قال دايل كارنيجى: لقيت هنرى فورد قبل وفاته، وكنت أتوقع أن أراه رجلاً منهك القوى فى آخر أيام حياته، من فرط الجهد الذى بذله، والعبء الذى تحمله من أجل إنشاء مؤسسة تجارية ذات سيط واسع تعد من أضخم المؤسسات فى العالم.. غير أنى فوجئتُ حين وجدته غاية فى الهدوء والرزانة، وآية فى اطمئنانه واتزانه، رغم بلوغه الثامنة والسبعين من عمره، فلما سألته هل عانى من القلق شيئاً؟ قال: كلا.. ذلك لأن يقينى أن الله ربى قادر على تصريف أمرى، وأنه عز وجل فى غير حاجة إلى نصيحة منى، ولهذا فأنا أترك له قيادة ناصيتى وإصلاح شأنى، وهو الحكيم الذى لا يضاهيه فى الحكمة أحد.. فلماذا إذن يتولانى القلق؟! وذكر هنرى فورد أنه سبق أن سأل (ل. ت. تيللر) مدير شركة (كريزلر) كيف يأمن شر القلق؟ فأجاب: عندما يواجهنى موقف عصيب أتأمله، فإن كان هناك ما يمكن أن أفعله للتغلب عليه فعلته، وإذا لم يكن هناك ما بوسعى أن أفعله نسيتُ أمره، وأنا لا أقلق قط من المستقبل الذى لا يستطيع أن يستشف خباياه أحد.. فلماذا إذن القلق من أجل شيء لم يحدث بعد؟! يقول دايل كارنيجى لكل مَنْ يرى القلق شبحاً يخاف منه دوماً: إن تسعة وتسعين فى المائة مما نشفق نحن البشر منه ويتولانا القلق بسببه لا يحدث أبداً، ولقد أمضيت اثنى عشر عاماً من حياتى الماضية مع الماشية فلم أر بقرة تيأس لأن المرعى يحترق، أو لأنه جف بسبب قلة المطر، أو لأن صديقها الثور ذو العين الزائغة راح يغازل بقرة أخرى! إن الحيوان يواجه الظلام والعواصف والجوع بسكينة وهدوء، ولهذا فهو قلما يصاب كالبشر بأمراض القلق؟ كان الكاتب الراحل أنيس منصور يشكو من كثرة الأرق وقلة النوم، وفى عموده بصحيفة «الشرق الأوسط» اللندنية قال ذات يوم: من المؤكد أننا نعيش فى عصر القلق والأرق، أو النوم قليلاً، أو النوم بعنف واليقظة بعنف أيضاً.. أى استخدام المنومات ثم استخدام المنبهات أيضاً، فإننا مدمنون الاثنين معاً. الفنان الراحل علاء ولى الدين روى لأحد مفسرى الأحلام حلماً رآه، فما كان من المفسر إلا أن قال: ستموت بعد عام! فمات الفنان قبل مرور العام! مما يروى عن العرب فى الأثر أن الوباء لقى قافلة فى الصحراء كانت فى طريقها مثله إلى بغداد.. فسأل شيخ القافلة الوباء: لِمَ أنت مسرع إلى بغداد؟ فأجابه الوباء لأحصد أرواح خمسة آلاف إنسان. وفى طريق العودة لقى الوباء القافلة مرة أخرى، فقال له شيخ القافلة: إنك خدعتنى، فقد حصدت أرواح خمسين ألفاً لا خمسة آلاف، فقال الوباء: كلا.. فإننى لم أحصد سوى خمسة آلاف، أما القلق والخوف فهما اللذان حصدا أرواح الخمسة وأربعين ألفا. نور الأمل هو الذى يبدد ظلمات الخوف والقلق.. أبحث عن الأمل بمنظار كما يبحث الملاح أثناء الإبحار عن ضوء الفنار بعيداً هناك فى الظلام، فإن وجدته راقبه على الدوام، لا تدعه يغيب عن مرمى الإبصار، فهو بشرى من الله فى الظلمات تعينك على الاصطبار وتحدى الصعاب ومن ثم تحقيق النجاح.