تواجه مصر، شأن غالبية دول الشرق الأوسط، حالة من التضخم فى أعداد الشباب فى فترة تشهد فيها نسبتهم من السكان ازيادا ملحوظا، بالمقارنة مع المراحل العمرية الأخرى إذ يقع ما يناهز 28٪ من سكان مصر حاليا فى المرحلة العمرية بين 15 و 19 سنة، ومن المنتظر أن يصبح جيل الشباب فى السنوات العشر المقبلة أضخم فئة فى تاريخ مصر الطويل، تنتظر العبور إلى مرحلة النضج، ما يمثل بالنسبة لمصر فرصا كبيرة، ويفرض عليها فى الوقت ذاته تحديات أكبر، فمع وصول هذا الجيل من الشباب إلى سن العمل سترتفع نسبته بالمقارنة مع الفئات العمرية الأكبر والأصغر غير العاملة، مشكلا بذلك هبة ديموغرافية سيترتب عليها تقليل معدلات الإعالة الاقتصادية فى مصر، بيد أن هذه الزيادة الشديدة فى أعداد الشباب قد تفرض فى الوقت ذاته ضغوطا هائلة على نظام التعليم وأسواق العمل والزواج. ويعد الانتقال إلى النضج مرحلة مصيرية فى حياة الشباب يتخذ فيها الفرد قرارات مهمة متعلقة بالتعليم والعمل وتكوين الأسرة، وتعتمد جودة حياة الفرد فى مرحلة النضج اعتمادا كبيرا على نتائج القرارات التى اتخذها خلال هذه الفترة الحرجة، وفى حين ينجح بعض الشباب المصرى فى إحداث انتقال ناجح من خلال تعليم جيد ووظائف لائقة واستقرار مالى واستقلال شخصى مقرون بالقدرة على تكوين أسرة خاصة، فإن معظمهم يحصلون على تعليم دون المستوى ويستمرون لفترات من البطالة حتى ينتهى بهم الأمر إلى طريق مسدود فى وظائف ذات عائد متدن، ما يضطرهم إلى إرجاء تكوين الأسرة نظرا للتكاليف المالية العالية للزواج والسكن. ويتطلب دعم الانتقالات الناجحة الإقرار بأن إقصاء الشباب المصرى عملية متعددة الأبعاد، وأن انتقالات التعليم والعمل وتكوين الأسرة والمواطنة الفاعلة أمور لا يمكن تناولها بمعزل عن بعضها البعض، فالتعليم الرديء يفضى إلى آفاق وظيفية بائسة، كما أن تكوين الأسرة وتحقيق الاستقلالية الشخصية مرتبطان ارتباطا شديدا بالعمل المستمر والدخل المناسب، كذلك تعد المشاركة المدنية شرطا أساسيا لنجاح انتقال الشباب إلى النهوض بأدوار مجدية فى مرحلة النضج والاندماج الكامل فى المجتمع، ورغم ذلك يمتنع كثير من الشباب المصرى عن المشاركة فى مثل تلك النشاطات الاجتماعية فى ظل تعرضهم للإقصاء فى العديد من الجبهات الأخرى لقناعتهم بأن مشاركتهم لا تلقى تشجيعا أو تقديرا من المجتمع. ويتحدد شكل وطبيعة تلك الانتقالات فى ضوء الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية السائدة فى مصر، فقد شهدت مصر فى الآونة الأخيرة انتعاشا اقتصاديا ارتفع معه متوسط الناتج المحلى الإجمالى السنوى بنسبة وصلت إلى نحو 5٪ فى الفترة 2004 - 2007، كما تحسنت ظروف سوق العمل بشكل ملحوظ منذ 1998 مع توفير مزيد من فرص العمل وارتفاع الدخول، وارتفعت أيضا معدلات المشاركة فى قوة العمل والتوظيف مع انخفاض معدلات البطالة. وعلى الرغم من ذلك كله، لا تنطوى تلك التوجهات على انخفاض ملموس فى حد الفقر، نظرا للتراجع المستمر فى الإنتاج واتساع رقعة العمل بغير أجر، فضلا عن الأثر القوى الذى أحدثه تخفيض قيمة الجنيه المصرى على أسعار الغذاء والأساسيات الأخرى التى يعتمد عليها الفقراء أساسا، ويمثل الفقر السبب الأصيل وراء إقصاء العديد من الشباب المصرى، إذ إن أطفال الفقراء هم الأكثر عرضة للتسرب من المدرسة أو الفشل فى الالتحاق بها من الأساس، وعندما يلتحقون بنظام التعليم فإنهم يشكلون الفئة الأكثر تعرضا وتأثرا برداءة جودته، ولأن التعليم وثيق الصلة بسوق العمل ينتهى المقام بهم فى وظائف منخفضة