خرجوا ضد «الأمويين» و«العباسيين» احتجاجًا على سياسة «الولاة» في جمع «الجزية» ولم يطلبوا التحرر من «الحكم الإسلامى» يستعد الروائى حمدى البطران، لإصدار كتاب جديد تحت عنوان: «الملف القبطى في مصر»، يقع في 4 أجزاء، موزعة على عدة فصول بعد المقدمة. الجزء الأول يحمل عنوان: «لمحات تاريخية»، ويقع في 5 فصول هي: «حالة الأقباط قبل وخلال الفتح العربى»، و«الأقباط في العصور التالية»، و«ثورات الأقباط»، و«الأقباط في الحملة الفرنسية»، و«بدايات التعصب». أما الجزء الثانى فيحمل عنوان: «الأقباط في القرن التاسع عشر»، وتناول فيه الكاتب عبر 7 فصول عدة موضوعات هي: «محاولات التأثير في الكنيسة القبطية»، و«صعود الأقباط في عصر محمد على»، و«اهتمام الأقباط بالتعليم»، و«إنشاء المجلس الملى»، و«المطالبة العلنية بالمساواة»، و«تكوين أحزاب سياسية قبطية»، و«أزمات طائفية». الجزء الثالث بعنوان: «الأقباط بعد ثورة 1952»، ويقع في 3 فصول، حملت عناوين: «الأقباط في عهد عبدالناصر»، و«الأقباط في عصر السادات»، و«الأقباط في عهد مبارك»، فيما يحمل الجزء الرابع عنوان: «أقباط المهجر»، وقسمه المؤلف إلى أربعة فصول هي: «قصة أقباط المهجر»، و«مؤتمرات قبطية»، و«تأثير منظمات أقباط المهجر على مصر»، و«موقف الكنيسة المصرية من أقباط المهجر». تحدث الكتاب عن الخلاف العقدى بين الطوائف المسيحية، الذي أدى إلى ميل المسيحيين في مصر إلى العرب، في محاولة منهم للتخلص من أعدائهم الحكام البيزنطيين لمساعدة الوافدين الجدد. وعدّد المؤلف المواقف والوقائع التي أدت إلى ذلك، متعرضا بعد ذلك للتعريفات المختلفة لدخول العرب المسلمين لمصر، ثم المرور على قصة المقوقس حاكم مصر مع النبى محمد، وقصة زواجه من مارية القبطية، شارحًا كيفية تلقى المسيحيين في مصر للمسلمين بقيادة عمرو بن العاص. كما تعرض للتغيرات الحياتية للأقباط في مصر عبر العصور المختلفة، والحكام المسلمين منذ دخول عمرو بن العاص حتى انتهى العصر الأول للدولة الإسلامية «دولة الصحابة» مرورًا بكل العصور التي مرت على مصر في ظل الحكم الإسلامى وما اعتراه من متغيرات أثرت فيهم وعليهم. تحدث عن عهد عمرو بن العاص قائلا: «مما لاشك فيه أن السبب الذي جعل الأقباط يميلون إلى شخصية عمرو بن العاص أنه كان مراعيا لمصالحهم وراحتهم كما أنه لم يجمع منهم خلال مدة ولايته أموالا أكثر مما صالحهم عليها، وما اتفق معهم عليها، ولا جمع تلك الأموال منهم في غير الأوقات المحددة لجمعها وتحصيلها». ويضيف: «يمكننا أن نقول إن العناية الإلهية ساعدت عمرو بن العاص وساندته، فلم يحدث خلال فترتى ولايته الأولى والثانية أي نقص لمياه نهر النيل، أو جفاف لمياهه، ولو لمرة واحدة، ولا تعرضت مصر لفترات من الجفاف، من تلك التي كانت تعتريها في أوقات متفرقة قبل ذلك، وخلال ولايته لم يكن للمسلمين أي ولاية على الأقباط، إلا من خلال جمع الخراج والجزية فقط، وكانت مقاليد أمور الأقباط بأيديهم». «البوابة» تعرض أخطر أجزاء الكتاب الذي حمل عنوان «ثورات الأقباط». يقول حمدى البطران: «ما أن بدأ القرن الثانى الهجري، حتى بدأ الأقباط يضيقون بسياسة الولاة في جمع الخراج، ولم يقف الأقباط مكتوفى الأيدى إزاء المظالم التي تعرضوا لها من جراء الجزية والتمادى في جمع المال بوسائل وحشية، لذلك بدءوا في الثورة ضد العرب، وقد تعددت تلك الثورات، وشملت الوجهين البحرى والقبلى». في عام 107 هجرية أراد عبيدالله بن الحبحاب صاحب الخراج في مصر أن يتقرب إلى الخليفة هشام بن عبدالملك، فكتب إليه يخبره أن أرض مصر تحتمل زيادة خراجها، فما كان