجيال. وتتضمن الندوة العديد من أوراق العمل من قبل باحثين وخبراء دوليين مهتمين بالغناء والموسيقى اليمنية، وفى مقدمتهم الدكتور جون لامبيرت والدكتورة شهرزاد قاسم، والدكتورة نجوى عذرا، والدكتورة جابرولا براون، وممثل اليمن فى اليونيسكو الدكتور أحمد الصياد والدكتور نزار غانم والدكتور سمير مقرانى والدكتورة آنا بولين، وبمشاركة مصرية للدكتور مصطفى جاد عميد المعهد العالى للفنون الشعبية بأكاديمية الفنون. وتناولت أوراق العمل بندوة خصوصية تعريف فن الدان، للدكتور شهرزاد قاسم حسن، وورقة بحثية بعنوان «الدان الحضرمي: دور السياق الاجتماعى وسياق الأداء فى آلية التوثيق» للدكتور جون لامبيرت، فيما قدم الدكتور مصطفى جاد ورقة بحثية تحت عنوان «مكنز التراث الثقافى غير المادى أداة مهمة لصون التراث»، فيما قدم الدكتور نزار غانم ورقة بحثية بعنوان الدان كعنصر معبر عن الثقافة غير المادية اليمنية، أما الشاعر جيلانى الكاف قد قدم ورقة بحثية بعنوان الحفاظ على الدان ومواكبته العصور ونقل معارفه للأجيال. وبدأ الإعداد للملف بعمل بندوة أقيمت فى مدينة سيئون بمحافظة حضرموت، خلال الفترة من 24 وحتى 25 أبريل 2019، حيث قام وزير الثقافة اليمنى مروان أحمد دماج بتشكيل فريق عمل من المختصين والباحثين والإداريين بتجهيز تصور متكامل عن كيفية وإجراءات إعداد ملف الدان الحضرمى آلية تنفيذه بالشكل والوقت المناسب، كما تم إصدار بتشكيل هيئة استشارية لإعداد ملف الدان تحت إشراف محافظ حضرموت اللواء فرج البحسنى والمكونة من 22 عضوًا من أبرز الشخصيات الاجتماعية والفنية والمهتمة بفن الدان، كما تم إقرار بإنشاء مركز الموروث الشعبى الحضرمى ومهمته الأولى هى حفظ وتوثيق ونشر التراث غير المادى لمدينة حضرموت، ويُعد هذا المركز بداية لأنشطة المراكز، والتى ستبدأ بعملية البحث الميدانى المتكامل لفن الدان الحضرمي، وإدراجه ضمن قائمة الحصر الوطنية. كما قدم خلال الندوة الأولى التى قدمت بمدينة سيئون بمحافظة حضرموت سبع ورقات بحثية تناولت خلالها فن الدان الحضرمى والتى شارك فيها الدكتور عبدالله البار بورقة بحثية بعنوان «مصطلح الدان الحضرمى بين العموم والخصوص، وتطرق خلال الورقة إلى أصل الدان ونفى كل ما هو متعارف عليه من قبل الباحثين فى أصل الدان، حيث إن هذا البحث قد أثار العديد من التساؤلات المهمة التى يجب أن يبحث فيها الباحثون المختصون فى فن الدان الحضرمي، كما تطرق الباحث على بارجاء فى ورقته التى حملت عنوان «الدان الحضرمى بحث فى المصطلح اللغوي» إلى التعريفات المختلفة لفن الدان فى اللغة. أما الباحث الموسيقى جابز على أحمد فقد قدم ورقة بحثية بعنوان «منهجية نقل المعارف التراثية الموسيقية والمحافظة عليها» والتى ذكر خلالها موقع فن الدان الحضرمى فى التقسيم الموسيقى والغناء اليمنى التقليدي، وطرق وآليات الحفاظ على الدان السيئوني، وطريقه نقل المعارف التقليدية لهذا الفن للأجيال القادمة، أما الباحث والروائى اليمنى صالح باعامر فقد قدم «الدان اللحن أولًا» والذى تطرق من خلالها إلى جماليات الدان الفنية والشعرية واللحنية والروحية، والفضاء الثقافى والمجتمعى المرتبط بفن الدان. كما خرجت الندوة الأولى بعدة توصيات مهمة، جاء على رأسها توصيف الدان الحضرمى من خلال وضع تعريف واضح ودقيق يحدد إطار هذا الفن المتميز، المطالبة باستكمال اعتماد وإدراج الدان الحضرمى ضمن قائمة التراث الثقافى غير المادى للبشرية، تدريس الفن الشعبى «الدان الحضرمى - الموشح الصنعاني» وغيرها من الفنون فى المناهج الموسيقية فى كليات الفنون فى الجامعات اليمنية، وطباعة، حصر وتوثيق أبرز أعمال أعلام الدان الحضرمي، وتكريمهم نظير إسهاماتهم فى هذا الفن، جمع الصور الشخصية والسير الذاتية أعلام الدان الحضرمى ووضعها فى الأماكن العامة فى حضرموت واليمن بشكل عام، الشروع فى مسح وتسجيل أغاني الدان الموجودة فى المكتبات العامة والخاصة، والعمل على حفظها وأرشفتها فى وعاء بإشراف وزارة الثقافة، إنشاء مركز لأبحاث التراث الشعبى لاسيما الدان الحضرمي، مراسلة اليونيسكو بأهمية فن الدان الحضرمى باعتباره منجزًا تراثيًا يمنيًا منحدرًا من عمق التاريخ اليمني، تنظيم حملة تعريفية واسعة بهذا التراث على الصعد المحلية الإقليمية والدولية، تشجيع ودعم إقامة جلسات الدان الحضرمى والملتقيات والفرق المهتمة بذلك، وإقامة مهرجان للدان الحضرمي، ومشاركته ضمن برامج الأسابيع الثقافى.