بدر شاكر السيّاب واحدًا ممن ساهموا في تحرير الشعر العربي من قيوده، ودفع مع رفاقه القصيدة العربية إلى التحرر من رتابة القافية، وكانت ترجماته بابًا دخله الكثيرون للتعرف على العديد من شعراء العالم مثل لوركا وطاغور وناظم حكمت، وغيرهم؛ ورغم أنه توفيَّ في سن صغير، لكنه ترك إرثًا كبيرًا من المؤلفات والأعمال المترجمة التي حفظت مكانته في تاريخ الشعر العربي. ولد السيّاب في 25 ديسمبر عام 1926 في قرية جيكور، وهي قرية صغيرة تابعة لمحافظة البصرة، وبدأت الآمه سريعًا، حيث فَقَد والدته في سن السادسة، ما كان له أعمق الأثر في حياته؛ وبعد إتمام دراسته الابتدائية انتقل إلى مدينة البصرة وتابع فيها دروسه الثانوية، ثم انتقل إلى العاصمة بغداد حيث التحق بدار المعلمين العالية، واختار لنفسه تخصص اللغة العربيّة، وقضى سنتين في تعلم الأدب العربي، ولكنه سرعان ما غير اتجاهه إلى دراسة الإنجليزية؛ وتخرج من الجامعة عام 1948. عُرف السياب أثناء دراسته بميوله السياسية اليسارية، كما عُرف بنضاله الوطني في سبيل تحرير العراق من الاحتلال الإنجليزي، وفي سبيل القضية الفلسطينية. وبعد أن أصبح مُعلمًا للإنجليزية في الرمادي، تم فصله بعد عدة أشهر وأودع السجن، وبعد خروجه اتجه نحو العمل الحر ما بين البصرةوبغداد، كما عمل في بعض الوظائف الثانوية، وفي عام 1952 اضطُر إلى مغادرة بلاده والتوّجه إلى إيران وبعدها الكويت، وذلك عقب مظاهرات اشترك فيها، وبقى خارج العراق عامين عاد بعدها إلى بغداد، ووّزع وقته ما بين العمل الصحفي والوظيفة في مديرية الاستيراد والتصدير؛ وعندما قام عبد الكريم قاسم بثورته على النظام الملكي وأقام عام 1958 النظام الجمهوري كان السياب من المرحبين بالانقلاب والمؤيدين له، وبعدما أعلن انفصاله من الحزب الشيوعي عاد إلى وظيفته في مديرية الاستيراد والتصدير، ثم انتقل إلى البصرة وعمل في مصلحة الموانئ. تميز السيّاب بحبه الشديد للمطالعة، والبحث، وقراءة كل ما يقع بيده من كتب وأبحاث على اختلاف مواضيعها، وقرأ الكثير في الأدب العالمي، وقرأ لكبار الشعراء المعاصرين؛ وحاول مع بعض رواد الشعر في العراق التخلص من رتابة القافية في الشعر العربي، نتيجة تأثره بالشعر الإنجليزي وشاركه بذلك البياتي ونازك الملائكة، ووقع خلاف حول تحديد الرائد الأول للشعر الحديث، فحدث نزاع بين السيّاب ونازك الملائكة على هذه الريادة. نشر السيّاب ديوان في جزءين نشرته دار العودة ببيروت عام 1971، وجمعت فيه عدة دواوين، أو قصائد كتبها في فترات مختلفة، منها أزهار ذابلة، أساطير، المومس العمياء، الأسلحة والأطفال، حفّار القبور، أنشودة المطر، المعبد الغريق، منزل الأقنان، شناشيل ابنة الجلبي، وإقبال؛ كما كانت لديه مساهمة فعّالة في ترجمة الكثير من الأعمال العالمية، مثل الإسباني لوركا، والأمريكي إزرا باوند، والهندي طاغور، والتركي ناظم حكمت، والإيطالي أرتورو جيوفاني، والبريطانيان تي. إس إليوت وإديث سيتويل، ومن تشيلي بابلو نيرودا، وقد أصدر مجموعة ترجماته لأول مرة عام 1955 في كتاب "قصائد مختارة من الشعر العالمي الحديث". في عام 1961 بدأت صحة السياب بالتدهور، حيث بدأ يشعر بثقل في الحركة وأخذ الألم يزداد في أسفل ظهره، ثم ظهرت بعد ذلك حالة الضمور في جسده وقدميه، وظل يتنقل بين بغداد وبيروت وباريس ولندن للعلاج دون فائدة؛ حتى ذهب إلى الكويت لتلقي العلاج في المستشفى الأميري، ليتوفى هناك في 24 ديسمبر عام 1964 عن عمر ناهز 38 عامًا، ونُقل جثمانه إلى قريته، وقد شيّعه عدد قليل من أهله وأبناء القرية، ودفن في مقبرة الحسن البصري في الزبير.