قالت إحدي الصحف اليومية إن الملياردير المصري حسين سالم غادر منزله بحي دوامات شمال تل أبيب ليسافر خارج إسرائيل بطائرته الخاصة. ومضت الصحيفة تقول إن حسين سالم حرر شيكا بمبلغ 300 مليون دولار حتي يتم السماح له بمغادرة إسرائيل، وبعد أن تأكدت السلطات الإسرائيلية من تحويل المبلغ تم السماح له بالسفر! والخبر الذي نشرته الصحيفة يأتي في سياق الأخبار مجهولة المصدر، والتي لا يمكن التحقق منها والتي تمتلئ بها صحافتنا هذه الأيام. فرغم أننا نأمل أن يتم الإيقاع بحسين سالم مهندس صفقات تصدير الغاز المصري لإسرائيل وجلبه للمحاكمة في مصر، فإننا نتساءل عن كيفية تأكد الصحيفة ان حسين سالم حرر شيكا ب300 مليون دولار وهل كان مندوب الصحيفة موجودا، أم أن له مصدرا إسرائيليا أخبره بذلك؟ ولو كانت الصحافة الإسرائيلية هي مصدر الخبر فلماذا لم تشر الصحيفة إلي ذلك؟! ولقد أوردنا هذا الخبر للإشارة إلي ما يحدث في الصحافة المصرية حاليا.. فقبل الثورة كانت لدينا صحافة قومية وأخري حزبية وصحافة مستقلة.. وصحافة يطلق عليها صحافة الإثارة أو الصحافة الصفراء، أما الآن فكل هذه التصنيفات قد اختفت واشترك الجميع في صفة واحدة وهي أنهم جميعا قد أصبحوا صحافة صفراء تبحث فقط عن الإثارة، ولا تتردد في نشر الشائعات والأقاويل، ولا تهتم بالتحقق من صحة الخبر، ولا تحاول ولا تتنافس إلا في المزايدة مع الثورة والثوار وركوب الموجة بدلا من الدخول في دائرة اتهامات علي شاكلة معاداة الثورة أو الانتماء للنظام القديم. وهو تخبط يدفع ثمنه المجتمع لأنه يؤدي إلي حالة من فقدان الثقة في الجميع وإلي نوع من الارتباك والتخبط في صناعة القرار وإلي إثارة توقعات وتطلعات الرأي العام بشكل مغاير للحقيقة ولا يخدم أهداف المرحلة التي نتطلع إلي تحقيقها والتي تقوم علي أساس تثبيت معايير وقيم العدالة وحقوق الفرد وقيمته. ولقد رأينا هذا التخبط الإعلامي واضحا في الكثير من الموضوعات والقضايا بحيث صرنا لا نعرف ما الذي يريدونه وما الذي يفعلونه بنا.. فقد احتفي الإعلام بشدة علي سبيل المثال بعبود الزمر قاتل الرئيس السادات، وكان الاحتفاء به صاخبا ومبالغا فيه.. خاصة عندما تحدثوا عن إمكانية ترشحه لمنصب رئيس الجمهورية. ونفس هذا الإعلام هو الذي يقود حملة منظمة ضد السلفيين وتحذير المجتمع منهم وتخويفه علي أساس ان هؤلاء يمثلون فكرا وهابيا سيعود بالبلاد إلي الوراء! وهذا الإعلام هو الذي يتبني ويصعد ويزايد علي قضايا فردية دينية غامضة، ويحولها إلي قضايا عامة ثم يعود ليحذرنا من الفتنة الطائفية والذين يشعلونها والذين يتحدثون فيها! وفي سباق جذب الاهتمام والقراء فإن هذه الصحافة تنشر الكثير من الوقائع والأخبار عن النظام السابق وتجاوزاته وملياراته بشكل جعل الناس تنتظر وتأمل في عودة هذه الأموال التي ستجلب لها الرخاء بينما الحقيقة الأهم هي أننا نخسر يوميا أيضا مئات الملايين من الدولارات وأن القادم أخطر وأعنف إذا لم نخرج من سبات الأحلام إلي أرض الواقع وننتبه إلي أن الوطن في خطر وأننا سنهدر كل مكاسب الثورة بكثرة كلامنا وقلة عملنا.. وهي صحافة فقدت رشدها، وفقدت بوصلة التوجيه لأنها علي وشك الانهيار المالي، وتواجه هبوطا حادا في مصادر دخلها بعد تراجع الإعلانات التي تمثل العمود الفقري لتمويل هذه الصحف واستمراريتها. ولذلك دخلت هذه الصحف في سباق مجنون من أجل زيادة أعداد التوزيع بكل السبل، حتي وإن كان ذلك علي حساب الحقيقة وقيمة الكلمة ومعناها.. وهو أمر بالغ الخطورة لأنه قد يعني تشويه وتجريح الأبرياء والضعفاء، وقد يسبب ذعرا أيضا للشرفاء فيبتعدون عن الساحة، وهو ما قد يخليها لضعاف النفوس وتجار الأزمات ودعاة البطولات ليفرضوا علينا مفاهيمهم وأجندتهم الخاصة في اعتلاء الثورة والاستفادة منها. ان صحافتنا وإعلامنا في حاجة إلي وقفة مصارحة ومراجعة للمسار تساعد في حماية الثورة وفي تكريس قيم ومبادئ الحق والعدل لمجتمع يحتاج إلي إعادة البناء من جديد علي أسس صحيحة وموضوعية بعيدا عن الإثارة والمبالغة والخداع، وصحافة لا تعرف ماذا تريد؟ [email protected]