ثلاث وقائع تجري خلال أيام قليلة وكل منها يعد حدثا كاشفا لما وراءه، وما يعبر عنه. الوقائع الثلاث، وتقاربها، وكأنما هي في تقديري استعراض لثلاث طرق، وثلاث خبرات، وثلاثة مناهج، وعلينا أن نختار نحن أيهم نريد أن نستمر فيه. أمس بدأت محاكمة المتهمين في قضية مقتل الفنانة سوزان تميم، الضابط السابق محسن السكري، ورجل الأعمال والنائب الحزبي هشام طلعت مصطفي.. تفاصيل القضية أكيد مل الناس من تكرارها، ونفي المتهمين ارتكابهما الجريمة أيضا كما حدث أمر طبيعي متوقع الحدوث. لكن هذا الاهتمام الخاص الذي يبديه الناس لتفاصيل مقززة، هي خليط من الخيانة، والجنس، والحب، والغدر، والانتقام، والفلوس بلا حساب، هي كلها تعبر عن أحط ما في النفس البشرية.. قصص لا تسمع سوي في المواخير، والحانات الرخيصة التي تصور أصحابها أن حدوثها، في أفخم الفنادق، في مصر، أو لندن، أو أغلي البنايات في دبي، يخلصها مما فيها من رائحة سيئة، يدلق عليها عطور فرنسية موضوعة في قوارير من ذهب وألماس، ويمنع رائحتها ظهور تفاصيل القضية. الواقعة الثانية فاجعة بكل المقاييس أيضا، كلية الآداب جامعة عين شمس، وأساتذة وطلبة بالكلية، وراية التعلم والمناقشة والبحث مرفوعة. وسط ذلك كله، نجد استاذين بالكلية يصفان عملاقين في الرواية والقصة القصيرة، بأن أولهما "كافر ابن كلب" وثانيهما "خمورجي"!! وتصوروا أن يكون هكذا الحكم علي نجيب محفوظ حائز جائزة نوبل، ويوسف إدريس عبقري القصة القصيرة وصاحب فيلم "الحرام"، و"النداهة".. تصوروا أن هذا هو المنهج الذي يقوم بتعليمه أساتذة الجامعة لطلابهم، هذا هو الحكم الأدبي من أستاذ جامعي، موجه لطلابه، علي اثنين من عمالقة الفكر والأدب والرواية، ليس فقط في مصر، ولا في العالم العربي، وإنما علي مستوي العالم كله.. وإذا كان نجيب محفوظ قد حصل علي نوبل فأعتقد أن يوسف إدريس أيضا يستحق الحصول علي هذه الجائزة، باعتراف نقاد العالم. هاتان القامتان الشامختان، وصف أحدهما في الجامعة بأنه "كافر ابن كلب"، والآخر بأنه "خمورجي" والرواية كلها جاءت في خطاب نشره الأديب علاء الأسواني في جريدة الدستور. الحدث الثالث هو حصول العالم الدكتور مصطفي السيد، وهو من أصل مصري، علي أعلي وسام علمي أمريكي، واستقبال الرئيس الأمريكي جورج بوش له. وأبحاث د. مصطفي في مجال النانو تكنولوجي لعلاج السرطان، خاصة سرطان الجلد، وبدأت الخطوات الأولي في هذا المجال بالفعل ليتحول بعد سنوات إن شاء الله المرض الوحش، إلي مرض عادي مثله مثل الالتهاب الرئوي. التقي العالم الكبير في مصر التي يزورها مؤخرا الزملاء العاملين في المركز القومي للبحوث برئاسة د. هاني الناظر، وقال في حوار معي، إنه ينظر بإعجاب إلي جهود هذا المركز، وهؤلاء العلماء المصريين الذين يعملون في صمت. وأصبح أكثر حماسا وهو يتكلم عن مستقبل العلم في مصر، والبحث العلمي، باعتباره القاطرة التي ستقود مصر إلي المستقبل. حدثني عن الاهتمام بالأطفال والشباب، وتنمية روح الاكتشاف والبحث وتشجيعه لديهم. حدثني، بشغف، عن حلمه في القضاء علي مرض السرطان، والتوسع في مصر باستخدام النانو تكنولوجي في مجالات مختلفة، وذلك المصل الجديد للإيدز الذي افتتح في المركز القومي للبحوث والذي يمكن أن يسهم في انتشار تلك التقنيات. متواضع، هادئ، بسيط، لم يشعر أنه طاووس والعالم كله يتكلم عن إنجازاته، ولم يشعر بالغل أو الحقد تجاه الآخرين بل ساعد علي حصول د. أحمد زويل علي نوبل. ثلاث وقائع، ثلاثة أشخاص، ثلاثة طرق تفكير.. أرجوكم، تأملوا كلا منها جيدا، وفكروا، أيها نريد أن نسير فيه، هل نستغرق في مطربة تزوجت من ثلاثة كما قيل في وقت واحد، وتنقلت من أحدهم إلي الآخر، وفلوس، وسلطة، وفساد، ونفاق وازدواجية في المعايير، والحديث عن النفاق، مقابل ما يحدث. أم نستغرق في ترك الأعمال الأدبية الكبري، ونلتفت إلي شخوص أصحابها، مقررين هكذا دون أن يهتز لنا رمش أو جفن أن صاحب نوبل هو "كافر ابن كلب"، وعبقري القصة القصيرة هو "خمورجي".. والاثنان أصبحا في ذمة التاريخ، ولكنها الرغبة في إهالة التراب علي كل أدب، أو فكر مختلف. أم نسير وراء كلمات د. مصطفي السيد وتصرفات الرجل، ونصائحه التي تتحدث عن مستقبل مصر العلمي، والقضاء علي السرطان، والبحث والاكتشاف. ثلاث طرق، ثلاثة اختيارات، وثلاث قصص.. طريق الندامة، وسكة اللي يروح مايرجعش، وطريق السلامة.