كلما كان هناك فيلم من توقيع المخرج الأميركي كونتين تارانتينو كان الكثير من الجدل، حيث يشتغل هذا المخرج الذي لا يزال يدهش الجمهور والنقاد على حد سواء بمضامين وأسلوب فني مثير منذ تجاربه الأولى في أفلام مثل "مخزن الكلاب" و"بالب فاكشن"، والذي فاز بجائزة السعفة الذهبية لمهرجان كان السينمائي وأوسكار أفضل سيناريو. وفي فيلمه الجديد "الحاقدون الثمانية" يأتي بالحكاية كذريعة من أجل تمرير المضامين والأشكال الفنية التي يجيد استعادتها وهي تتحرك على صعيد الشكل في أجواء سينما السبعينيات من القرن الماضي. الفيلم الجديد يعتمد على حكاية تجري أحداثها في مرحلة ما بعد الحرب الأهلية في أميركا، حينما يضطر جون روث "كيرت راسل" صائد المطلوبين للعدالة إلى التوقف في أحد البيوت ومعه امرأة قاتلة محكومة بالإعدام ديزي "جينيفر جيسون" ليصادف وجود 6 شخصيات أوقفتهم عاصفة ثلجية في ذلك المنزل لنكتشف أي نوع من الحقد والكراهية تحمله تلك الشخصيات الثمانية لبعضها البعض حتى رغم الصقيع والبرودة التي تحيط بهم. كل تلك الحكاية تأتي وبشكل محبوك بإيقاع متطور ومتصاعد رفيع المستوى رغم أن النسخة الأولى للفيلم ظهرت بثلاثة ساعات ليقوم بعدها تارنتينو باختصار 12 دقيقة ليكون صالحا للعرض في صالات العرض الأميركية، معتمدًا على فريق من النجوم الذين تعودوا العمل معه بالذات مثل كيرت راسل وصموئيل لي جاكسون ومايكل ماديسون وبروس ديرن تيم روث وأيضا جينيفر جيسون لي التي تدهشنا بأداء شخصية ديزي القاتلة والتي يسعى إليها الجميع من أجل الحصول على الجائزة المرصودة للقبض عليها؛ ولكنها في حقيقة الأمر ليست بالصيد السهل. وكالعادة وفي جميع أفلامه يعتمد تارنتينو على سيناريوهات قام بكتابتها وأيضًا في تعاون إنتاجي مع "وينستون كومباني"، التي أسسها الأخوين بوب وهارفي وينستون والتي تعتبر من أبرز شركات الإنتاج المستقلة في أميركا والتي أنتجت جميع أعمال تارنتينو. ويستعين تارنتينو بخدمات الموسيقار الإيطالي الشهير أنيو ميركوني الذي كان وراء أهم التحف السينمائية التي قدمها سيرجيو ليوني ضمن ما سمي بأفلام "والويسترن سباغتي" كما عمل مع تارنتينو في أفلام من ذي قبل، وقد أدار التصوير روبرت ريتشاردسون الذي صور جميع أعمال تارنتينو وهذا يعني أننا أمام مخرج يحرص في جميع أفلامه للاعتماد على فريق يعي احتياجاته ويفهم أسلوبه المثير للجدل دائمًا. وفي فيلم "الحاقدون الثمانية" كمية من العنف الإنساني الذي يتحرك من منظور الحقد بكل مفرداته ومضامينه النفسية والمادية والاجتماعية والطبقية، لذا فنحن أمام عمل سينمائي يظل يشغلنا بشخوصه وإحداثياته حتى بعد أن تضيء الصالة أنوارها.