من الخليفة إلا أن أقره على جلب زيادة دينار على كل قيراط، فثار أهل تمى الإمديد، وتنو، وقربيط، وطرابية، وعامة الحوف الشرقى، فبعث إليهم والى مصر بجيش كبير هزمهم، وقتل منهم أعدادا كثيرة، وكانت تلك هي أول انتفاضة أو ثورة للأقباط في مصر، كما حاول الأقباط تخفيف الضرائب عنهم وذلك بإيفاد وفود منهم إلى الخلفاء العباسيين. وقد قرأنا في كتاب تاريخ البطاركة أن الوفد الذي سافر إلى بغداد، يرأسه أحد الأقباط واسمه إبراهيم (866 / 869) لمقابلة الخليفة المعتز بالله، وذلك لتقديم شكوى من تعسف ابن المدبر الوالى على مصر، فكتب الخليفة سجلا بالتخفيف عنهم. وفى عام 121 هجرية ثار الأقباط على عمال الوالى في القرى وحاربوهم، فأرسل إليهم حنظلة بن صفوان أمير مصر عددا من الجنود، فقتلوا من الثوار أعدادا كثيرة. وفى عام 132 خرج رجل من الأقباط اسمه بحنس من سمنود، جمع حوله جيشا من الأقباط أراد أن يقاتل به والى مصر عبد الملك بن مروان، فأرسل إليه عبدالملك جيشا تمكن من هزيمتهم، وفى نفس السنة ثار الأقباط بناحية رشيد على الخليفة عبدالملك بن مروان، وكان قد هرب إلى مصر خوفا من العباسيين، ولكنه تمكن من هزيمتهم. وفى سنة 135 هجرية ثار الأقباط بسمنود مرة ثانية تحت قيادة أبو مينا، ولكن والى مصر سرعان ما أرسل إليهم جيشا أخمد ثورتهم. وفى عام 150 ثار الأقباط بناحية سخا، وطردوا عمال يزيد بن حاتم المهلبى والى مصر، ثم ساروا ناحية شبرا سنباط، وانضم إليهم أهل البشرود، والأوسية، والبجوم، فوصل الخبر إلى والى مصر، فجهز جيشا كبيرا من أهل الديوان لقتالهم، ولكن الأقباط أخذوهم على غرة وهزموهم، وقتلوا أعدادا كثيرة من جيش الوالى، وأضرموا النيران فيهم، فلما علم بذلك الخليفة، أمر بعزل الوالى يزيد بن حاتم المهلبى، وولى مكانه موسى بن على بن رباح، وتمكن الأخير من القضاء على جيش الأقباط. وعندما جاء العباسيون إلى الخلافة استعانوا بسكان مصر من الأقباط، لمعاونتهم في إدارة شئون البلاد، ووجد الأقباط حظوة في عيونهم. لكن لم تكد تمضى ثلاث سنوات، حتى بدءوا في زيادة الضرائب ومضاعفتها على الأقباط، الأمر الذي أثقل كاهل الآخرين وأعجزهم عن السداد، فعانوا من سوء معاملة الولاة، فتولدت داخلهم روح الثورة على هذه المظالم. ومع ذلك فقد ظلت الأمور هادئة حتى عام 216، عندما قام أتباع الوالى عيسى بن منصور بالتجبر على أهل مصر، فثار أهل الوجه البحرى جميعا، مسلمين وأقباطا، وأعلنوا العصيان، وطردوا العمال، وحشد المصريون جميعا جيشا كبيرا، وساروا لقتال الوالى عيسى بن منصور، فجهز الأخير جيشا لقتالهم وجمع العساكر والجنود، غير أن الثوار تقدموا نحو الفسطاط، وأخرجوا عيسى منها، وطردوا الوالى ومعه صاحب الخراج على أقبح وجه. ولما بلغت الخليفة المأمون أنباء ما حدث أمر قائده إفشين، وكان وقتها في ليبيا، أن ينسحب منها، ويعود بأقصى سرعة إلى مصر، وعندما وصل الأخير إلى المحلة الكبرى التقى بالثوار وهزمهم، في الوقت الذي كان فيه الوالى عيسى بن منصور يقاتل أهالي تمى. انهزم الثوار في المحلة، ومضى إفشين إلى ثوار الإسكندرية، وفى طريقه قابل بعض الثوار في خربتا، فقاتلهم وهزمهم، ولقي جماعة منهم في محلة الخلفاء فهزمهم أيضا، وأسر عددا منهم وضرب أعناقهم، وبعد أن دخل أفشين الإسكندرية ظافرا توجه إلى أهل البشرود أو البشمور، وكان هناك عدد كبير من الثوار، ولم يتمكن من النيل منهم، وكانت المنطقة التي يحاربون فيها كثيرة المياه والبرك والمستنقعات، فاستمر القتال بينهم. وكانت تلك الثورة من أعنف الثورات التي قام بها أهالي البشمور أو البشرود، وهى