هنا أرض الكنانة .. بلد الأمن والأمان رغم أنف الحاقدين ورغم كيد الكائدين الذين يتآمرون لتشويه الوجه الجميل لأرض الكنانة وتصويرها على أنها "ارض الخوف" .. لكن وكما يقول أولاد البلد "ده بعيد عن حلمة ودنهم" .. فرغم الجريمة الإرهابية التي استهدفت بعض السائحين الفيتناميين .. ورغم تهديدات التنظيمات الإرهابية بتنفيذ عمليات إجرامية لافساد فرحة المصريين باستقبال العام الجديد، فقد عجزت قنابل الشياطين عن تغيير طبيعة المصريين السمحة التي تسمو فوق أي إرهاب أو مؤامرة تحاول النيل من إرادتهم السحرية. ومنذ قديم الأزل والمصريون في مثل هذا اليوم 31 ديسمبر من كل عام بيسألوا بعضهم السؤال الآتي نصاً وبدون أي تحريف: "ها تعمل إيه ليلة رأس السنة" .. وهذا سؤال مغلق بمعنى أنك لازم تعمل حاجة ليلة رأس السنة .. فمن منا لا يحتفل بليلة رأس السنة، طبعا الإجابة لا أحد، مع احتفاظ كل فرد بطريقته الخاصة في إحياء هذه الليلة الموعودة التي نودع فيها عاما بكل آلامه وجروحه ونستقبل عاما جديداً بكل ما فيه من آمال وطموحات، فالكل يراها مناسبة رائعة لتوديع عام مر بذكرياته السعيدة والبائسة، والتطلع لعام جديد يحدوه الأمل والتفاؤل في غد مشرق. وعلى قدم وساق تجري الاستعدادات في مصر المحروسة للاحتفال بليلة رأس السنة التي يتشارك فيها جميع طبقات المجتمع مسلمين ومسيحيين شباب وعواجيز، فهنا الكل يفرح ويمرح، حتى أن السائحين العرب والأجانب يفدون إليها في هذه الأيام لقضاء "الليلة الموعودة" في أحضان القاهرة الساحرة والتي تتسع لكل الأطياف. وبالتأكيد تختلف أشكال هذا الاحتفال من شخص لآخر، لكن الأمر المؤكد أن الجميع يحتفل، وهذا ما نعرضه في السطور الآتية: هأقضي ليلة رأس السنة على كورنيش النيل مع أصحابي ونتعشى كشري ونحلي بالمهلبية ، هذا ما أكده خالد عبده، طالب جامعة، الذي أضاف أن برودة الشتاء لا تحول بينه وبين تمضية هذه الليلة بطريقة مختلفة، أما عن متى ينام ليذهب لدراسته فالإجابة أن الطلبة يمنحون أنفسهم أجازة في أول أيام السنة الجديدة وبما أن أول يوم في السنة الجديدة الجمعة فطبعاً تكون الفرحة فرحتين.. يااااه دي سنة "بيضة" والنبي "بيضة". وحين سألنا احمد محمود، صحفي، عن كيف سيقضي ليلة رأس السنة أجابنا أنه سيمتطي دراجته البخارية ويحمل كاميراته ليسجل احتفال الناس ومن هنا فهذه الليلة ستكون خدمة شاقة لكن ممتعة بالنسبة له. أما مايكل شوقي فسيحتفل بالعام الجديد بحضور قداس في الكنيسة على أمل تجلي العذراء مريم في هذه الليلة ليكون نذير خير على البشرية، مؤكدا أن بركة ظهورها تهدي لجميع من يراها خيرا لا يقدر بثمن وتبقى أثاره طوال العمر. "أنا راجل صاحب عيال ومرتبي على القد، هاجيب لولادي لب وسوداني و2 كيلو "يوستفندي" وتبقى "الليلة يا عمدة" سعادة".. بهذه الطقوس البسيطة سيقضي عم حسين ليلة رأس السنة وسط عائلته التي لا تحلم بالملايين ولكن بالستر فهذه نعمة يراها عظيمة جدا فشعارهم جميعا "فقر بلا دين غنى كامل". "أم فتحي" بائعة الخضار حين سألناها عن كيف ستقضي هذه الليلة ردت علينا ردا بالغ التأثير حيث قالت بتلقائية: "يابني راس سنة إيه اللي انت جاي تقول عليها، أنا باروح لولادي بطلوع الروح وبيكون منى عيني أحط جسمي ع المرتبة علشان أنام وأقدر أصحى الصبح أشوف أكل عيشي، وع العموم يا سيدي إذا سهرت فسأصلي ركعتين لله أدعي فيهم لبناتي يتستروا في بيت العدل وابني يلاقي شغلانة قبل ما ينتحر". أما السواد الأعظم من "شعب" قاهرة المعز، وأنا من أنصارهم، فيقضي ليلته أمام شاشات التلفزيون أو على شاطئ النيل والكباري المقامة على النهر واشهرها "قصر النيل" و"عباس" و"الجامعة" مكتفين بقضاء الليلة على همسات النهر الخالد وهم يتناولون "الفول السوداني" و"اللب" و"حمص الشام" الساخن. * بالمناسبة هذه الأسماء رمزية لكل أبناء مصر الأصليين الذين يتحدون أي تهديدات وتنتصر لديهم إرادة الحياة على اي دعاوى سلبية أخرى . وبعيدا عن كل هذا وذاك فإننا نقدم نصيحة ذهبية للمواطن "المصري الأصيل الشريف" بأن يكتفي بالقبوع أمام التلفاز لمشاهدة المسرحيات العتيقة ليس خوفا من إصابته بالبرد جراء السهر.. بل عملا بالمثل الشعبي الشهير "على قد لحافك مد رجليك، أحسن ما يمدوك على رجليك". أما أنا شخصياً قررت أن أحتفل بهذه "الليلة الموعودة" على طريقتي الخاصة كما قضيتها في الأعوام الخمسة عشر السابقة منذ أن كتب الله علي الهداية وتكفير الذنوب وتزوجت، وهي أن أتضرع بدعائي هذا إلى الله تعالى عسى أن يجيبه لنا ولكم: اللهم اجعل أول عامنا الجديد بركة وأوسطه أمنا وأخره رحمة للعالمين اللهم ارض كل منا بما قسمت له أو اقسم لنا ما يرضينا اللهم ولا تحمل خلقك ما لا يطيقون انك بهم لراحم وعليهم لقادر اللهم طهر قلوب الحاكمين و"جيوبهم".. وأستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه .. ونشوفكم السنة الجاية إن شاء الله. خير الكلام (وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ ۗ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ)