أحيانا تصل إلينا بعض الكلمات التي تشعرنا بأن الصبح قادم وان أطلال الظلام التي تحاصرنا سوف ترحل عندما يطلع النهار.. في أحيان كثيرة يزورنا اليأس أمام قسوة الظروف والحياة والناس والمواقف.. ولكن هذا قدرنا ان نسبح ضد التيار حتي لو دفعنا الثمن. الأستاذ العزيز الشاعر فاروق جويدة أرجوك سيدي لا تعتذر أو تبرر موقفك لمن لا يفهمون ولا يرون إلا مصالحهم حتي لو تعارضت مع مصلحة الملايين، فمنذ متي يا صديقي كان قول الحق والتمسك به خطأ يعاقب عليه المرء؟ منذ متي كان فضح الظلم والظلام معارضة؟ منذ متي كانت الحقيقة كذبا والكذب هو الحقيقة؟ منذ متي كان النور ظلاما؟ يا سيدي هذا لا يحدث إلا في عصور التردي والانحطاط، هذا لا يحدث إلا عندما يسود العميان لانهم يريدون الكل ان يصبح مثلهم والويل كل الويل لمن يسير في دنياه مفتوح العينين بل يحاول نشر النور في هذه الظلمة المطبقة؟ انهم يعملون ضد مصلحة الملايين ولا يدركون انهم إنما يستمدون شرعية بقائهم من هذه الملايين!! منتهي الغباء لأن أسيادهم وأسياد الاسياد يريدون كيانا مستقرا لا منفصما حتي تستقر الامور لهم وعندما يدركون خطورة ما يفعله هؤلاء الذين يؤججون الغضب في الصدور بتصرفاتهم الحمقاء فسوف يكون هؤلاء الاسياد أول من ينقلب عليهم وعندها لن يجدوا سندا من أحد لا من الملايين الذين ظلموهم بأفعالهم ولا من الاسياد أنفسهم، بل ان غباءهم قد فاق كل الحدود لانهم كانوا من المفترض ان يوجهوا الشكر لمن يوجههم إلي خطأ أفعالهم لانه أولا يحميهم من هذا المصير المظلم عندما ينقلب عليهم الاسياد وثانيا لانه يسهم في اخراج شحنة الغضب المكتوم في الصدور حتي لا يتحول هذا الغضب إلي ريح عاتية لن تبقي في طريقها أحدا، من الممكن ان تقتلع كل شيء لأن الغضب الشديد هو قوة تدميرية شديدة لا يفكر أحد تفكيرا منطقيا حين يغضب، تتساوي عند الغاضب كل الاشياء يتساوي الموت والحياة، كان من المفترض عليهم ان يشكروا من يسدي إليهم النصح ليصححوا مسارهم حتي لو لم يكن في نيتهم تصحيح هذا المسار فهو يكمل الصورة، صورة الديمقراطية التي يدعونها، يجمل الوجه القبيح للاستبداد والغباء والظلم، ألا يسدي لهم هذا القلم بذلك خدمات جليلة، هذا ان أمعنوا النظر ولكن من يقرأ أو يسمع وإذا حتي قرأ فمن يفهم؟ لا تتعب نفسك معهم يا سيدي فلن يفهموا لأن سيدنا سليمان الحكيم يقول في أمثاله انك لو دققت الاحمق في هاون فلن تزول عنه حماقته، ويقول وبخ حكيما فيحبك ولا توبخ جاهلا فيحتقرك لانه لو لا يصلح إلا العصا لظهر الجهال، كما تقول الحكمة الالهية ايضا أمينة هي جروح المحب وغاشة هي قبلات العدو، ويقول المثل الشعبي ايضا "يا بخت من بكاني وبكي علي لا من ضحكني وضحك الناس علي". لا تعتذر ولا تعاتب ولا تحاول تبرير مواقفك أمام هؤلاء، ان الكراسي لا تدوم بل ان الحياة نفسها لا تدوم، دوام الحال من المحال والتغيير هو سنة الحياة، لابد للزمن ان يدور دورته ولابد للفجر ان يشرق مهما يطل الليل، لابد للنور ان يهزم الظلام طال الزمان أم قصر لأن النور ارادة إلهية، ليكن نور هكذا أمر الله تبارك اسمه عندما خلق الكون، ليكن نور فكان نور ورأي الله النور انه حسن. لا تعتذر عما بداخلك من نور ولا تندم حتي لو كان النور الذي فيك يحرق المصالح الشخصية والمنافع المادية لك إلا انه يحافظ علي نقاء الروح، يحافظ علي نقاوة القلب والنفس، يبقي علي الانسان الانسان الذي خلق علي صورة الله ومثاله لانه ماذا ينتفع لو ربح العالم كله وخسر نفسه أو ماذا يعطي الانسان عوضا عن نفسه؟ حتي لو كان قول الحق سباحة ضد التيار وتغريدا خارج السرب، ان قداسة البابا شنودة يقول انظر إلي سمكة صغيرة إنها تستطيع ان تسبح ضد التيار لأن فيها حياة ولا تستطيع ذلك قطعة الخشب الجامدة التي يجرفها التيار لأن ليس فيها حياة فإيهما تفضل ان تكون لك حياة أو لا تكون؟ أن تكون أو لا تكون؟ الحياة يا سيدي هي ما تميز الانسان حتي لو ألزمته تلك الحياة بالسباحة ضد التيار إلا انه الرابح في النهاية. سوف أقول الحق حتي لو علي نفسي وحتي لو كنت أنا الوحيد الذي ينطق به، سأقول الحق وأتمسك به حتي لو كان نيرانا تحرقني لأن الحق هو النار المقدسة وقد قبلت ان أحمل هذه النار المقدسة طوال حياتي، هذا هو لسان كل قلم حر لم ولن يرتضي ان يباع في المزاد. حقا لقد صدق جبران حين قال: هناك بين العالم والشاعر مرج أخضر إذا عبره العالم صار حكيما وإذا عبره الشاعر صار نبيا. د. أميرة أديب نصر