الأجر محدودة المهارات، علاوة على ذلك فإن الحراك الاقتصادى لا سيما بالنسبة لهذه الفئة الفقيرة من السكان يكون محدودا، فمن المتعارف عليه أن الشباب يحصل على أدنى الدخول فى سوق العمل المصرية، وأقل معدلات الزيادة فى الدخل الحقيقى، وبرغم زيادة قدرتهم على الحصول على التعليم فإن الأمل فى حياة كريمة لا يزال أمرا بعيد المنال لغالبية الشباب المصري. وأخيرا، فإن لعامل النوع الاجتماعى أثرا كبيرا فى عملية الإقصاء، فعلى الرغم من أن معدلات التحاق الإناث بالمدارس ازدادت كثيرا جدا فى العقود القليلة الماضية لا تزال توجد أقلية ملحوظة من الفتيات محرومات من التعليم، خاصة فى ريف صعيد مصر، ومن ناحية أخرى فى حين تتعدى معدلات التحاق الإناث بالتعليم الثانوى نسبة 40٪ فإن معدلات مشاركة المرأة فى قوة العمل لا تزال منخفضة، ومن تدخل منهن إلى سوق العمل تواجه دائما مستويات عالية من البطالة. تحديات التعليم يساعد الحصول على تعليم جيد فى الانتقال الناجح والسلس إلى سوق العمل، بالإضافة إلى مكاسب أخرى تستمر مع الفرد طوال حياته، أما تعثر الحصول على التعليم والتدريب أو الحصول على تعليم متدنى الجودة فقط فيشكل حلقة مفرغة من الآفاق الوظيفية المحدودة والفرص الوظيفية منخفضة المستوى، وتتفاقم حالة الإقصاء حيال الطلبة الذين لا يستفيدون إلا بالحد الأدنى من تعليمهم، فيكون أداؤهم ضعيفا غالبا فى سوق الوظائف. وتعد إمكانية الحصول على التعليم وجودته مقياسين أساسيين لنجاح نظام التعليم ودوره فى تحديد مستويات التفاوت الاجتماعى والإقصاء الاجتماعى والاقتصادى، فعلى الرغم من أن معدلات الالتحاق بالمدارس فى مصر ارتفعت بشكل ملموس لا يزال التسرب المبكر من المدرسة أو عدم الالتحاق بها أساسا من الإشكاليات التى تواجه شرائح عمرية محددة، وفى مناطق معينة من مصر، وتستند هذه العملية فى الأساس على التمايز بين النوعين الاجتماعيين وعلى التفاوت الطبقى، وتعكس التفاوتات الكبيرة بين المناطق المختلفة متجلية فى أسوأ صورها فى حالة فتيات الصعيد. وتعد جودة التعليم مدخلا محوريا لفهم عملية الإقصاء فى النظام التعليمى، فضحالة اكتساب مهارات القراءة والكتابة والرياضيات الأساسية والحاجة إلى الدروس الخصوصية لا تزالان من عوامل الوهن التى تصيب النظام التعليمى، وعلى النسق ذاته تعانى العديد من مدارس المجتمعات المحلية الفقيرة والريفية الحرمان من الموارد الأساسية كالمقاعد والمكاتب الصالحة للاستخدام ومرافق الصرف الصحى الجيدة، وفى حين تستطيع الأسر متيسرة الحال تعويض أوجه القصور تلك من خلال إرسال أطفالها إلى مدارس خاصة أو الاستعانة بمعلمين خصوصيين ترزح الأسر الفقيرة تحت وطأة هذا الخلل الذى يعترى النظام، ما يديم إقصاءها. وفى حين يعد التعليم الجيد عاملا أساسيا للتنمية والنمو فى ظل الاقتصاد العالمى، فقد خلص تقرير التنمية البشرية فى مصر لسنة 2005 إلى أن جودة التعليم تمثل تحديا جوهريا لمصر، وفيما يؤكد التقرير الحاجة لاجتياز قضية اكتساب مهارات التعليم الأساسى للتعامل مع قضايا التميز والتفوق، فإنه يرى أن مدارس مصر تواجه صعوبات حتى فى مجرد إكساب المهارات الأساسية، وعلى النهج ذاته تهتم ورقة التوجه الاستراتيجى الصادرة عن وزارة التعليم 2005 بتسليط الضوء على المساواة فى توفير تعليم جيد كهدف رئيسى لإصلاحات التعليم. ويحفل نظام التعليم المصرى بالعديد من المؤشرات الخطيرة الدالة على تدهور جودته منذ أكثر من عقد كامل، من هذه المؤشرات انخفاض نسب النجاح وضحالة اكتساب مهارات القراءة والكتابة