هل تسمع صوتى القادم من أعماق البحر؟!.. أشعر كأنى أسمع هذا السؤال قادمًا من تحت الماء كلما ركبت البحر وعشت فى حالة إبحار.. ومصدر السؤال هو المدن والسفن الغارقة فى القاع لا صوت عبدالحليم حافظ فى رسالته الموجهة من تحت الماء. فى قيعان البحار كنوز وأسرار وعجائب وغرائب تفوق الخيال، فكم من مدن وسفن غرقت عبر مختلف الأزمان ومعها جثث وقصص ومتاع وآثار فى البحار والمحيطات. وسفينة الركاب تيتانيك خير مثال. فكما أن أسرار الحيوانات الشرسة فى بطونها، فإن أسرار البحار والمحيطات فى قيعانها.. غير أن معظم الناس يرون البحار والمحيطات من فوق شواطئها مثلما يرون الحيوانات المفترسة فى حدائقها من وراء هياكل أقفاصها. وتعد تلك القيعان بمثابة متاحف تحت الماء، تداعب الألباب وتثرى الخيال، وتشهد على أكثر من زمان ومكان، ولا يزورها فى أغلب الأحوال إلا مغامر أو باحث، وقلما يلقى ماؤها ببعض تحفها على أي شاطئ. كنت كلما عبرت خليج البسكاى الملقب بمقبرة السفن، أتأمل حركة الموج المعروف بالغدر، ثم أتخيل أن الخليج قد جف وبدا قاعه كالأرض فيه مرتفعات ومنخفضات، وتظهر راقدة هنا وهناك على جوانبها السفن والبواخر التى بلعها أيام أن كان يمتلئ بالماء المالح، فأصعد إلى سطح مرتفع وأدخل قاربًا صُنِع من الخشب منذ قديم الأزل بعض أجزائه تآكلت، ثم أخرج منه لأدخل سفينة حاويات، ثم أخرج منها وأهبط إلى قاع منخفض وأدخل باخرة ركاب، ثم أخرج منها وأمشى حتى أصل إلى سفينة نفط أو غاز.. وأنا أمسك خلال تلك الرحلة الرائعة بقلم ومفكرة، وأسجل ما أراه بدقة بالغة، وألتقط باهتمام بعض الآثار الخاصة بالسفن الغارقة، وأتأمل هياكل عظمية لكائنات بحرية نافقة وكتل حجرية أشكالها موحية وألوانها رائعة! توجد ثلاث مدن غارقة إثر كارثة طبيعية اكتشفت منذ سنوات قليلة بالقرب من منطقة أبوقير بمدينة الإسكندرية المصرية التى شهدت من قبل غرق أسطول نابليون بونابرت.. وهى مدن هيراكليوم وكانوبس ومينتوس التى ترجع إلى العصر البطلمى.. وقد أقيمت دراسات وجارٍ تنفيذ ما بها من توصيات من أجل تمكين السياح من رؤية المدن الثلاث تحت سطح الماء بواسطة الغطس - لإثراء سياحة الغطس التى تشتهر بها العديد من المدن المصرية - أو بواسطة غواصات زجاجية.. يا لها من متعة حقيقية. إن متعة استكشاف أعماق البحار والمحيطات لا تقل عن متعة استكشاف الفضاء.