كتبت في هذا المكان عدة مقالات عن معاناة ضعاف السمع في بلادنا في الالتحاق بالمدارس التي تؤهلهم للاندماج في الحياة والحصول علي حقهم في الحياة. وقلت إن المدارس الحكومية لا يوجد بها أي اهتمام بهذه الفئة التي تصارع من أجل نيل فرصة التعلم وإبراز مكامن القوة والتفوق التي منحها الله سبحانه وتعالي إياهم تعويضا عن فقدانهم حاسة السمع. وحتي في المدارس والمعاهد الخاصة التي انشئت لاستيعابهم فإن الأهداف كانت تجارية ربحية بحتة ولم يكن هناك تطبيق حقيقي لوسائل التعلم والدمج، كما كانت هناك معاملة سيئة للمعاقين بشكل عام في المراكز الحكومية المتخصصة التي أقيمت لرعايتهم. ولكن مصر الخير لا ينقطع العطاء فيها أبدا، ولا تتوقف جهود بعض المخلصين من أبنائها عن التفكير في طرق ووسائل لمساعدة المجتمع علي النهوض وخدمة كل أبنائه. فكما نجحت الجهود الخيرية والأهلية في إقامة أضخم وأفضل مستشفي لعلاج السرطان، وكما نجحت جهود بعض رجال الأعمال في إقامة بنك للطعام لخدمة الفقراء فإن عددا من الأوفياء لهذا الوطن قرروا أن يقيموا في مصر أكبر مركز تعليمي شامل لاستيعاب ضعاف السمع في إطار مدرسة حديثة متقدمة تضم الطلاب من الأصحاء إلي جانب الأطفال من ضعاف السمع علي اعتبار أن كل الدراسات الحديثة تشير حاليا إلي أن أفضل طريقة لتعليم ضعاف السمع هي أن يلتحقوا بصفوف دراسية تضم أطفالا عاديين علي أن يقوم بالتدريس عدد من المتخصصين الذين يتلقون دورات تدريبية وتعليمية تؤهلهم للتدريس لضعاف السمع دون استخدام لغة الإشارات اعتمادا علي الأجهزة التعويضية التي تتيح لهم التقاط الأصوات. وقد اتصل بي الدكتور محمد شبانة أستاذ السمعيات بكلية طب قصر العيني ليزف لي بشري تكوين لجنة لبدء الإجراءات التنفيذية نحو إقامة هذا الصرح التعليمي الكبير المقرر له أن يكون أكبر مدرسة تعليمية في الشرق الأوسط. وقال لي الدكتور شبانة إن عددا من أهل الخير في مصر قد دبروا وساهموا بكل الاعتمادات المالية اللازمة لإقامة هذا المشروع وتزويده بمعامل السمعيات والأجهزة التعويضية المتقدمة وللإنفاق أيضا علي مرتبات وتدريب الأفراد الذين سيقومون بالعمل والتدريس فيه. وأضاف الدكتور شبانة أن هذا الصرح التعليمي سيكون علي غرار مستشفي السرطان قائما ومعتمدا علي الجهود الذاتية ولن يكون مشروعا ربحيا وسيتم التحاق الطلاب العاديين وضعاف السمع فيه برسوم عادية تتناسب مع الحالة الاقتصادية وتضع حدا لمعاناة الأسر التي تبحث عن مكان في المدارس الخاصة لتعليم أطفالها من ضعاف السمع. وللدكتور شبانة مشكلة واحدة تتمثل في العثور علي الأرض المناسبة واللازمة لإقامة هذا المشروع ولبناء عدد من الوحدات السكنية التي تسمح بإقامة الطلاب الذين سيأتون من محافظات أخري أو من خارج مصر من الأشقاء العرب. وأوضح الدكتور شبانة في ذلك أن اللجنة المشكلة لإقامة هذا المشروع سوف تسعي إلي مقابلة وزير الإسكان للحصول علي موافقته بتخصيص قطعة أرض في المدن الجديدة بالقرب من القاهرة تكون نواة لهذا المشروع الخيري. ونحن علي ثقة من أن وزير الإسكان لن يتردد في تقديم المساعدة اللازمة بأي شكل كان لإنجاح هذا المشروع الذي يترجم الصحوة التي يشهدها المجتمع المدني في مصر، وهي الصحوة التي يتم ترجمتها في العديد من المشروعات والأفكار التي تساعد الدولة في خططها للتنمية والإصلاح. كما أننا علي ثقة أيضا من أن هناك الكثيرين الذين كانوا يلحون في إقامة مشروع مثل هذا يساعد في رعاية وتأهيل ضعاف السمع ويضع حدا لمعاناة وعذاب الأهالي الذين يتألمون وهم يشاهدون عجز أطفالهم عن التعلم والتأقلم والاندماج في الحياة. إن شخصيات كريمة من المملكة العربية السعودية ومن مملكة البحرين عرضت من قبل تقديم أي مساعدة شخصية لأي طفل من ضعاف السمع، والآن جاء الوقت لتتضافر وتتجمع كل الجهود في مشروع كبير يؤكد روح الإنسانية والتعاطف والتكاتف في كل العالم العربي. [email protected]