والحساب الأساسية، واتساع انتشار ظاهرة الدروس الخصوصية التى تأتى كمحاولة لتعويض الخلل فى التعليم، من ناحية أخرى يفاقم تكدس الطلبة مشكلة رداءة تعليم العديد من الطلاب، فرغم أن استيعاب الفصل المدرسى محدد رسميا بستة وثلاثين طالبا فقط فإن 20٪ فقط من المدارس هى التى تلتزم بهذه القاعدة، فى حين يزيد عدد طلاب فصول ثلث المدارس على 45 طالبا أو أكثر، ولمواجهة هذه المشكلة تتبع قرابة 30٪ من المدارس نظام الفترتين، ما يقلل من مدة اليوم الدراسى لدى الطلاب، ويحد من ثم من خبراتهم التعليمية المكتسبة، علاوة على ذلك تعانى غالبية المداس من عجز فى المعلمين، وتتجلى هذه المشكلة بوضوح فى الأرياف جنوب مصر وشمالها على حد سواء. وعند مقارنة مصر بالدول الأخرى يلاحظ تدنى مستوى التعليم المصرى من حيث المهارات الأساسية. وأخيرا يواجه الشباب المصرى إمكانات محدودة للحصول على تكنولوجيا المعلومات، سواء فى المدرسة أو المنزل، ما يحول دون أى دور يذكر لهذه الأدوات العالمية القيمة فى تعزيز تعليمهم، وتشير البيانات الحديثة إلى أن 37٪ من طلاب المدارس ليس لديهم أى سبيل للحصول على الحواسيب، وبالمثل فقد وجدت دراسة مسحية أخيرة أجريت على ست محافظات أن 10٪ فقط ممن تمت مقابلتهم يتاح لهم استخدام تكنولوجيا الحاسوب، كما تبين المقابلات أن الكثير من الشباب يمكنهم الدخول إلى الإنترنت من خلال المقاهى الإلكترونية المنتشرة فى القاهرة ومدن أخرى، لكن يقتصر استخدام هذه التقنية بين الشباب على الدردشة أساسا وتحميل الأغانى ومتابعة المواقع الدينية، نخلص من ذلك إلى أن الشباب المصرى لا يكتسبون معرفة حقيقية عبر استخدام تكنولوجيا المعلومات، ولا يوظفونها فى إحراز تقدم فى آفاقهم الوظيفية. وعلى الرغم من العائد الضعيف فى سوق العمل لا تزال نسبة كبيرة من طلاب المرحلة الثانوية يتجهون إلى التعليم الفنى، وقد رصدت العديد من الدراسات ووثقت أن تلك المدارس المهنية لا تقدم تدريبا كافيا أو مهما، إذ إن الإنفاق العام المحدود وعدم توفر المعلمين المؤهلين والمناهج القديمة ومحدودية التفاعل المحدود بين الشركات ومن يضعون المناهج كلها عوامل تسفر عن ضعف اكتساب المهارات والتعارض بين ما تقدمه هذه المدارس وما تحتاجه سوق العمل. فعلى مدار العقدين الماضيين استوعبت المدارس الثانوية الفنية نسبة من الطلاب تفوق استيعاب المدارس الثانوية العامة، ويرى «أنتونينس» «Antoninis» أن التوسع فى التعليم الفنى جاء نتيجة قرارات سياسية خاطئة اتخذتها حكومة جمال عبدالناصر استمرت حتى عقد الثمانينيات، مدعومة من المؤسسات المانحة، كما يلاحظ أن التوجهات السياسية استمرت حتى منتصف عقد التسعينيات فى إلحاق 70٪ من الطلاب للمدارس الثانوية الفنية، رغم أفول حقبة التصنيع الناصرية، لكن بحلول العام الدراسى 2007 - 2008 تراجعت حصة الطلاب فى التعليم الثانوى الفنى إلى 58٪. ولقد أسهمت سياسة الحكومة المصرية القائمة على ضمان وظائف حكومية لخريجى التعليم الثانوى وما بعد الثانوى والجامعى فى تعزيز مشكلة خلل الكفاءات المهارية، وذلك من خلال إعطاء الأسر مؤشرات مشوهة عن سوق العمل، حيث شجعت تلك المؤشرات الأسر على الاستثمار بثقلها فى أشكال التعليم المختلفة، كالتعليم الثانوى الفنى، ومعاهد التعليم الفنى بعد الثانوى التى تؤهل الشباب للوظائف الحكومية، فى حين يكون مردودها فى القطاع الخاص شديد الضآلة. وفى سياق تعاملها مع مطالبات الرأى العام بهذا النوع من التعليم، فإن الحكومة توفره لكن على حساب قدرتها على ضمان تعليم أساسى جيد لكل من