كنت أستغرب عندما كانت تعقد مقارنات بينها وبين سعاد حسني وشادية ونادية لطفي كممثلات، كنت أتساءل، كيف لأحد أن يضعها فى خانة واحدة مع أي ممثلة أخرى حتى ولو كانت سعاد حسني نفسها، التى تمتلك من المريدين والمعجبين والعشاق الملايين، كيف لا يعرف هؤلاء قيمة فاتن حمامة، وكيف يضعونها من الأساس محل مقارنة مع أى ممثلة أخرى مهما كانت، هل لا يروا أنها الممثلة الوحيدة التى استطاعت أن تكون كل النساء فى أنثي واحدة، فهي الحبيبة والأخت والأم والطفلة الغيرة، هي كل نساء العالم لكل من حاول أن يبحث عن المرأة فيما تقدمه فاتن من أدوار علي الشاشة، وربما ما كتبه المؤلف محمد سيلمان عبد المالك وهو ينعيها يعبر عن هذه الحالة بشدة عندما قال، "فاتن كانت نساء الدنيا وقد تجمعن في امرأة واحدة.. أنظر إلى ابنتي فأري فاتن يوم سعيد.. أنظر إلى أختي فأري فاتن أيامنا الحلوة.. أنظر إلى حبيبتي فأرى فاتن سيدة القصر.. أنظر إلى أمي فأرى فاتن امبراطورية ميم.. أنظر إلى معلمتي فأرى حكمت هاشم.. أنظر إلى نساء مصر المبعثرات في الشوارع والمواصلات فأرى فاتن دعاء الكروان والحرام وأفواه وأرانب ويوم حلو ويوم مر وليلة القبض على فاطمة.. أجلس على مقهى قديم في مصر الجديدة فأرى نرجس أرض الأحلام". فربما لم تكن فاتن الأكثر جمالاً وأنوثة مقارنة بالأخريات، ولكنك لا تستطيع أن تنكر أن جمالها من نوع راق ومختلف تماماً عنهن، جمالاً لا يثير الغرائز والفتن، جمال يخاطب روحك قبل عقلك وقلبك ومشاعرك، فقد قال مصطفي أمين عن جمالها.. "هناك الجميلة التى تحس إذا نظرت إليها أنها تقودك إلى مرفأ هادئ أو إلى واحة خضراء، هذا النوع الأخير من الجمال هو الذى يعمر فى القلب أكثر من سواه، وهو الذى يفضله الإنسان البسيط، وهو النوع الذى تتميز به فاتن.."، وربما هذا ما جعل كل بنت سواء في مصر أو الوطن العربي تري نفسها فاتن حمامة، البنت صاحبة الجمال الهادئ الطيبة، التى يظلمها الناس وينصفها القدر، دورها فى الحياة سلبى، فهى لا تعاند الناس أو المجتمع، ولا تخوض معركة، فكل ما تملكه هو الصبر وإنتظار أن ينتصر لها القدر وتفوز بحلمها بأبسط طريقة ممكنة، وهو ما وصفه الكاتب الكبير أحمد بهاء الدين عندما تحدث عنها فقال، "أصبحت كل بنت فى مصر.. فاتن حمامة! فكل بنت متوسطة فى مصر، تحيا حياة راكدة، ترى فاتن حمامة على الشاشة وكأنها ترى فيها نفسها، أو ترى فيها أحلامها.. للاحساس بالظلم، والأمل المشوب بالحزن، وانتظار السعادة التى يسوقها القدر.. هنا أصبحت فاتن «بطلة».. لأنها أصبحت ترمز إلى حقيقة دفينة فى أعماق عشرات الآلاف من بنات مصر.. بل بنات البلاد العربية والشرقية كلها"، فكان طبيعي أن تحتل فاتن مساحة مختلفة داخل قلوب جمهورها، وجعلها أقرب إلي القديسة التى تختفي عنهم سنوات طويلة، ولكنهم مطمئنون بوجودها في حياتهم، يستبشرون بطلتها، وابتسامتها، ويحزنون ويرفضون تصديق خبر رحيلها، ويتسابقون علي حمل جثمانها لمساواه الأخير، الكل أحب فاتن حمامة أخلص في حبها، مثلما أخلصت هي لمهنتها ولجمهورها، وقبلهم لحياتها الشخصية التى رفضت أن تدمرها مثلما فعلت أخريات، تحت ادعاء التضحية من أجل الفن، كانت تعلم جيداً أنها في النهاية أنثي، تريد أن تحب وتتزوج وتنجب، بعيداً عن هوس الشهرة وجنونها. فاتن حمامة لم تمت، ولكنها ارتقت، بعد أن علمتنا جميعاً دروس عديدة سواء ممثلة أو زوجة أو حتي مستقرة داخل نعشها، فاتن حمامة ستبقي بالنسبة لم يعرفون قيمتها.. كل نساء العالم في مرأة واحدة.