في كل أنحاء العالم يضعون الماكينات فيما لا يلزم وجود البشر.. في المطارات في الجراجات العامة في أماكن الانتظار.. إلا عندنا. لم أستطع أن أفهم إذا كانت هناك بوابة الكترونية تقف أمامها السيارة.. يضغط السائق علي زر فتخرج التذكرة يفتتح في آثرها الحاجز تلقائيا. قل لي بالله عليك ما فائدة وجود عامل بجوار هذه الماكينة، وإذا كان لابد من وجود العامل الذي يقوم بضغط الزر وإخراج التذكرة فلماذا الماكينة، حالة من حالات التناقض التي نشهدها في أماكن كثيرة، مثل مطار القاهرة، أو مؤخرا كما شاهدته في فندق سان استيفانو بالإسكندرية. المفهوم أن هذه الابتكارات لتوفير الطاقة البشرية وتوجيهها إلي أماكن أخري فمن في احتياج لها.. أو إذا كان لدينا فائض بشري وليس لدينا ثقافة التعامل مع الآلة لدي الجمهور فلا حاجة لنا للتعقيد والتعطيل غير المبرر ناهيك عن الانفاق الذي يصبح علي وجه القطع واليقين في غير محله. إن لدينا في مصر حالة من حالات ما يمكن أن نطلق عليه التكيف الخاص وقبول المتناقضات التي لا يمكن أن تجتمع. يبدو أننا نكره الخط المستقيم ونهوي الالتفاف في دوائر مفرغة. لاحظ طريقة القيادة وسلوك سائقي السيارات في التعامل مع خطوط الشوارع، هي موجودة لكن السائق لا يراها فهو يندفع بلا أي احترام بسرعة شديدة قاطعا عليك الطريق ولكن لأن الطريق متوقف فلابد أن يقف هو الآخر فجأة.. فيتناقض الاندفاع والتوقف ولا أستطيع أن أفهم: إذا كان سيتوقف فلماذا الاندفاع. علي المستوي السياسي، قرأت في إحدي الصحف نموذجا لهذا الأمر مظاهرات الغضب ابتهاجا بالنصر العنوان يتكلم عن مظاهرات تشيد بانتصار حماس والمثير داخل المقال يتحدث عن مظاهرات الغضب، وهنا أيضا تناقض غير مفهوم، فإذا كانوا مبتهجين بالنصر، فلا محل للغضب، وإذا كانوا غاضبين فلماذا إذا كان هناك انتصار إنما هو التناقض وعدم الرغبة في السير في خطوط مستقيمة والاحتجاج المفاجئ ثم التوقف المفاجئ أيضا. وتعالوا نتأمل ذلك كله لنكتشف أن هناك ظلا أساسيا في التركيب، فنحن لدينا أشياء متناقضة تؤدي إلي سلوكيات متضاربة ينتج عنها في النهاية لغة لا يستطيع العقل المستقيم، أو المنطق السليم أو من لديه ذرة تفكير بجوار المشاعر أن يفهم ويستوعب. علي النقيض فإن الحكيم محمد غنيم رائد زراعة الكلي في مصر ذهب ووفد من الأطباء إلي غزة أدي مهمته وساعد أخوته وساهم في إنقاذ مرضي وجرحي في أشد الحاجة إلي المساعدة وعاد دون ضجيج، وحينما سألته عن خطوته هذه ودوافعها قال لي وبالحرف الواحد لقد سئمنا من (قوافل الكلام التي يتاجر بها بعض المثقفين وبعض الساسة). لقد قام الدكتور غنيم ومن معه بفعل واضح مستقيم لا تناقض فيه ولا لبس، أما قوافل الكلام فهي التي تتحدث عن الغضب والنصر والابتهاج والخيانة وقل ما شئت وضع كل التناقضات في جملة واحدة أو في قافلة واحدة ولا تخجل من شيء فهناك من سيبتلع ذلك كله ويرضي مشاعره دون عقله ويظل الوضع علي ما هو عليه وعلي المتضرر اللجوء للقضاء.. ويحيا التناقض.