أسئلة كثيرة تثار حول الهجوم الخسيس الذي استهدف مقرا لحرس الحدود المصرية في "رفح" والذي وقع في الخامس من أغسطس الحالي وأودي بحياة 16 شهيدا وجرح سبعة من جنود مصر البواسل. تري من المستفيد ومن الذي يقف وراء هذا الجرم الإرهابي غير المسبوق الذي لم يراع حرمة الشهر الكريم؟! ولعل كل المؤشرات تؤكد أن إسرائيل هي المستفيد فلقد جاءت مذبحة الأحد الأسود لتثبت علي أرض الواقع ما حاولت إسرائيل تسويقه علي مدي السنوات الماضية وكثفت الحديث عنه في الآونة الأخيرة من أن مصر عاجزة عن فرض سيطرتها علي سيناء وعن كبح جماح العمليات الإرهابية في ساحتها ومن ثم فإن هذه العملية تأتي كذريعة تؤكد من خلالها أن الحدود مع مصر غير آمنة وهو ما قد يتطلب البحث عن صيغ بديلة. إسرائيل عينها علي سيناء منذ أن استردتها مصر وظلت تتطلع إلي إعادة احتلال بضعة كيلومترات يتم بموجبها إقامة منطقة عازلة داخل سيناء يبدأ بعدها التفاوض علي اتفاقية جديدة أعدت إسرائيل بنودها منذ 4 سنوات تضمن بموجبها ما تسميه حماية الأمن القومي الإسرائيلي والسماح باختراق الاجواء المصرية أما ما ساعد إسرائيل علي المضي قدما في محاولة تنفيذ ذلك علي أرض الواقع فهو أن سيناء وعلي مدي الحقبة الماضية كانت أرضا خصبة لنمو الجماعات الجهادية المسلحة وهو ما كان يؤذن بأن مصر تواجه خطرا حقيقيا وأن أمنها القومي بات مهددا. كل المؤشرات تكاد تجزم بأن الموساد الإسرائيلي يقف وراء جريمة الأحد الأسود وأن من قام بها عناصر تابعة له ومكلفة بتنفيذ مخطط يهدف إلي الوقيعة بين المؤسسة العسكرية الأمنية المصرية وبين حركات المقاومة الفلسطينية ولا أدل علي ذلك من أن اسرائيل قامت بإخلاء النقطة الحدودية المقابلة لنقطة الحدود المصرية قبل ساعات من مهاجمة النقطة المصرية وتظل إسرائيل مسكونة باستعادة سيناء ومنذ ثورة 25 يناير من العام الماضي وهي تمضي في تأليب المجتمع الدولي علي مصر بذريعة أن المحروسة قد فقدت السيطرة علي سيناء وأنها باتت ساحة للجماعات الإرهابية مع تهديدها المستمر بالتدخل فيها لفرض الأمن هناك وهذا كله رغم أنها هي التي فرضت قيودا علي تواجد القوات المصرية في سيناء بموجب اتفاقية كامب ديفيد والتي أمكن لإسرائيل بواسطتها أن تضمن اخلاء نحو ثلثي سيناء من القوات المسلحة المصرية بالاضافة الي وجود قوات أمريكية وأوروبية صديقة لإسرائيل في سيناء تحت اسم قوات متعددة الجنسية. ما فرضته إسرائيل علي مصر شكل قيودا علي السيادة الوطنية في سيناء بموجب المادة الرابعة من معاهدة السلام وملحقها الأمني ولهذا كان لا بد من المطالبة بتعديل المعاهدة بشكل يعيد لمصر كامل سيادتها المنتهكة أما ما عمدت إليه أمريكا بالتنسيق مع اسرائيل فتمثل في تغليب الأمن القومي للكيان الصيهوني علي الأمن القومي المصري، والحرص علي ابقاء سيناء رهينة بحيث يمكن لاسرائيل أن تعيد احتلالها في الوقت الذي تريد. وكان الهدف من ذلك خضوع مصر للتهديد وأمكن لهم ذلك من خلال الترتيبات الأمنية في سيناء بموجب اتفاقية السلام والبنود الواردة في الملحق الأمني وبموجبها تم تقسيم سيناء الي شرائح موازية لقناة السويس أطلقوا عليها مناطق "أ، ب، ج" وبمقتضاها سمحوا لمصر بوضع قوات مسلحة في المنطقة "أ" فقط وبعدد لا يزيد علي 22 ألف جندي، أما المنطقة "ب" فيكون بها 4 آلاف جندي حرس حدود بأسلحة خفيفة وفي المنطقة "ج" يوجد بوليس مصري فقط أضيف لهم 750 جندي حرس حدود سنة 2005 لتأمين حدود غزة بموجب اتفاقية فيلادلفيا المصرية الإسرائيلية علي أن يتم مراقبة القوات المصرية من قبل قوات متعددة الجنسيات تقودها أمريكا وكلها بالطبع تدابير تقف حجر عثرة تحول دون دفاع مصر عنها فيما إذا حدث عدوان صهيوني عليها كما حدث في حربي 56 و67. لن يستقيم الوضع لمصر في سيناء إذا لم يتم التخلص من هذه القيود التي تهدد أمنها فهي سيف مصلت عليها من أجل اخضاع ارادتها وابقائها تحت رحمة أمريكا وإسرائيل دوما انها طوق لحصار مصر وفرض التبعية عليها للأبد فلا تستطيع حراكا إنها شروط اجحاف مفروضة علي مصر كرها تصبح معها سيناء بمثابة فزاعة لا تملك مصر في ظلها التحرر من ربقة القيد ولهذا يتعين علي مصر الآن العمل بسياسة الإعداد الاستراتيجي للمستقبل في هذه المنطقة وهو ما يتطلب عدة أمور لعل أولاها السعي لتعديل اتفاق "كامب ديفيد"، فمصر لها الحق في طلب مراجعة الملحق الأمني ويجب علي إسرائيل مراعاة هذا المطلب في ضوء أن مبدأ التغيير أمر جوهري في ظل الظروف الراهنة كما يتعين علي إسرائيل ان تراعي مبدأ حسن النية في مراجعة المعاهدة لاسيما أن المادة 51 من ميثاق الأممالمتحدة تمنح مصر رخصة القيام بأعمال الدفاع الشرعي عن سيناء.