يا بنى: لقد صرنا فى زمن صعب، القابض على دينه فيه كالقابض على الجمر، فإياك أن يضطرك الإحساس بالألم الشديد إلى عدم الاستمساك بالدين، وإياك أن تظن أن الأساس الذى بنيت عليه الحياة هو ذات الأساس المذكور فى قول من قال: «كنت أظن أن الشمال مجرد اتجاه.. فاكتشفت أنه أساس الحياة»، إنها إما مقولة إنسان يئس من رحمة الله وقرر الانتحار النفسى من دون أن يفارق الحياة، أو مقولة إنسان استعذب الحرام واستمرأ اتباع خطوات الشيطان.. ولو كان (الشمال) أساس الحياة حقًا لما قال الله عز وجل: (فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِى الأَرْضِ) الرعد 17. يا بنى: إن الأصول الخمس التى بنى عليها الإسلام بمثابة فروع جذر لشجرة جميلة لها ساق، وشعب الإيمان البضع والسبعون بمثابة فروع مورقة تتفرع من الساق، تحمل أزهار التقوى وثمار الإحسان.. احرص على أن تكون الشجرة فى قلبك حية وغضة وكاملة ومورقة ومزهرة ومثمرة، واهتم بكل من مجموعها الجذرى ومجموعها الخضرى. يا بنى: إن الدنيا أشبه ب(مولد) كبير فيه من اللعب واللهو الكثير، وعلى أطراف هذا (المولد) يوجد مسجد أو جامع ينطلق منه الأذان فى أوقات الصلوات، فإن لم تستطع أن تقف داخل المسجد طوال الوقت فلا تقف بمنأى عنه ما استطعت، لأنك كلما عنه ابتعدت ستصم أذناك وستعمى عيناك ولن ترى المئذنة ولن تسمع الأذان، ولن تذكر الله وستفوتك الصلاة. يا بنى: مثلما أن أقصر بعد بين نقطة وأخرى هو الخط المستقيم فإن أقصر بعد بين الدنيا والجنة هو الصراط المستقيم فاسلكه ولا تسلك الطرق الأخرى المؤدية إلى نار الآخرة الملتوية كالثعابين. واعبد الله بين أضلاع مثلث حبه والخوف منه والرجاء فيه. وقف فى مركز دائرة الحلال وابعد فيها عن المحيط ف«من حام حول الحمى يوشك أن يقع فيه» حديث شريف، وكن والحرام كضلعين متوازيين، واحذر من أن تكون يومًا شبه منحرف، لأنك بعدئذ حتمًا ستنحرف عن صراط الله المستقيم. وإن كنت أنت ومن تعبد الله معهم يرمز لكل منكم بالرمز «سين» فلا يغرنك قول أو فعل أو حتى حظ كل من ألف وباء وحاء وميم، واحرص على أن تجعل حسناتك تتزايد وسيئاتك تتناقص، واعلم أن الله لا يحب أن يكون له فى قلب العبد شريك لأن ألوهيته لا تقبل القسمة على اثنين. يا بنى: إن الله لا ينظر إلى صورنا وأجسامنا وإنما ينظر إلى قلوبنا، لذا اهتم بالجوهر أكثر من اهتمامك بالمظهر، واعلم أنه ليس بالجلباب القصير واللحية ذات الشعر الطويل والكثيف والسواك الموضوع كالقلم فى الجيب يدخل الرجل الجنة، وإنما يدخلها فقط بالقلب السليم. ولا تتبع أو تستمع لأحد من الجهلاء والسطحيين وإن لبس ثوب عالم أو مفكر أو حكيم. يا بنى: ألق بنفسك وغمك وكربك وهمك فى بوتقة الصبر، وضعها فوق نار البلاء أو الابتلاء حتى ينصهر ما فيها وتنتج عن امتزاجه سبيكة نفيسة لها عند الله قيمة، واعلم أنه من دون الصبر لن تحظى فى الدنيا بالنصر المبين، ولن تحظى فى الآخرة بالفوز العظيم، واعلم أنه لئن تسأل الله العافية وتمام العافية ودوام العافية فى كل حين خير لك من أن تسأله من الصبر المزيد. فلقد مرَّ رسول الله برجل يسأل الله الصبر، فقال عليه الصلاة والسلام: «سأل الله البلاء ولم يسأله العافية». يا بنى: مثلما تحرص على دوام الاتصال بالناس من خلال نقالك ولقاءاتك، احرص على دوام الاتصال بالله من خلال قراءتك للقرآن وصلاتك، واجعل لسانك رطبًا بذكره، واحمده دومًا على نِعَمه، وإن رأيت نفسك يومًا برزقك لا ترضى فاعلم أنه قد فاتك كنز القناعة الذى لا يفنى.. يا بنى: الرضى من الشكر وعدمه من الكفر، فاشكر ولا تكفر. يا بنى: أوصيك بالإبحار فى علوم الدين ففيها خير ولا ريب كثير، واعلم أن أمتنا فى حاجة لعلماء عديدين فى علوم الدنيا من أمثال الدكتور أحمد زويل حتى تستعيد ثقلها الكبير، فنحن كأمة كنا أصحاب حضارات كبرى، وإن كان أجدادنا من أبناء أمتنا قد وضعوا قواعد وأسسا لعلوم كثيرة كعلم الاجتماع وعلم الفلك وعلم الكيمياء وعلم الهندسة وعلم الجبر وعلم الطب.. فإننى اليوم أدعوك لأن تفعل ما لم يستطع أن يفعله أبوك.. أن تبنى ناطحات سحاب فوق أسس تلك العلوم.