ما بين بطولات جند مصر البواسل والإنجازات التنموية للمصريين أصبحت الصحراء مصدرا ثريا للإلهامات الثقافية وباتت تستدعي المزيد من تجليات الإبداع كمعادل إبداعي للملحمة الوطنية المصرية " يد تحارب الإرهاب ويد تبني". ومع النجاحات المتوالية لعملية (سيناء 2018) الشاملة ضد عناصر الإرهاب وتطهير رمال هذه البقعة المصرية الحبيبة من دنس الظلاميين التكفيريين، تستعد سيناء بموقعها المميز لانطلاقة جديدة على طريق التنمية الشاملة بما يشكل إضافات جوهرية تثري ثقافة المكان في مصر الخالدة. وتفيد البيانات الرسمية المعلنة أن هذه الخطة للمجابهة الشاملة للإرهاب والتي يتواصل تنفيذها بنجاح على كل الاتجاهات تمتد بامتداد الخارطة المصرية وتشمل الحدود الغربية والجنوبية وتتضمن التأمين الشامل لكل أنشطة الحياة في مصر ومن بينها الأنشطة الثقافية. ولا ريب أن الجهد البطولي المجيد لجند مصر البواسل في تطهير كل حبة رمل وكل شبر في التراب الوطني المصري من الإرهاب يشكل مصدر إلهام لإبداعات ثقافية جديدة على مستوى تضحيات رجال القوات المسلحة والشرطة، فضلا عن الملحمة المصرية الحالية لتحقيق أضخم مشروع تنموي في تاريخ أرض الكنانة وهو مشروع يمتد بإنجازاته للصحراء والمناطق التي كانت توصف "بالنائية" ليجسد المصريون بحق شعارا جديدا:"يد تحارب الإرهاب ويد تبني". وتستدعي هذه الملحمة الوطنية المصرية والاتجاه لإقامة عاصمة اقتصادية جديدة بسيناء ضمن "رؤية سيناء مقصد العالم" والبرامج التنفيذية لتحقيق هذه الرؤية "المعادل الإبداعي سواء الروائي والسينمائي أو القصيدة وبقية قوالب وصيغ الإبداع" التي تعبر عن حقيقة أن سيناء التي حررها المصريون بالدم الغالي في حرب مجيدة وباتت تؤشر "لجغرافيا الشهداء في الثقافة المصرية" تتحول إلى رافعة تنموية ضمن النسيج الوطني المصري. وإذا كانت مصر الآن بحاجة ماسة "لثقافة أكتوبر" فإن أروع ما في ملحمة السادس من أكتوبر أن المقاتلين المصريين كانوا يقاتلون مدافعين عن شرف علم مصر وعيونهم ليست في ظهورهم وإنما ترنو للأمام في سيناء طالبين النصر أو الشهادة ليشكلوا ثقافة جديدة هي في جوهرها ثقافة التقدم للمستقبل. وهذه الثقافة بمكوناتها الجوهرية من مبادأة ومبادرة وابتكار وإبداع وتضحية وفداء وإيمان وفهم عميق لمعنى التراب الوطني ليست مجرد تاريخ وإنما حياة وثقافة حاضرة وفاعلة في الواقع وتضحيات جند مصر البواسل في حربهم ضد الإرهاب كما هي حاضرة في ملحمة البناء والتنمية. وها هي فصول الملحمة تتوالى وتثير اهتمام العالم ووسائل الإعلام في دول شتى وتلفت إنجازات المصريين في مستحدثات استغلال الطاقة الشمسية وتوليد الطاقة النظيفة من الصحراء مثل "مجمع بنبان الشمسي" في أقصى الجنوب المصري فيما سيضع هذا المشروع عند اكتماله بمحطاته ال 32 بتلك البلدة الواقعة في محافظة أسوان مصر على رأس الدول التي تمتلك أكبر محطات الطاقة الشمسية في العالم. وتعد مصر إحدى أكثر دول منطقة الحزام الشمسي ملاءمة لتطبيقات الطاقة الشمسية ومن أكثر الدول التي تتمتع بقوة إشعاع للشمس وأعلى معدلات السطوع الشمسي كما يوضح "أطلس شمس مصر" الذي يشمل قراءات على مدى سنوات لجميع المناطق المصرية ليوضح البيانات المتوقعة للإشعاع الشمسي على مدار العام وساعات سطوع الشمس. وكان وزير الكهرباء والطاقة المتجددة الدكتور محمد شاكر قد افتتح مؤخرا مع وزير التعليم العالي والبحث العلمي الدكتور خالد عبد الغفار ورئيس أكاديمية البحث العلمي والتكنولوجيا الدكتور محمود صقر محطة طاقة شمسية نموذجية متعددة الأغراض بمدينة برج