يلتحق به، كما تستخدم التعليم الفنى كوسيلة للحد من الالتحاق بالتعليم الجامعى، لأن التعليم الفنى يعمل كمسار دراسى منفصل، وعند تطبيق هذه التوليفة من السياسات التعليمية والتشغيلية فترة طويلة، فإنها تقضى إلى انحراف قرارات الأسرة، وسوء توزيع الموارد البشرية على نشاطات غير مثمرة، ما يؤدى إلى التدنى الملحوظ فى إنتاجية هذه الموارد فى الاقتصاد. مواقع العمل تشير تقديرات الأممالمتحدة وأرقامها المتعلقة بالتركيبة العمرية فى مصر إلى أن حصة الشباب من التعداد السكانى وصلت ذروتها فى 2005 بنسبة 29٪، ومن المتوقع لها أن تنخفض تدريجيا، وتمثل هذه الزيادة المفرطة فى أعداد الشباب أكبر مجموعة تدخل حديثا سوق العمل فى تاريخ مصر وبكل المعايير، فقد ارتفع عدد الوافدين الجدد إلى قوة العمل فى العقود الثلاثة الأخيرة لأكثر من الضعفين من حوالى 400 ألف فى السنة نهاية عقد السبعينيات إلى نحو 850 ألفا مع مطلع الألفية الجديدة. وأسفرت الزيادة الملموسة فى التحصيل الدراسى على مدار العقود الثلاثة الماضية عن تحولات جوهرية فى تركيبة الداخلين الجدد إلى سوق العمل، ففى 1980 كان نحو 40٪ من الداخلين إلى سوق العمل من غير الحاصلين على مرحلة التعليم الابتدائى، لكن بحلول 2005 بات 70٪ منهم حاصلين على تعليم ثانوى أو أعلى. بيد أن هذا التغير الجوهرى لم يتزامن مع تغير متناسب فى جودة وظائف الداخلين الجدد، ففى نهاية عقد السبعينيات كان نحو ثلث الوظائف المتاحة للموظفين الجدد تابعة للقطاع العام، ونسبة 5٪ للقطاع الخاص، والباقى موزع على وظائف غير رسمية بأجر أو بدون أجر، فى حين تناقصت نسبة الوظائف الرسمية المتاحة للداخلين الجدد فى 2005 إلى 28٪ (18٪ للقطاع العام و10٪ للقطاع الخاص)، وارتفعت حصة التوظيف غير الرسمى إلى 72٪. ويلاقى الشباب المصرى لا سيما النساء صعوبات وتحديات جادة فى العثور على وظائف ثابتة بعد ترك المدرسة، فقد أسفر بطء تقدم نظم التعليم على امتداد دول الشرق الأوسط فى التكيف مع الاقتصادات سريعة الانفتاح والاعتماد على السوق عن تعارض بين المهارات المطلوبة فى سوق العمل، وتلك التى اكتسبها الداخلون الجدد إليها، وما يترتب عليه من طول فترات الانتقال من الدراسة إلى العمل. وتشير دراسة حديثة أجرتها منظمة العمل الدولية فى مصر إلى أن 17٪ فقط من المشاركين فيها فى المرحلة العمرية 15-29 سنة قد أنجزوا انتقالهم من الدراسة إلى الوظيفة الثابتة التى تعنى وظيفة منتظمة لا توجد لدى شاغلها مخططات آنية لتغييرها، فى حين أفاد ربع المشاركين فى الدراسة بأنهم لا يزالون فى مرحلة الانتقال، أى أنهم إما عاطلون وإما يعملون فى وظائف غير ثابتة، أما النسبة الباقية من المشاركين فلم يكونوا قد بدأوا انتقالهم، إما لأنهم كانوا حينئذ فى الدراسة وإما لأنهم لا يخططون للبحث عن عمل. وتتأثر البطالة إلى حد كبير بعدد الشباب الداخل إلى سوق الوظائف، فأكثر من 80٪ من العدد الكلى للعاطلين يقع فى المرحلة العمرية بين 15-29 سنة، بينهم 47٪ فى الشريحة العمرية 20-40 سنة، وتشير البيانات الحديثة إلى أن نسبة الشباب العاطل وقفت عند 16.9٪ فى 2006 هبوطا عن 25.6٪ فى 1998، وبرغم تراجعها فإن معدلات بطالة الشباب لا تزال أعلى بكثير من معدلات البطالة الكلية التى انخفضت من 11.7٪ فى 1998 إلى 8.3٪ فى 2006، وبشكل إجمالى يوجد 1.6 مليون شاب عاطل فى مصر مقسمون - غالبا - بالتساوى بين الأرياف والمدن. وعلى الرغم من الانخفاض الظاهرى فى معدلات البطالة بين الشباب المصرى، فإن ذلك جاء مقترنا بما يطلق عليه البنك