أعتقد أن من حق المصريين جميعا مشاهدة هذا العرض المسرحي الراقص الخلاب الذي أهداه فاروق حسني إلي كلية الفنون الجميلة القاهرية، فعلي الرغم من أن فاروق حسني من خريجي فنون الإسكندرية إلا أن مناسبة مرور مائة عام علي افتتاح كلية الفنون الجميلة القاهرية كان مناسبة تستحق الاحتفال بها. وقام الفنان وليد عوني مدير فرقة الرقص الحديث بأوبرا القاهرة تصميم عرض أقل ما يوصف بأنه عرض قادر علي منافسة أي فرقة رقص عالمية، من حيث التصميم الحركي واختيار الموسيقي، فضلا عن تصميم كل مشهد وكأنه لوحة تشكيلية ذات ندرة جسيمة. أعتمد العرض علي نسج فني بين ابداع عدد من خريجي الكلية الذين يمثلون تيارات مختلفة، وتكون البداية من ناجي شاكر الموهوب بلا حدود في التصميم الداخلي والذي يرعي عبر سنوات عمره أجيالا من مصممي الديكور. وهو من قام بتحويل أوبريت الليلة الكبيرة إلي عرض عرائس راقص، في بداية تأسيس مسرح العرائس. وسقطت عليها من سقف المسرح العرائس التي صممها ناجي لتدور الموسيقي وتتخللها الرقصات التي تعبر عن المناخ المنطلق الذي أضاء مصر في الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي، ويتلو ذلك عرض لما أبدعه حسن فتحي هذا المصمم المعماري صاحب المقولة الشهيرة إذا قيل لك أن بيتا يتم تصميمه من أجل فردين ونصف فرد، فاعلم أنك أمام تجارة بناء تحتقر الانسان، لأنه لا يوجد نصف انسان ليسكن بيتا. إن البيوت يتم بناؤها لراحة البشر والحفاظ عليهم من تقلبات المناخ، وعلينا أن نراعي ذلك. ومن العجيب أن أي بيت يتم بناؤه علي طريقة حسن فتحي لن يتكلف البناء فيه بأكثر من خمسة عشر ألف جنيه وهو أجر الحجارة وأجر البنائين. وطبعا لأن الأمور في البناء لها سادة اسمهم المقاولون لذلك تعتمد الدول الأخري علي فن حسن فتحي المعماري بينما نتجاهله نحن. وطبعا كان هناك عبد الهادي الجزار هذا الفنان الذي اقتحم دنيا السيرالية ليكتشف جنون الانسان عندما يغلب علي عقله فيدخل في حدائق دهشة ملونة غير مسبوقة، ثم حامد ندا بشخوصه التي ترقص بموسيقاها الشفافة، حتي تلمس في كل جسد إمكانية تحوله إلي آلة موسيقية تنطق علي الفور بابداعها. وها هو مختار عبقري النحت الأشهر الذي تسلم أزميل النحت من قدماء المصريين ليوقظ عبقرية كانت نائمة في الخلايا. ومهما كتبت عن روعة العرض، فلن تستطيع الكلمات أن تحيط بحقل الدهشة الشاسع الذي وهبنا إياه وليد عوني الذي أثبت بما لا يدع مجالا لأي شك أنه الوريث الحقيقي لسيد من سادة الرقص الحديث وأعني به موريس بيجار هذا الذي أنهي حياته مسلما متصوفا علي طريقة "ذو النون المصري" وهو من جاء إلي القاهرة في أوائل التسعينيات وأهدانا وليد عوني ليؤسس فرقة الرقص الحديث. أقترح أن يتم تقديم هذا العرض في التليفزيون وفي عدة ليال، لأنه عرض يوقظ الضمير المصري وعلاقته بالفنون الرفيعة.