يسعى الكيان الصهيونى منذ نشأته، لاختراق العقل العربي، خاصة الشباب، محاولا خلق صورة وردية لدولة الكيان، باعتبارها قلعة من قلاع الحرية والإنسانية. ويعد أفيخاى أدرعي، النسخة الأحدث لمحاولات الكيان الصهيونى اختراق العقل العربي، وسيذكر التاريخ، أن قناة «الجزيرة» القطرية، كانت أولى محطات «أدرعى» للوصول إلى عقل الشباب العربي، حيث قدمته القناة كمتحدث باسم جيش الكيان الصهيونى، فى محاولة هى الأكثر شذوذا فى الإعلام العربي، فقبل «الجزيرة» لم تكن تسمح محطة عربية بظهور ممثل لدولة الكيان الصهيونى. وبعد أن اكتسب «أدرعى» هذه الثقة، وذلك الحضور فى فضاء الإعلام العربي، كان من السهل أن تحظى صفحته على موقع ال«فيس بوك» بملايين المشاهدين والمتابعين، حتى وأن كانت ساخرة وغاضبة، وفى السطور التالية، سنحاول رسم صورة للاستراتيجية الصهيونية التى تستخدم «أدرعي» فى تلك المهمة. وفى 2005، استحدثت إسرائيل منصب المتحدث باسم جيش الاحتلال للإعلام العربي، أى أن إسرائيل منذ حوالى 13 عامًا تسعى للسيطرة على عقول الشباب العربي، عبر وسائل الإعلام المختلفة، وتحديدًا وسائل التواصل الاجتماعي، فهناك جيش من الكتائب الإلكترونية فى أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية، تضع على عاتقها هذه المهمة، وهى كيفية الوصول لكل متابع عربى على شبكات التواصل الاجتماعي، وتغيير صورة تل أبيب فى أذهانهم لتنشئة أجيال عربية لا يعنيها الصراع العربى- الصهيونى بل تتعايش مع الاحتلال كأمر واقع. وأدرك الاحتلال أنه لن يجد الشخص المناسب لهذا المنصب بسهولة، خاصةً فى ظل الرفض الشعبى العربى للكيان الصهيوني، لذلك وقع الاختيار على رائد فى جيش الاحتلال، من أصول عربية، وهو أفيخاى أدرعي، وبالتالى يفهم عقلية الشباب العربي، خاصةً بحكم إجادته التامة للغة العربية، ولهجاتها المختلفة. ودرس «أدرعي» العربية، وأرفقها بدراسة الحاسوب، وعمل فى وحدة 8200 للاستخبارات والتقصى الإلكترونى فى شعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية، وهو ما أهله للمنصب. وبدأ «أدرعي» بالظهور عبر فضائية «الجزيرة» القطرية، أثناء تغطيتها أحداث حرب لبنان 2006، فى تطبيع واضح من القناة الناطقة باسم قطر، مع دولة الاحتلال، واشتهر بانخراطه فى العديد من المواجهات والتراشق الكلامى باللغة العربية، مع متابعين وشخصيات من العالم العربي، من خلال شبكات التواصل الاجتماعي، حيث وصل عدد متابعيه على صفحته على «فيس بوك»، ما يقرب من 1269331 متابعًا. ويواظب «أدرعي» على التعليق على الكثير من الأحداث العربية، سياسية واجتماعية وفنية ورياضية، باستخدام العبارات الشعبية، والرموز الدينية الإسلامية، وعادة ما تلقى تدويناته وتصريحاته اهتمامًا كبيرًا، إذ يجيد استفزاز المشاعر العربية، دافعًا الشباب للتعليق بالسباب فى كثير من الأحيان على ما ينشره. ويتبارى كل صباح وعند كل مساء بالحكمة والموعظة الحسنة، تارة بنشر حديث نبوى شريف، وتارة أخرى بكتابة آية قرآنية، وفى مرات كثيرة بالمباركات الدينية. ويحاول «أدرعي» دائمًا الظهور بمظهر المتسامح، فيطل بابتسامة خبيثة، ولا يتوارى عن الكذب والنفاق، فهما وسيلته للنفاذ إلى عقول الشباب، إذ يسعى لرسم صورة وردية مغايرة لكيانه المحتل. ويستهدف جيش الاحتلال من هذه الصفحة، تحليل محتوى التفاعل ورصد اتجاهاته الفكرية والعقائدية، فجميع الحسابات على فيس بوك تحمل معلومات شخصية، يسهل الوصول إليها فى حال تابع صفحة «أدرعي»، وهو ما يعطيهم معلومات وفيرة عن الشباب العربي، مثل الفئة العمرية، تحصيلهم الأكاديمي، مستواهم المعرفى، ما يساعدهم فى وضع استراتيجيات جديدة للتخاطب والاستقطاب. ويستخدم «أدرعي» الصفحة فى أوقات محددة، للترويج لحرب قادمة، أو