الدولى الوظائف السيئة أو الوظائف ذات المقابل المتدنى التى لا تقدم سوى القليل فيما يتعلق بالضمان الاجتماعى والاستقرار وإمكانية إحراز التقدم، ولأن التوظيف هو حجر الزاوية فى تأمين أسباب الرزق والاندماج الاجتماعى والاعتداد الذاتى للفرد، فإن الحصول على عمل لائق يعد أساسا لتكريس الحياة الجيدة. فغالبية الشباب المصرى يبدأون حياتهم المهنية بوظائف منخفضة الجودة، حيث لا تتجاوز نسبة الشباب العاملين بأجر الذين يوقعون عقودا قانونية مع أصحاب عملهم 33٪. معوقات عمل المرأة تواجه النساء المقبلات على العمل ملمحين أساسيين يوجهان مسار عملهن الأول: أن العديات منهن غير ناشطات اقتصاديا، كما أن نسبة خمولهن فى تنام مضطرد، ويتضح هذا التوجه على نحو خاص بين النساء المتعلمات، إذ شهدت نسبة خريجات التعليم ما بعد الثانوى والجامعى الداخلات إلى سوق العمل انخفاضا ملموسا فى الفترة 1998-2006، كما أن نسبة كبيرة من النساء الشابات لا يدخلن سوق العمل على الإطلاق، وعلى النقيض من ذلك تكاد تكون معدلات التوظيف بين الذكور تكون عامة مع سنة 29 عاما، وربما يرجع التدهور فى عدد النساء الداخلات إلى سوق العمل إلى الانخفاض الشديد فى فرص التوظيف الحكومى بالمقارنة مع ما كان يجرى فى الماضى، حيث كانت تحصل غالبية الشابات على وظائف حكومية. ثانيا: إن نسبة كبيرة من الناشطات اقتصاديا يقعن ضمن العمالة الأسرية غير مدفوعة الأجر، حيث يتضح أن 22٪ من شابات المرحلة العمرية 15-29 سنة كن ناشطات اقتصاديات فى 2006 مقارنة بنسبة 63٪ من الذكور، وفى حين أن حصة من لا يزالون فى مرحلة الدراسة تكاد تتماثل بين الشباب والشابات فإن نسبة من ليسوا فى الدراسة وغير ناشطين تتنوع بشكل واسع وفقا للنوع. السكن وتكوين الأسرة يقف وراء إقصاء الشباب المصرى عاملان أساسيان مرتبطان بتوقيت الزواج وتكوين الأسرة يتعلق الأول بزواج القاصرات، حيث تشير البيانات إلى أن 9٪ تقريبا من الفتيات يتزوجن قبل الخامسة عشر عاما كما أن 30 بالمائة يتزوجن قبل الثامنة عشرة، ويرتبط الزواج المبكر للفتيات فى مصر ارتباطا وثيقا بانخفاض نصيبهن فى التعليم أو غيابه المطلق وبانخفاض احتمالات مشاركتهن فى سوق العمل والإعالة المبكرة التى تنطوى على مخاطر صحية جمة على المرأة سواء بموت الأم أو اعتلال صحتها، ومع ذلك يبدو أن مشكلة الزواج المبكر فى طريقها للزوال إذ هبطت نسبة الإناث اللاتى تزوجن قبل الخامسة عشرة من 13 بالمائة بين النساء اللاتى يبلغن من العمر حاليا 45-49 سنة إلى 3 بالمائة بين البالغات 20-24 سنة فى الوقت الراهن. ويتمثل العامل الثانى فى الاتجاه نحو تأخر سن الزواج بين الذكور والإناث ومن ثم زيادة عدد غير المتزوجين لا سيما بين الرجال. التوجه لممارسة المواطنة تؤدى المشاركة المدنية الفاعلة من جانب الشباب إلى نتائج تنموية إيجابية فضلا عن أنها مكملة لعملية إدماج الشباب فهى تيسر العمل الجماعى الذى قد يفضى إلى خدمات شبابية أكثر فاعلية وأعلى استهدافا لهم، كما أنها قد تحد من الفساد من خلال السماح بقنوات للمساءلة وعلى النقيض من ذلك فإن غياب فرص مشاركة الشباب مدنيا قد تسفر عن سلوكيات خطرة وأدوار اجتماعية سلبية بما فيها النشاطات الإجرامية والتطرف الديني. ومع هذا فإن قنوات المشاركة المدنية من جانب الشباب ومن أهمها النشاطات الطلابية فى الجامعة شديدة الندرة فى مصر، إذ تظهر المقابلات مع العديد من طلاب الجامعة الناشطين أن قنوات المشاركة محظورة إلا لجامعات الصفوة الخاصة، حيث ينظر لهذه الجامعات على أنها أقل نزوعا للعنف