يتداعي الوضع السياسي والاقتصادي في الأراضي الفلسطينية إلي الأسوأ، الأمر الذي ينذر باندلاع انتفاضة ثالثة كثر الحديث عنها في الآونة الأخيرة، وإن كانت اسرائيل قد استبعدتها فيما مضي، غير أنها بدأت تتشكك في ذلك مع تصاعد وتيرة الاحتجاجات الفلسطينية في الضفة الغربية ضد الاحتلال الاسرائيلي. وتصدرت حادثة وفاة المعتقل الفلسطيني عرفات جردات في السجون الاسرائيلية المشهد في اسرائيل والضفة الغربية بعدما تحول الغضب الفلسطيني إلي مايشبه انتفاضة جديدة، رفع معها الجيش الاسرائيلي كل الاستعدادات الضرورية لمنع تدهور أمني، فتحركت القيادة السياسية في اسرائيل وارسل رئيس وزرائها بنيامين نتنياهو إلي الرئيس محمود عباس يطالبه بالتدخل لمنع هذه الانتفاضة مغريا السلطة بالافراج عن الأموال المحتجزة في محاولة لتهدئة الخواطر . لقد جاءت وفاة المعتقل جردات في وقت شديد الحساسية بينما تشتعل الضفة الغربية في الأساس احتجاجا علي مواصلة اسرائيل احتجاز 4 أسري مضربين عن الطعام , وفي وقت تحذر فيه الأجهزة الأمنية الاسرائيلية من انفجار وشيك في الضفة الغربية بسبب انعدام الأفق السياسي والاقتصادي، بالاضافة إلي اتهام السلطة الفلسطينية المباشر لإدارة السجون الاسرائيلية بتعذيب جردات حتي الموت فكيف تقبل الرواية الاسرائيلية عن تعرض المعتقل جردات لذبحة قلبية ليس إلا . ومن البديهي في ظل هذا الاحتقان الشديد أن تؤجج وفاة جردات الغضب الذي ترجم إلي مظاهرات أكثر عنفا وتوترا، وصلت إلي ارسال نتنياهو مبعوثه يتسحاق مولخو إلي الرئيس عباس يطلب منه وقف المواجهات الميدانية في الضفة الغربية خشية اندلاع انتفاضة ثالثة متعهدا بتحويل مستحقات الضرائب إلي السلطة الفلسطينية عن شهر يناير الماضي بشكل فوري، فثمة قلق في اسرائيل من تفجر الأوضاع بشكل لايمكن السيطرة عليه. عبر عن هذا القلق وزير الأمن الداخلي الاسرائيلي آفي ديختر من أن يؤدي تصاعد الاحتجاجات العنيفة في الضفة الغربية إلي اندلاع انتفاضة جديدة خاصة في حال أسفرت الاشتباكات عن سقوط شهداء. ولم تكن مخاوف ديختر التي تتنبأ باندلاع انتفاضة ثالثة هي الوحيدة فقد حذر رئيس الكنيست بنيامين بن اليعازر من هذه الانتفاضة مؤكدا أن ذلك سيؤدي إلي انهيار الأمن في الأردن ومصر والسعودية وعدد من دول المنطقة، لأن الانتفاضة الثالثة ستكون أكثر دموية، وطالبت رئيسة حزب ميرتس زهافا غالؤون من نتنياهو الاعلان عن الخطوات التي ينوي اتخاذها لمنع اندلاع انتفاضة ثالثة في الضفة الغربية التي أصبحت علي شفا انفجار شديد. خشية اسرائيل من اندلاع الانتفاضة الثالثة تأتي مقارنة بالانتفاضتين السابقتين اللتين وقعتا نتيجة لسقوط عدد كبير من الشهداء، إذ يمثل سقوط الشهداء والجرحي وصفة مؤكدة تقريبا لتصعيد أعنف , واسرائيل في هذه الزاوية ربما تتحسس خطاها عند التصدي لأي احتجاجات. ورغم أن هناك ثمة تقدير في اسرائيل بأن السلطة الفلسطينية لن تسمح بتصعيد الموقف بسبب زيارة الرئيس الامريكي باراك أوباما إلي المنطقة في العشرين من هذا الشهر، إلا أن المسؤولين الاسرائيليين مقتنعون أكثر من أي وقت مضي بأن المنطقة علي أبواب انتفاضة جديدة، فالتطورات الأخيرة في الأراضي الفلسطينية المحتلة تفتح الشارع السريع إلي انتفاضة ثالثة علي مصراعيه، فالأحداث العنيفة التي شهدتها الأراضي الفلسطينية تضع اسرائيل والفلسطينيين في النقطة الأقرب إلي الصدام بينهم، وموت الأسير جردات في سجن اسرائيلي قد يتحول إلي مواد متفجرة تشعل الأرض بعد أشهر من تصاعد التوتر، والسلوك الفلسطيني والاسرائيلي في معالجة وفاة جردات سيكون مصيريا وحاسما لجهة اندلاع انتفاضة ثالثة أو منعها. وما لم تقم اسرائيل بمبادره عملية وفعالة لتحريك العملية السياسية مع الفلسطينيين قبل أن يتم فرضها، من شأنها أن تغير الواقع المأساوي الذي ينتظر الطرفين، مع الفرق أن الفلسطينيين لم يبق لديهم مايخسرونه، لكن الاسرائيليين لديهم الكثير الذي سيخسرونه ويؤرق مضاجعهم في حال اندلعت شرارة الانتفاضة الثالثة، فبدأ الاعلام الاسرائيلي وأوساط سياسية رفيعة توجه الانتقادات للحكومة بسبب قرارها السابق بتجميد العائدات الضريبية للسلطة الفلسطينية، وهي الأموال التي تصرف علي رواتب الموظفين وأجهزة الأمن الفلسطينية التي من المفترض أن تسيطر علي الوضع الأمني، وفي حينه حذرت المؤسسة الأمنية الاسرائيلية من أبعاد قرار تجميد الأموال، وهي التحذيرات التي لم يأبه بها المستوي السياسي، لكن الحكومة الاسرائيلية قد فطنت متأخرة إلي أهمية التحويل الشهري للعائدات الضريبية، فعادت إلي تحريرها لكن بعد فوات الأوان!