تجلس أم علي ذات الخمسين عاما بجوار الرصيف فى ميدان مصطفى محمود، تبيع الجرائد للمارة والأهالى منذ عشرين عامًا، حتى باتت ركنًا أساسيًا من الميدان، ألفها الأهالى وأصحاب المحلات وكذلك المارة، وأصبحت صديقة للجميع هناك، لا تقتصر العلاقة على البيع والشراء، بل يحبون حديثها لأنها على حد وصفهم «بركة»، تدعى لهم أن يرزقهم الله من الأقدار أجملها، كافحت لعشرين عامًا متواصلة من أجل توفير لقمة العيش لأسرتها، إنها الحاجة «بثينة عطا حسين» أو الحاجة «أم علي» كما تحب أن تنادى. توصف «أم علي» معاناتها فى مجال بيع الجرائد وعدم استقرار الرزق اليومي، وكذلك توصف بقاءها فى الشارع يوميًا من الثامنة مساء وحتى الصباح، وكيف نال برد ليالى الشتاء القارس من عظامها، وتبللت ملابسها من المطر وواجهت الأمراض الموسمية، قائلة «تعبت وشقيت طول عمرى وشربت برد الشتا كله والمطرة نزلت علي، أنا بقعد فى الشارع طول الليل وجالى الضغط، والسكر كل سنانى وضعف نظري». شاءت الأقدار أن يصادف مكان إنشاء خط مترو الأنفاق الجديد، الموقع الذى تجلس فيه منذ عشرين عامًا، فانتقلت من الرصيف الذى يتوسط الميدان، إلى جانب لا تقع عليه الأنظار كثيرًا، فضعف الدخل اليومى لها، ولكن برضا نفس لا تتوقعه الآذان وعيون مطمئنة تتنظر الفرج، تقول « الرزق قل، لكن ربنا مبينساش حد، الحمد لله على كل حال». لا تمتلك الأم الصابرة الراضية سوى شقة قانون إيجار جديد، تسكن فيها مع أولادها الثلاثة، «على 29 عامًا بكالوريوس إعلام»، و«مصطفى 27 عامًا ليسانس آداب انجليزي»، و«زينب 20 عامًا طالبة فى كلية السياحة والفنادق»، وذلك بعدما تحملت مسئوليتهم كاملة بعد وفاة زوجها وكانت ابنتها لم تُكمل عامها الأول بعد، مؤكدة أن مصر بها «مليون أم على» تصبر على الشقاء من أجل أولادها، وتضطر للعمل يوميًا رغم السن والمرض بسبب عدم تواجد فرص عمل لابنيها. مؤكدة أن مصر باقية «بناسها الطيبين»، متمنية من الله أن يمدها بالصحة حتى تتحمل مسيرتها الشاقة فى الحياة، قائلة: «المرض بييجى من الفقر والعجز، كل الأمراض اللى فىّ نتيجة زعل وهم وفكر، عشان شقيت عشرين سنة بس معملتش حاجة لولادى».