وأدنى قابلية للتأثر بالجماعات الدينية الأصولية. أما بالنسبة للغالبية العظمى من الجامعات فإن الآليات الأمنية الرامية إلى مناهضة فعاليات الجماعات الدينية الأصولية يتم تعميمها على كل الجامعات الطلابية، فعلى سبيل المثال يمارس مسئولو أمن الجامعة أدوارا رقابية صارمة على محتوى المنشورات الطلابية لتحاشى حدوث اضطرابات ونتيجة لذلك قد يستغرق الأمر أكثر من ستة أشهر حتى تتمكن مجموعة شبابية من توزيع منشور ما، ولا بد كذلك أن تحظى المسابقات الجامعية بموافقة العميد وربما يتم إلغاؤها من دون إعلام مسبق للطلاب وتمثل الطالبات أقلية صغيرة من الشباب الناشطين لأسباب متعلقة بالأدوار المناسبة للإناث وللقيود العامة المفروضة على قنوات المشاركة. بناء على هذا يعزف العديد من الشباب عن المشاركة فيما يعتبرونه نظاما منغلقا ثم إن التفاوتات الاجتماعية واتساع الهوة بين الأغنياء والفقراء والشعور بضيق آفاق المستقبل فى ظل معدلات البطالة المرتفعة بين الخريجين وصعوبات تكوين الأسرة تسهم جميعها فى انتشار إحساس عام بأن النظام فاسد، أو أنه لا يأبه سوى لصفوته المتمتعة بكل الامتيازات وبالنسبة للعديد من الشباب تكون جل معاملاتهم مع الدولة عبر رجال الشرطة الذين يعتبرهم الكثيرون عدائيين وميالين للعنف بلا مبرر. وتظهر دراسة مسحية حديثة صادرة عن برنامج الأممالمتحدة الإنمائية UNDP حالة سائدة من اللا مبالاة وانعدام روح المبادرة بين الشباب المصرى وهى حالة مرتبطة ارتباطا قويا بمحدودية القنوات المتاحة لهم للمشاركة المدنية، إذ يقر الشباب أنهم لا يؤمنون كثيرا أن أصواتهم ومساعيهم قد تجد من يستمع إليها أو يتم تقديرها وتؤخذ بعين الاعتبار، كما يعترف 67 بالمائة من شباب العينة أنهم لم تسبق لهم المشاركة فى أى نشاطات مدرسية من قبل فى حين انخرط 13 بالمائة فقط من المشاركين بالدراسة فى بعض أشكال العمل التطوعى، ورغم إقرارهم بأن لديهم قدرا كبيرا من وقت الفراغ فإن مشاهدة التليفزين هى أكثر النشاطات تكرارا بالنسبة لهم يليها الاستماع إلى الموسيقى وقضاء الوقت مع الأصدقاء والأسرة، كما يظهر المسح تدنى مستويات التسامح والقبول بالآخر لاسيما بين أبناء الطبقات منخفضة المستوى الاجتماعى والاقتصادى والمنتمين لعقائد مختلفة. السياسات الداعمة لإدماج الشباب يوجد العديد من المؤشرات الدالة على أن توفير الوظائف وخاصة للشباب يقع على رأس قائمة البرنامج السياسى للحكومة. وحتى يتسنى نجاح السياسات والمبادرات المتعلقة بالشباب لا بد أن تكون متعددة القطاعات وأن تنتهج نهجا متكاملا شاملا وليس جزئيا، يوجد عدد من السياسات غير المباشرة التى يمكن أن يترتب عليها تحسين البيئة الاقتصادية وتعزيز استحداث الوظائف، إذ يمكن لسياسات الاقتصاد الكلى الرامية إلى تحسين المناخ الاستثمارى والتوسع فى القطاع الخاص ودفع التجارة للازدهار من خلال جذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة أن تؤثر تأثيرا غير مباشر على الشباب عبر توفير وظائف لهم ومن هذه السياسات تحفيز الاستثمار فى المشروعات كثيفة العمالة وتحرير التجارة وتخفيض الرسوم الجمركية والاتفاقات التجارية الدولية وقوانين الاستثمار والسياسات المالية والنقدية، وعلى الرغم من أن المردود الكامل لهذه السياسات لم يظهر بعد فإن مؤشرات نمو وظائف القطاع الخاص فى المنسوجات والملابس خاصة يمكن إرجاعها إلى بعض سياسات الاقتصاد الكلى المتبعة من ناحية أخرى يمكن لسياسات سوق العمل النشطة وتوليد الوظائف وإصلاح التعليم وسياسات قطاع الإسكان أن تعود