أصدرت مجلة العربي الكويتية في عددها الجديد بحثا تحت عنوان "حكمة التقشف" للباحثة اللبنانية مهي قمر الدين. وجاء في البحث: "أنه على مر العصور، عبر المفكرون والفلاسفة والحكماء عن أهمية التقشف، ناتج ذلك عن معيشة أغلبيتهم حياة بسيطة، كان أغلبهم يرى أن التقشف دواء شاف للعقول والأجساد المضطربة في الأوقات العصيبة، فعلى سبيل الذكر كان سقراط "يربط التقشف بالسعادة". وكان أيضا أفلاطون يدعو إلى التواضع في السكن والملبس والغذاء قائلا أن البساطة في تلك الأمور من شأنها أن تشجع على النقاء الأخلاقي. وغرد الكاتب الأغريقي ديوجين داخل نفس السرب قائلا: كنت استخدم جرة خزفية كبيرة كمأوي لي، وكان في كثير من الأحيان ينام علي عباءته المطوية فقط، وكان يتبع نظاما اقتصاديا يتجاوز حتى التطرف الشبيه بالرهبنة، يأتي "الفيلسوف الكبير "فريدريك نيتشه"، الذي تم وصف حياته كالاتي: فوق جبل مثل راهب من دون دير. هناك معيار أساسي لحياة التقشف، ولكن يتبادر سؤال لأذهاننا هل كانت تتم الدعوة لتلك الحياة عن طريق المفكرين والحكماء؟، فلما لم يصبح التقشف هو المعيار العالمي الأساسي المتبع؟، هناك نقطة واحدة يتفق عليها الحكماء، هي أنه ليس من الصعب تحقيق البساطة في حياتنا، فبعد كل شئ ضروريات الحياة قليلة، والحصول عليها أمر سهل، الشراب والطعام ضروريان للبقاء، بل والمسكن، إلى أن تطورت متطلباتنا لتصبح الثلاجة والغسالة والمواقد والهواتف أمر هام لنا. الاقتصاد الحديث الآن أخذ يبني على قدراتنا علي الإنتاج، ومن ثم الاستهلاك بشكل أسرع وأسرع، فغالبا كما قال "أمريس ويستكوت" في كتابه عن التقشف، الأقل هو الأكثر تقريبا، مفسرا ذلك بأن تصليح المقتنيات القديمة بدلا من شراء غيرها هو الافضل، كالساعات المعطلة والجوارب المرتقة، والأغطية المرقعة. وبالرغم من وجود من يقومون بإصلاح تلك التلفيات الا اننا نجد ذلك لم يعد متوافقا مع مفاهيم الحياة الحديثة، كما أنه بات من دون جدوي اقتصادية. من هنا نكتشف اهمية التقشف الذي ليس هو الاقتصاد او توفير المال او الطعام، لكنه يفرض اتباع التقشف ضرورة طرح تلك الاسئلة عند الهامة عند التفكير قبل الشراء، فهل حقا نحن بحاجة لشراء تلك المنتج؟، وما أصغر حجم منزل نحن بحاجة إليه؟، وعن شراء السيارات هل نحن في حاجة لشرائها، التقشف يدور حول شراء أقل والشراء بشكل أفضل، والامتناع عن الاستهلاك الطائش، فأصبحنا الان تحت ضغط تلك الاعلانات عبر وسائل التواصل الاجتماعي الذي تظهر امامنا وبشدة، وإذا نظرنا حولنا سنجد أهمية التقشف كمبدأ أساسي لحياتنا، تناولت العديد من الكتب تلك القضية فكان كتاب " كيف يمكنك ان تنفق أقل وتعيش أكثر؟"، وكتاب "لن أشتريها.. عامي من دون تسوق"، والعديد من البرامج التلفزيونية مطالبين منا كيفيه الحصول علي المال والتقليل في الإنفاق. من هنا أصبح كل ذلك يشبه بداية لتلبية استجابة دعوات الحكماء، ماضيا وحاضر، من أجل المحافظة على الموارد البيئية وليس من اجل مصلحة شخصية، لمساعدة كوكب الأرض على تحسين البصمة الكربونية وأيضا من أجل الحصول على حياة أكثر بساطة عاشها الأجيال من قبلنا، لأن الحياة البسيطة أضمن طريق إلى السعادة.