المنطقة التي تقع بين رشيد ودمياط، ومنطقة تنيس والحوف الشرقى. لأجل هذا تدخل بطريرك الأقباط يوساب وقال لأتباعه: من يقاوم السلطان يقاوم حدود الله. لما أيقن إفشين من تصميم الثوار على القتال، طلب من الخليفة المأمون أن يحضر بنفسه. وقد جاء في تاريخ البطاركة عن تلك الواقعة «إن الخليفة المأمون جاء إلى مصر لقمع تلك الثورة، واصطحب معه ديونسينوس بطريرك أنطاكية، واستعان في مصر بالبطريرك يوساب بطريرك الأقباط في مصر. وتقابل الخليفة المأمون مع البطريرك، وأخبره الأخير أنه لم يتوان عن نصح البشموريين بعدم المقاومة، ففرح المأمون، وقال للبطريرك: هو ذا أمرك أنت ورفيقك البطريرك ديونسينوس أن تمضيا إلى هؤلاء القوم، وتردعوهما كما يجب في ناموسكما ليرجعوا، ويطيعوا أمرى، فإن أجابوا، فأنا أفعل معهم الخير، في كل ما يطلبوه منى. ولكن الثوار لم يستمعوا إلى نصيحة البطاركة، فاضطر المأمون إلى محاربتهم، وخلال ذلك قتل النساء والأطفال. وهناك من يرى أن ثوار الأقباط كادوا يفتكوا بجيش المأمون لولا أن الخليفة العباسى لجأ إلى طرق غير شريفة للقضاء على الثائرين، وذلك أنه استدعى الأنبا ديونيسيوس البطريرك الإنطاكى واستدعى معه الأنبا يوساب الأول بطريرك الأقباط وطلب منهما تحت التهديد أن يتعاونا معه في إخماد ثورة الأقباط، وقد أجابا بكل أسف طلب المأمون وحررا للثوار رسالة بها نصائح ومواعظ يحُثا فيها الثوار أن يلقوا بسلاحهم ويسلموا أنفسهم لولاة الأمير، وفى الوقت الذي كان الثوار في أمس الحاجة للمعونة المادية والمعنوية حتى يتمكنوا من التخلص من الظلم والاستبداد الأجنبى إذ بالقادة الروحيين ينخدعوا فيدعوهم إلى الاستسلام. ولا شك أن هذا الموقف من طرف القادة الروحيين كان له أثره البالغ على الأقباط. ونرى أن لجوء الخليفة إلى الاستعانة بالبطريرك القبطى، لا يعد من الطرق غير الشريفة بل من الطرق الحميدة، أو محاولة لمنع إراقة الدماء كما أن استجابة البطريرك إلى نداءات الخليفة، تعد نوعا من منع الضرر والشرور عن شعبه، وهو واجبه الذي كرس نفسه من أجله، وهو حفظ أرواحهم ودمائهم. والملاحظ أن كل أهداف ثورات الأقباط تتلخص في أمرين هما: «تخفيض الجزية، وتحسين طريقة جمعها، والتخلص من بعض الولاة الظالمين». ولكنها - أي ثورات الأقباط- لم تعلن عن رغبتها في التحرر من الحكم الإسلامى، أو محاولة طرد المسلمين، ولم يناد به أحد قواد تلك الثورات، وهو ما يجعلنا نطمئن أن الأمر لم يكن احتلالا بالمعنى المعروف لتلك الكلمة في العصر الحديث. تلك الثورات لم تساعد الأقباط في شيء، غير أنها ساعدت على تنبيه الحكام إليهم، وعدم السماح لهم بتجميع الثروة، أو حتى تجميع أنفسهم في مكان واحد، أو اقتناء الأسلحة، أو أدواتها من خيول وأفراس. غير أن أسباب فشل تلك الثورات، كانت وراءه عدة عوامل منها: عدم دراية الأقباط بأساليب وتقنيات الحرب، كذلك افتقارهم لحنكة عقد التحالفات العسكرية والاتفاقيات التي تحقق أهدافهم، وعدم توحد ثوراتهم في كل مصر في لحظة واحدة بحيث لا يمكن للمسلمين التغلب عليهم، وعدم وجود القائد العسكري الذي يمكنه توحيد الجهود وتنظيم جيش، وعدم سعى البطريرك للعب هذا الدور أو تشجيع من يلعبه، وإيثار البطريرك دائمًا للسلامة، حتى أنه خضع لأوامر الوالى وتوسط لدى ملك النوبة للتراجع رغم كونها فرصة ذهبية لطرد المسلمين من مصر نهائيًا، والروح الانهزامية لدى الأقباط وعدم ثقتهم في إمكانياتهم لحكم البلاد، -وسوء العلاقة بين الكنيسة القبطية والكنيسة الملكانية الرومية وعدم وحدتهما، ما كان سببا في ضعفهم الشديد. من النسخة الورقية