جميعها بنفع مباشر على الشباب. سياسات سوق العمل جاء التغير الهيكلى الأهم فى سياسة سوق العمل فى السنوات الأخيرة متمثلا فى إضافة فقرة إلى قانون العمل الجديد قانون رقم 12 لسنة 2003 ففى ظل قانون العمل القديم كانت العقود غير محددة الأجل وتنطوى أساسا على ضمان أمان وظيفى مدى الحياة للعامل ما لم يرتكب خطأ قاتلا يتسبب فى فصله، فيما يوفر القانون الجديد لأصحاب العمل مرونة أكبر من التعيين والفصل من العمل حيث يسمح بعقود فترة محددة قابلة للتجديد ولا تستلزم بالضرورة تحولها إلى عقود دائمة، فضلا عن ذلك جرى تخفيف ملحوظ للشروط التى يمكن فى ظلها لصاحب العمل إنهاء العقد الدائم وفى ظل اتساع ظاهرة التهرب من القواعد الناظمة للعمل وغلبة العلاقات التشغيلية غير الرسمية تحت مظلة قوانين العمل المسابقة فمن الوارد جدا مع قانون 2003 أن يتمثل الأثر الأكبر فى قوننة وضع الكثير من العاملين فى أطر رسمية أكثر من توفير وظائف جديدة. أما نموذج البقاء الاقتصادى فيركز أساسا على تقديم القروض للنشاطات الاقتصادية المنزلية وصغيرة الحجم، وتعد آلية الإقراض الوحيدة المتاحة لنشاطات الاقتصاد غير الرسمى توفير برامج هذا النموذج، القروض أساسا للنساء اللواتى يملكن خططا واضحة لتنمية أعمالهن عبر المنظمات غير الحكومية ويأتى أغلب هذا الدعم فى شكل منح، ولا تتمتع هذه البرامج برؤية واضحة عن الشباب لأن غالبية المتلقين هم من النساء الكبار الأقل تعليما، وأخيرا فمن الثغرات الملموسة فى العديد من برامج التمويل متناهية الصغر تلك افتقارها إلى آليات إقراض الرجال الأشد فقرا. أما فيما يتعلق ببرامج التدريب المهنى الحكومية فإن العديد منها تبدأ من دون إجراء التوعية المناسبة، ومن ثم تكون تغطيتها محدودة، كما أن أغلبها قصير الأمد بما لا يتيح المجال لاكتساب المهارات أو التدريب الشامل والمتكامل ويتضمن برنامج التدريب الفنى والمهنى 22 مؤسسة ووزارة، وقد كان مثار انتقادات جراء فقر معداته وقدم مرافقه وعدم توفر معلمين مؤهلين بالإضافة إلى مناهجه التى عفا عليها الزمن لذلك تم الانتهاء قريبا من استراتيجية قومية هادفة لإعادة تصميم وتحديث عملياته. ويتولى عدد من المنظمات غير الحكومية إدارة وتسيير برامج التدريب المهنى من بينها مركز خدمات التنمية والهيئة القبطية الإنجيلية للخدمات الاجتماعية وتوفر تلك المنظمات الدعم المالى للتدريب من خلال ورش العمل تجرى فى القطاعين العام والخاص، ومع أن بعض عمليات التقويم تبرز معدلات تشغيل عالية 60-70 بالمائة للمشاركين الذين أكملوا التدريب غير أن برامج التدريب المهنى تعمل فى نطاق ضيق جدا وفى ظل توعية محدودة وشكوك مثارة حول استدامتها. إصلاح التعليم تضطلع إحدى الأوراق الاستراتيجية الحديثة الصادرة عن وزارة التربية والتعليم بتسليط الضوء على مجالين أساسيين لإصلاح التعليم، يركز الأول على المساواة فى الحصول على تعليم جيد ويتصدى أساسا لقضايا حجم الفصل، ومؤهلات المعلم وتطوير المناهج وطرق التدريس، وتلاحظ هذه الورقة الاستراتيجية أن النظام الذى يخدم أقلية صغيرة بمستوى عال فى مقابل خدمة الغالبية العظمى بشكل رديء لا يمكن اعتباره نظاما منصفا، ومن المتوقع لمثله أن يكون نتاجه معدلات متدنية من عائد الاستثمار فى التعليم، أما المجال الثانى للإصلاح فيختص بفعالية الإنفاق على التعليم وما يرتبط بها من قضايا تتعلق بالالتحاق بالتعليم وبناء المدارس وطبيعة الأهداف المنشودة وكيفية تنفيذها، كما يتناول تكاليف الكتب المدرسية التى وصلت إلى 6 بالمائة من النفقات الكلية