استعراض العمليات العسكرية، أو حتى الكشف عن المطبعين النافذين فى العالم العربي. وقال ميشيل دانييلي، الصحفى فى موقع القناة الثانية الإسرائيلية، إن أدرعى نجح فيما لم ينجح فيه سواه، فمتابعوه وإن كانوا يهاجمونه، فيكفى أن كل هذا العدد يتابعه، ما يسهل خطة الاحتلال فى تحقيق «التطبيع». فيما قال أحمد زايد، مؤسس الوحدة 73 مؤرخين، إن «أدرعي» يلعب دورًا غاية فى الخطورة، فى إطار الحرب الجديدة التى يشنها الاحتلال، والتى تتمثل فى احتلال العقول، لا الأراضي، مؤكدًا أن هذا النوع من الحروب، تُستغل فيها العقول المخترقة فى قتل وتدمير مجتمعاتها. وأضاف «زايد» أنه يستغل آيات من القرآن الكريم، وبعض الأحاديث الشريفة، لكسب ود العرب على وسائل التواصل المختلفة، مشددًا على أنه يقف وراءه جهاز الاستخبارات العسكرية «أمان»، الذى يدير حساباته فى سياق «الدبلوماسية الرقمية»، التى انتشرت منذ عام 2015. وأوضح أن هذا الجهاز، وكل الحسابات التابعة له، تعمل على هدف واحد، وهو «التطبيع الرقمي»، لتحقيق قبول شعبى عربي، من خلال سياسة تعتمد على علم «الهندسة الاجتماعية»، المعنية بتغيير قناعات الشعوب تدريجيًا، من خلال دراسة خصائصها النفسية. وحذر من أن «أدرعي» يدرس التعليقات التى يكتبها الشباب العرب على صفحاته، ويعمل على استغلال سخط هؤلاء الشباب على واقعهم، فى محاولة تجنيدهم للعمل لصالح الاستخبارات الرئيسية، مستشهدًا بقوله فى أحد مقاطع الفيديو التى بثها: «عدد كبير منكم يملك ميزات خاصة للانضمام إلى هيئة الاستخبارات الإسرائيلية». وأشار إلى أن معاونيه يدخلون على تدويناته ب«حسابات وهمية»، ويبدون إعجابهم بمنشوراته، مع إبداء آراء إيجابية على هذه المنشورات، فى محاولة لشق الصف العربي، وكى يشعر شباب العرب أنهم «ليسوا يدا واحدة». وأكد «زايد» أن «أدرعي» ومعاونيه، يعملون على توجيه الرأى العام العربي، وليس مجرد قياسه، من خلال هذه الحسابات، مشددًا على ضرورة التوعية بخطورة التفاعل مع منشورات هذا الأدرعي، وضرورة تجاهله بشكل كامل. فيما قال الدكتور أحمد فؤاد أنور، أستاذ الأدب العبرى بجامعة الإسكندرية، إن أفيخاى أدرعي، يحاول إحداث بلبلة فى المجتمعات العربية، بهدف شق الصف العربي، مشيرًا إلى المتحدث باسم جيش الاحتلال يسعد كثيرًا بالتعليقات التى يراها على صفحته، حتى لو وصل الأمر إلى «السباب»، فهذا التفاعل يؤكد نجاحه فى عمله. وأضاف «أنور» أن «أدرعي» يعمل على استفزاز مشاعر العرب، من خلال استخدام مقاطع فيديو لمشاهير العرب، مثل كوكب الشرق أم كلثوم، ونشر تدوينات تتعلق بالنجم المصرى محمد صلاح، أفضل لاعب فى الدورى الإنجليزي، ولاعب ليفربول. وأشار إلى أنه يستغل كذلك المناسبات الدينية الإسلامية، مثل الأعياد، وأيام الجمعة، وينشر آيات من القرآن الكريم، والأحاديث النبوية، فى محاولة للتقرب من العرب. وشدد «أنور» على ضرورة مراجعة الموقف من هذه الصفحة بشكل عام، ودراسة الأمر بشكل جيد، معرفة الهدف الحقيقى من وراء هذه المنشورات. وتابع أن «أدرعي» يعمل كذلك على جمع معلومات عن الشباب الذين يعلقون على منشوراته، لتقييم موقف هؤلاء الشباب من «التطبيع»، وليرى أى منهم يمكن تجنيده، لاتخاذ الخطوة التالية معه. وأكد «أنور» أن ظهوره على فضائية «الجزيرة» القطرية، أمر طبيعي، فى ظل العلاقة بين الكيان الصهيوني، ودولة قطر، التى تفتح له مساحات واسعة على قناتها ليدافع عن وجهة نظر جيش الاحتلال، وبالتالى تدخل أفكار تل أبيب للكثير من البيوت العربية، وتصبح متداولة بين أفراد المجتمع العربى بشكل عادي. ونصح الشباب، بتجاهل صفحة أدرعى بشكل كامل، وعدم تحقيق مبتغاه فى التفاعل الكبير معه، حتى وإن كان بالسباب، أو الهجوم على الكيان الصهيوني، المغتصب للأراضى العربية.