منذ أيام دار حوار بينى وبين أستاذ من أساتذة الاقتصاد، قال: صحيح أن نسبة النمو الاقتصادى فى عهد الرئيس السيسى بدأت فى الارتفاع إلا أننا نحتاج إلى سنوات حتى نصل إلى نسبة النمو التى كانت فى آخر عهد مبارك (أى أكثر من سبعة فى المائة). قلت: أنتم يا أساتذة الاقتصاد تتحدثون بمصطلحات أكاديمية لا علاقة لها بمعيشة الناس الواقعية لذا لا يلتفت الناس لكلامكم أدنى التفات، لأنهم لا يرون لكلامكم أى نتائج ذات جدوى أو ثمار، قال: ماذا تقصد؟!، قلت: فى عهد السادات كنتم تحدثوننا عن الانفتاح الاقتصادى وكيف أن من ثماره الرخاء الاقتصادى، فما عاد الانفتاح بالرخاء إلا على بعض رجال الأعمال، وفى عهد مبارك كنتم تحدثوننا عن ارتفاع نسبة النمو الاقتصادى وكأننا مشروع نمر اقتصادى لكن الواقع أن حال الناس كان ينحدر من سيئ لأسوأ، ولهذا ثاروا ضده وعزلوه عن الحكم والسلطان، بل إن بعض الحكماء كانوا يخشون منذ قيام الثورة ضده الآن أن تقام ثورة بمعرفة الجوعى، لأن البلد حينها سيتحول إلى غابة يفترس فيها الناس بعضهم البعض ويستحلوا أموال بعضهم البعض ويهدموا فى بلادنا كل الآثار المتبقية من الحضارة والمدنية.. فهل تستطيع أن تشرح لى ما العائد على المساكين والفقراء فى بلادنا من زيادة نسبة النمو عن سبعة فى المائة، وما معنى أن مبارك كان يزعم على الدوام أن أولى أولوياته هم الفقراء؟! قال: لقد اهتم مبارك برجال الأعمال على حساب جموع الناس.. فنسبة النمو المرتفعة فى عهده كانت بمثابة بيضة ذهب باضتها دجاجة الاقتصاد، وبدلاً من أن يوجه ثمنها للناس وجهه لرجال الأعمال!، قلت: لماذا؟!، قال: لأنه يريد للدجاجة أن تبيض بيضتين بدلاً من أن تبيض بيضة. قلت: ولو على حساب الفقراء؟!، قال: لم يكن يدرى أن الناس من فرط الضغط توشك على الانفجار. وتطرق حديثنا إلى الفساد فقال: السبب الرئيسى للفساد هو زيادة عدد العاملين فى كل مكان فى الأجهزة والمؤسسات. قلت: كيف؟!. فنظر إلى منضدة متوسطة الحجم والوزن كانت أمامنا وقال: إن كان عملنا أنت وأنا الذى سنتقاضى عليه أجرنا هو حمل هذه المنضدة لمدة معينة فهل نستطيع حملها؟. قلت: نعم نستطيع. قال: كيف؟. قلت: أحمل أنا ساقين من ساقيها بينما تكون أنت من الساقين الآخرين تحملها. قال: ولو كان معنا شخصان آخران يعملان معنا فكيف سنحملها؟. قلت: كل منا يحمل ساقًا من سيقانها. قال: ولو كنا ستة كيف سنحملها؟. آثرتُ ردًا على السؤال الابتسامَ على الكلام، فقال: إن حمل المنضدة لا يحتاج وقتئذ منا أكثر من أربعة ولهذا سيجلس اثنان منا بينما يحملها أربعة. قلت: نعم. قال: وكيف سنحملها لو كنا ثمانية أو عشرة أو عشرين. قلت: سيحملها أربعة وسيجلس الآخرون بالتأكيد. قال: بسبب هذا الخلل سيصيب الأربعة الملل وسيودون لو جلسوا كالآخرين من دون عمل، قلت: نعم. قال: ولو طلب الأربعة حاملو المنضدة من الجالسين حملها بدلا منهم فقد لا يستجيب أى منهم لأنهم سيتقاضون أجورهم من دون أن يؤدوا أعمالهم، وحينئذ سيترك الأربعة المنضدة وسيجلسون.. فلقد أفسدهم الفاسدون. ثم استطرد الدكتور يقول: والموظف الذى لا يحلل راتبه بالعمل يمكن أن يرتشى، لأنه وإن كانت الرشوة حرام فإن راتبه حرام وهو يغذى نفسه وأهله من حرام ويلبس من حرام. انتهى كلام أستاذ الاقتصاد. الفساد يؤذى وينتشر فى جموع الناس مثلما تؤذى وتنتشر الشروخ فى الزجاج.