للتعليم قبل الجامعى فى العام الدراسى 2003-2004. إصلاح الإسكان يبين تقرير حديث للبنك الدولى أن أزمة السكن فى مدن مصر هى نتاج للتشوه الحادث فى سوق السكن بسبب تراكم السياسات غير المدروسة وغير المناسبة التى أفضت مع مرور الوقت إلى حالة من التعارض بين العرض والطلب وإلى تراجع استثمار القطاع الخاص فى توفير السكن، وتتضمن هذه السياسات انخراطا واضحا من جانب الحكومة فى نشاطات التشييد والبناء فضلا عن تاريخ طويل من التشريعات المقيدة للإيجار وممارسات صارمة لحماية المستأجر أدت جميعها إلى إحجام القطاع الخاص عن الاستثمار فى الإسكان، ومن ثم فمن المستحسن أن تشرع الحكومة فى سياسات السكن الشعبى وأن تضع استراتيجيات من شأنها التصدى للتشوهات التى تعيق سوق الإسكان عن العمل بفاعلية. كانت الإصلاحات الأخيرة فى سياسات الإسكان تسير فى مسارين متوازيين، يتمثل الأول فى قانون الإسكان الجديد قانون رقم 4 لسنة 1996 الذى يهدف إلى إزالة القيود التشريعية على الإيجار والمقصد من هذا القانون هو تشجيع ملاك العقارات الشاغرة والمستثمرين على العودة إلى سوق الإيجار على أساس سوق حرة بلا قيود حكومية على معدلات أو مدة عقود الإيجار، ويقدم القانون الجديد حلا لأعداد كبيرة من الأسر حديثة النشأة ومجموعات الدخل المتوسط والأعلى من المتوسط. الخاتمة: تتويج إمكانيات هذا الجيل يتوقف إدماج الشباب المصرى على نجاح أربعة انتقالات جوهرية «التعليم والتوظيف وتكوين الأسرة والمشاركة المدنية» والفشل فى أحد تلك الانتقالات قد يفضى بسهولة إلى فشل غيره، فالتعليم الرديء يؤدى إلى آفاق وظيفية ضيقة، حيث يزداد احتمال أن يصبح غير المتعلم عاملا أسريا غير مدفوع الأجر، فى حين يزيد احتمال أن يصبح صاحب التعليم فوق المتوسط عاملا بأجر، ومع ذلك فحتى الحصول على درجة جامعية لا يوفر الكثير من الضمانات لسوق الوظائف التنافسية أو الحياة المستقرة، ومع سعى الشباب إلى تحقيق الاستقلال الشخصى فإن فرصهم فى الزواج والحصول على مسكن وتكوين الأسرة ترتبط ارتباطا وثيقا بالعمل المثمر والدخل المناسب، ويواجه العاطلون والملتحقون بوظائف منخفضة الأجر تحديات هائلة فى تكوين الأسرة فى ظل التكاليف الباهظة للزواج، وأخيرا لا تزال قنوات المشاركة المدنية الفعالة غائبة عن الشباب ليس فى مصر فقط ولكن فى منطقة الشرق الأوسط بشكل أكثر تعميما، وعندما تنفتح هذه السبل يمكن للشباب حينئذ التدرب على المهارات المهمة ويصبحون أكثر قربا من حصاد مزايا العمل الجماعى، أما مع استمرار إغلاق هذه القنوات سيصبح الشباب أكثر نزوعا إلى اللا مبالاة وعدم الاكتراث والسلوك الخطر. وترتكز السياسات المباشرة الرامية إلى تعزيز إدماج الشباب على ثلاثة أبعاد أساسية «التوظيف والتعليم والإسكان»، لكن العديد من تلك السياسات الهادفة لا تزال تنفذ فى ظل غياب تقويم أثر دقيق، وغالبا ما تعتمد المبادرات السياسية على تقديم منح مباشرة ما يقوض استدامتها على الأمد الطويل، أما ما يتم تقديمه من خلال الهيئات الحكومية أو شبه الحكومية فيعانى من تدنى الفاعلية والابتعاد عن الفئة المستهدفة، ما يحول دون قدرة هذه الجهود المبعثرة على مواجهة المشاكل الأصيلة بشكل يتسم بالتكامل، ولا يمكن للسياسات المرسومة جيدا النجاح إلا بانخراط الجهات المعنية والحلفاء الحقيقيين من الشباب والآباء والتربويين وأصحاب العمل منذ بداية العملية، وبهذه الطريقة يمكن لمصر أن تستفيد من فرص النمو والتنمية التى توفرها الزيادة الهائلة فى أعداد شبابها وهذا التحول الديموغرافى التاريخي.