أعجبني تصريح أحد المسئولين عن الأموال العامة، حينما أكد انه لا توجد شركة واحدة في مصر مرخص لها بتلقي وجمع الأموال. أي لا توجد شركة واحدة مصرح لها بتوظيف الأموال.. يا سلام.. التصريح يا سيدي شيء، والسكوت عن الممارسة حتي لو كانت غير صحيحة شيء آخر. كل شركات توظيف الأموال، أو أغلبها، بداية من الشريف والسعد والريان، وانتهاء بالبوشي كانت تمارس أعمالها نهارا جهارا، عيانا بيانا.. لم يكن أحدهم يجمع الأموال في السر، أو الخفاء، بل إن جريدة الأهرام في وقت من الأوقات نشرت صفحة كاملة، إعلانا عن اتحاد العملاقين السعد والريان.. ألم يحدث هذا أم أن ذاكرتنا ضعيفة، ولا تحتمل تقليب المواجع. الفساد مؤسسة، يجتمع فيها سلسلة من البشر لا مجرد نفر واحد، أسماك القرش البشرية تشم رائحة الفساد من بعيد، تحوم حولها، ثم تهجم قاضمة نصيبها، ثم تمضي إلي حال سبيلها استعدادا لهجمة قادمة وقضمة جديدة. ألم يكن في كل حالة من حالات جمع الأموال، من ييسر لها ويعين عليها، ويستفيد منها، مسئولون، ورجال أعمال، ورجال إعلام، وكله بيسند كله. أما الساند الأكبر فهو من يغلب طمعه حرصه، ويتغلب جشعه علي نفسه، ويضع أمواله طائعا مختارا، راضيا مرضيا فيصل إلي الملايين.. تحت زعم الكساد، وانه يحصل علي عائد يصل أحيانا إلي حدود خيالية تتعدي ال100%. قال لي أحدهم بعد ان وضع 11 مليون دولار عاد إلي جيبه منها بالفعل حوالي 6 أو 7 ملايين دولار -كأرباح- وضاع عليه - من أصل المبلغ الباقي- إن الجهد الوحيد الذي كان يبذله في هذا الاستثمار هو ذهابه لقبض الأموال. وقد كان مقتنعا تماما بانه يستحق هذه الأموال . لقد ضربنا قيمة العمل والجهد في مقتل، وعبر سنوات طويلة تراكمت لدي الناس عبارة "لايمني علي الفكة".. المهم الحصول علي المال، وان يكون كثيرا، أما موضوع الشغل والعمل، والجهد، والانتاج، فهذا متروك أمره للعبط الذين لا يفقهون في "البيزنس" ولا في أصوله. هؤلاء المحبطون الواصلون إلي مرحلة اليأس من النماذج المختارة عبر سنوات ؟؟؟ لكل هذه الثروات التي تضخمت ونمت دون عمل أو جهد حقيقي.. المهم.. لايمني علي الفكة. هجرنا قيمة العمل والجهد، وأصبح أصحابه بجد "عبط" - أي جمع عبيط- انظر أول ما تنظر إلي القرش، السمك والمعدن، واعرف كيف تحصل عليه، شرعي، أو غير شرعي، مش مهم قانوني أو غير قانوني مش مهم. أما هؤلاء جامعو الأموال، فمن قال ان احدهم ينتظر تصريحا - انما كلهم يعملون تلميحا تحت أعين وبصر الجميع- ثم فجأة تكتشف ان كل هذا غير حقيقي. لم يشتك احدهم طوال فترة حصوله علي عوائد دون جهد أو عمل، إلا فعل القبض ثم تبدأ الشكوي بعد القبض علي احدهم وهم لا يضعون في حسابهم ما قبضوه من أموال، ويحاسبون المقبوض عليهم من أول وجديد، فلوسنا ترجع لنا، كما هي، ألم أقل ان القرش صياد، ولا يهتم سوي بعبارة "لايمني علي الفكة".