العرب وتعد الأولى من نوعها في مصر، فيما أكد الدكتور محمد شاكر أهمية تنويع مصادر إنتاج الطاقة الكهربية والاستفادة من ثروات مصر الطبيعية وخاصة الطاقة الجديدة والمتجددة. ولعل جديد الاكتشافات في الصحراء المصرية يحرض الخيال الإبداعي على مزيد من الإبداع مثل ذلك الاكتشاف الذي اهتمت به وسائل الإعلام الدولية عندما أعلن في بداية العام الحالي أن فريقا من العلماء عثر على نوع جديد من الديناصورات يلقي الضوء على التاريخ الغائب للديناصورات في القارة الأفريقية. وكانت بعثة كشفية تضم علماء في الحفريات بجامعة المنصورة قد نجحت في تحقيق هذا الاكتشاف لبقايا حفرية لديناصور عاش في أفريقيا منذ 80 مليون سنة الذي وصف عالميا بأنه "من الاكتشافات العلمية المهمة" فيما قال مات لامادا الباحث بمتحف كارنيجي للتاريخ الطبيعي في الولاياتالمتحدة إنه أصيب بحالة من الذهول عندما رأى صور هذه الحفريات الديناصورية. ويسهم هذا الاكتشاف الذي تحقق في الصحراء الغربية لمصر في الإجابة على أسئلة مهمة ومطروحة منذ وقت طويل بشأن السجل الحفري وعلم الحفريات في أفريقيا ومن ثم فقد وصفه مايكل ديميك الباحث بجامعة اديلفي الأمريكية "بالاكتشاف المذهل للغاية" موضحا أنه "اكتشاف يتمتع بطبيعة خاصة نظرا للمكان الذي عثر عليه فيه". وكان الدكتور هشام سلام مدير مركز الحفريات بجامعة المنصورة ورئيس الفريق العلمي قد لفت إلى أن هذا الاكتشاف عند واحة الداخلة في صحراء مصر الغربية يسهم في حل لغز مسار تطور الديناصورات في أفريقيا، معربا عن أمله في أن يكون هناك نوع من السياحة يرتبط بتلك الحفريات والأنشطة العلمية في الصحراء. وهناك بالفعل اهتمام ملحوظ بين الشباب على وجه الخصوص بهذا النوع من السياحة ضمن سياحة الرحلات في ربوع مصر الثرية والسخية بالتنوع في الطبيعة ما بين الجبال والصحراء والسهول والوديان والنهر والبحار والبحيرات. وفي الفيوم على سبيل المثال وادي الحيتان حيث هياكل الحيتان التي تعود لملايين السنين وتعرض هناك بجهود عظيمة قامت بها منظمة الأممالمتحدة للتربية والعلم والثقافة (يونسكو)، كما أن هناك المحمية الطبيعية بمنطقة وادي الريان والكنوز الثقافية لما قبل التاريخ التي يعرف أي مثقف حقيقي في العالم قيمتها. وكما تظهر مواقع التواصل الاجتماعي فإن أغلب الشباب المنخرط في أنشطة رحلات السفاري ومجموعات لهذه الرحلات على قناعة صادقة بأهمية أن يعرف المصريون الأماكن الجميلة في بلادهم وزيارتها بدلا من السفر للخارج وتكبد تكاليف باهظة. ويقول بعض المشاركين في هذه الرحلات بمناطق مثل سانت كاترين إنها آمنة، فيما تعج منطقة جبل موسى بالاستراحات والمطاعم وتحمل بعض المزارات السياحية في سيناء أسماء موحية مثل منطقة "جبل باب الدنيا" وقد حملت هذا الاسم اللافت لأن مدخلها عبارة عن باب يفتح على منطقة خلابة وبالغة الجمال في سيناء ؟!. ولأنها في الأصل ابنة البيئة البدوية فإن الروائية المصرية ميرال الطحاوى التي ولدت العام 1968 في محافظة الشرقية لأسرة بدوية من عشيرة الطحاوية المنحدرة من قبائل الهنادى لها إبداعات اهتمت بها الصحافة الثقافية العربية والغربية في روايات الصحراء. وحصلت ميرال الطحاوي على شهادة الدكتوراة من جامعة القاهرة العام 2006 عن أطروحة حول روايات الصحراء في الأدب العربي فيما اختارت الرحيل إلى الولاياتالمتحدةالأمريكية لتعمل كأستاذ مساعد للأدب العربي بجامعة "نورث كارولينا" ثم بجامعة اريزونا وهي صاحبة رواية "الخباء" التى ترجمت للإنجليزية وتتعرض فيها الكاتبة لقضايا المرأة البدوية. ورواية "الخباء" صدرت عام 1996 وترجمت للألمانية عام 2001 فيما تبدو الروائية ميرال الطحاوى حريصة بدقة انثربولوجية على تصوير حياة البدو مع تحليل التفاصيل اليومية حيث تتكون صور للروح تظهر فيها المشاعر والذكريات والأمل. والصحراء ألهمت مبدعين من الكبار في العالم العربي بأعمال روائية خالدة مثل رواية "النهايات" التي رسم فيها الراحل عبد الرحمن منيف ملامح شخصية البدوي أو ابن الصحراء الذي يعرف وظيفته ودوره في الإبقاء على حياة الجماعة ويضحى بروحه من أجلها. ورواية "النهايات" كما وصفها الناقد المصري الراحل فاروق عبد القادر هي رواية البادية بامتياز وشهادة بدوي يعرف الصحراء والمواسم والخصب والمطر والجفاف والقحط والحيوان والطير فيما يتشمم رائحة الغيم ويتعرف على نذر العاصفة ويعيش مع أهل قريته على حافة الصحراء متمثلا أنماطها الثقافية وأصفى قيمها. ولئن كانت الطبيعة بجبروتها غير المحدود في البحار والمحيطات وعلى قمم الجبال وفي أعماق الأودية والأصقاع المتجمدة وظلمة الغابات تنذر بالتحول وتبعث بإشارات من نوع ما فالصحراء الغامضة القاسية الموحشة المفاجئة تتجاوز قوانين الطبيعة لتثبتها كما يقول عبد الرحمن منيف في روايته "النهايات". وها هو يغوص في رمال الصحراء حيث "جنت الدنيا وهبت ريح قوية عاصفة غيرت كل شيء كانت الزوابع تدفع الكثبان الرملية وتسفها كما تفعل الرياح بالأمواج فتتدحرج الرمال بسرعة كما لو أنها كتل من القطن الهش أو بقايا أوراق محترقة". وحتى الزمن في الصحراء يكتسب معنى آخر كما يرى المبدع العربي الراحل عبد الرحمن منيف الذي ترجع أصوله لصحراء نجد ويقول في رواية النهايات إن الزمن يتحول إلى ذرات صغيرة، الثانية والدقيقة هي كل الزمن، ثم يبدأ ذلك الزمن بالتفتت إلى ما لانهاية كالصحراء بلا نهاية". وكذلك ألهمت الصحراء الكثير من الإبداع للروائي المصري صبري موسى الذي قضى في الثامن عشر من شهر يناير الماضي وكانت المحور الرئيس لروايته "فساد الأمكنة" التي اعتبر النقاد أنها تشكل درة التاج في إبداعاته. وهذه الرواية التي تعد "فتحا في الكتابة الابداعية العربية عن عالم الصحراء" وصدرت طبعتها الأولى في كتاب عام 1973 بعد نشرها في حلقات مسلسلة بمجلة صباح الخير، فازت بجائزة الدولة التشجيعية في العام التالي بينما ولدت فكرتها عندما قام هذا المبدع المصري بزيارة في العام 1963 لجبل "الدرهيب" بالصحراء الشرقية. وهذه المنطقة الجنوبية في الصحراء الشرقية تضم أيضا عند بلدة "عيذاب" ضريح القطب الصوفي أبو الحسن الشاذلي فيما لم تخل رواية "فساد الأمكنة" بأزمنتها المتعددة من مؤثرات صوفية تجلت في شخصية نيكولا بطل الرواية الهارب من صخب المدن باحثا عن ذاته في صمت وجلال الصحراء والجبال. ولا يمكن الحديث عن إبداعات الصحراء في الثقافة العربية دون ذكر اسم المبدع الليبى إبراهيم الكونى الذى ولد عام 1948 فى واحة "غدامس" بالجنوب الليبى ومنحته سويسرا منحت جائزتها الكبرى فى الأدب كما اختارته مجلة "لير" الفرنسية ضمن 50 روائيا يمثلون أدب القرن الحادى والعشرين فيما تدور أغلب رواياته حول العلاقة بين الإنسان والصحراء كما يتجلى في روايات "الخسوف" و"نزيف الحجر" و"التبر" و"المجوس" و"خريف الدرويش" و"السحرة" و"عشب الليل" و"صحرائى الكبرى" و"الفزاعة" و"نزيف الروح" و"رسالة الروح". ويبدو أن إبداعات الصحراء على موعد مع مدد جديد تقدمه مصر الخالدة وملحمة المصريين الآن وهم يحاربون الإرهاب ويحققون إنجازات تنموية مبهرة فتتحول الرمال لسنابل خضراء تحت مخمل شمس الأمل بمستقبل جدير بشعب عظيم.