توقفت لسماع عزف الفيوليت الساحر؛ تلفتت حولها في المكان الذي يحمل عبق التاريخ للقاهرة العريقة.. «من أين يأتي هذا العزف؟ وهذه المقطوعة التي أعشقها لشوبان؟ وكأن ملكًا يهبط من السماء حاملًا اللحن بين جناحيه!». تركت صاحباتها على المقهى الشهير فى خان الخليلى، وسارت مقتفية آثار الموسيقى المنسابة فى عذوبة؛ قادتها قدماها إلى بيت قديم يقع فى عطفة منزوية يقوم على مدخلها جفت معقود يبدو وكأنه وشاح يحلى رأسه العتيق ورنك سلطانى على جانبيه يحدث بما كان من ماضٍ مجيد؛ واصلت السير مسلوبة الإرادة حتى وقفت أمام الباب المطعم بالعاج والصدف والمحلى بعقود نباتية حتى بدا للعين كباب من أبواب الجنة؛ ترددت قليلا فى الدخول، ولكن نفسها حدثتها «وهل تتمنعين على دخول الجنة؟». دفعت الباب الموارب وصعدت درج السلم إلى الدور الأعلى، حيث يقود إلى بهو تمتلئ جنباته بتماثيل شفافة كادت من جمالها ودقتها أن تنطق؛ استوقفتها الأوتار المشدودة على أجساد المنحوتات الفاتنات وكأنهن آلات عزف. لمحت من مكانها العازف الواقف خلف شباك المشربية والمنغمس في العزف حتى أنه لم يشعر بخطواتها وهي تقترب منه؛ وضعت أناملها في رقة على ظهره؛ تدفق صوت الكمان وهي تحط برأسها فوق الظهر المتقلص بأثر الانسحاق في المعزوفة بين يديه؛ تركت وجهها يتمسح في جلده الناعم ثم طبعت قبلة حارة على صدره؛ تبعتها قبلات شبقة؛ ضمت نفسها إليه وكأن رغبة اجتاحتها للغوص فيه؛ انتبهت على قوله: «أنت لحني الأخير»؛ تعجبت وهي تنظر لنفسها وخيوط الأوتار تقيد أعضاءها وتحيط بجسدها العاري، والعازف يحرك قوسه في جنون ليأتي بالحركة الأخيرة من لحنه الذي طال انتظاره.