على المرآة بعض غبار و فوق المخدع البالي، روائح نوم و مصباح .. صغير النار و كلّ ملامح الغرفة كما كانت، مساء القبلة الأولى و حتّى الثوب، حتّى الثوب و كنت بحافّة المخدع تردّين انبثاقة نهدك المترع وراء الثوب و كنت ترين في عيني حديثا .. كان مجهولا و تبتسمين في طيبة و كان وداع، جمعت اللّيل في سمتي، و لفّقت الوجوم الرحب في صمتي، و في صوتي، و قلت .. وداع! و أقسم ، لم أكن صادق و كان خداع! و لكنّي قرأت رواية عن شاعر عاشق أذلّته عشيقته ، فقال .. وداع! و لكن أنت صدقت! *** و جاء مساء و كنت عل الطريق الملتوي أمشي و قريتنا .. بحضن المغرب الشفقي، رؤى أفق مخادع التلوين و النقش تنام على مشارفها ظلال نخيل و مئذنة .. تلوّي ظلّها في صفحة الترعه رؤى مسحورة تمشي و كنت أرى عناق الزهر للزهر و أسمع غمغمات الطير للطير و أصوات البهائم تختفي في مدخل القرية و في روائح خصب، عبير عناق، و رغبة كائنين اثنين أن يلدا و نازعني إليك حنين و ناداني إلى عشّك، إلى عشّي، طريق ضمّ أقدامي ثلاث سنين و مصباح ينوّر بابك المغلق و صفصافه على شبّاكك الحرّان هفهافه و لكنّي ذكرت حكاية الأمس، سمعت الريح يجهشّ في ذرى الصفصاف، يقول .. وداع! *** ملاكي ! طيري الغائب! حزمت متاعي الخاوي إلى اللّقمة وفت سنيني العشرين في دربك و حنّ عليّ ملّاح، و قال .. أركب! فألقيت المتاع ، و نمت في المركب و سبعة أبحر بيني و بين الدار أواجه ليلي القاسي بلا حبّ، و أحسد من لهم أحباب، و أمضي .. في فراغ ، بارد، مهجور غريب في بلاد تأكل الغرباء و ذات مساء، و عمر وداعنا عامان، طرقت نوادي الأصحاب، لم أعثر على صاحب! و عدت .. تدعني الأبواب، و البوّاب، و الحاجب! يدحرجني امتداد طريق طريق مقفر شاحب، لآخر مقفر شاحب، تقوم على يديه قصور و كان الحائط العملاق يسحقني، و يخنقني و في عيني ... سؤال طاف يستجدي خيال صديق، تراب صديق و يصرخ .. إنّني وحدي و يا مصباح! مثلك ساهر وحدي و بعت صديقتي .. بوداع! *** ملاكي ! طيري الغائب! تعالي .. قد نجوع هنا، و لكنّا هنا اثنان! و نعرى في الشتاء هنا، و لكنّا هنا اثنان تعالي يا طعام العمر! ودفء العمر! تعالي لي!