صالت الولاياتالمتحدة وجالت في شخص الرئيس بوش المرفوض في بلاده، كي يجمع العديد من مليارات الدولارات لتسليح الخليج، ولم ينس بطبيعة الحال أن يلقي بنصائحه عن حقوق الإنسان، تلك التي أهدرها ويهدرها في كل موقع دخلت فيه قواته الغازية سواء في أفغانستان أو العراق، أو تدخل بواسطة أعوانه من الدبلوماسيين الأمريكيين، كي يزيدوا من مخاوف إيران وسوريا معا، فتظل الأزمة اللبنانية في موقف التجميد. وشاركه في نفس الرحلة السيد ساركوزي الذي أراد أن يضمن لفرنسا مزيدا من تشغيل اقتصادها المرهق بمليارات الدولارات الخليجية ومن قبل الدولارات من شمال إفريقيا، ليعيش الاقتصاد الفرنسي في رغد وطمأنينة، علي الرغم من أن المشرق العربي كله يئن من وطأة الغلو الإسرائيلي، والتوتر الإيراني. ووسط كل ذلك كانت تشغل بالي أنا شخصيا مشكلة تبدو بسيطة علي مائدة السياسة العالمية وهي مشكلة الرغيف العربي. فلست أتصور أمناً عربياً دون أن يجتمع وزراء الزراعة والتجارة والصناعة العرب من أجل أن يتم تشخيص مشكلة تفرض نفسها علي مصر حاليا وستتبعها بقية الدول العربية، ذلك أن الأبحاث توصلت أخيرا لإنتاج وقود من حبوب الذرة والقمح، وهكذا صارت الدول المنتجة للحبوب والتي تملك فائضا هائلا، قادرة علي منع الرغيف من الوصول إلي المائدة العربية، أو علي الأقل رفع سعر الرغيف بشكل يمثل عبئا علي الدول التي لا تنتج قمحها كي تصنع رغيفها. وإذا كان البترول قد ارتفع في العام الماضي محققا لفائض رقمي من الثروة للبلاد العربية النفطية، فهذا الارتفاع يجري امتصاصه بشكل منظم من خلال رفع أسعار كل السلع مكتملة الصنع سواء في سيارات أو حتي عطور. وطبعا دعك من حكاية الدعوة التاريخية لاستثمار المال العربي في الأرض العربية، لأن تلك حكاية قد لا تجد آذانا تسمع لها، خصوصا أن المزاج العربي ممتلئ عن آخره بالتوتر لما يحدث في العراق ولبنان وفلسطين والسودان. ومنذ خمس سنوات طالبت بأن نناقش في أول اجتماع للقمة العربية كيفية تحرير الرغيف العربي من الاستيراد، فالقضية ليست قضية أسعار للحبوب، ولكنها قضية قد يصل فيها سعر طن القمح إلي ما يزيد علي سعر مائة برميل بترول. والقضية أيضا ليست قضية فوائض بترولية، ولكنها قضية تتطلب منا أن ننظر لا إلي ما تحت أقدامنا أو ما في خزائننا من مليارات الدولارات، ولكنها قضية توفير الخبز لجموع الشعب العربي، سواء في الجزائر أو في مصر أو في اليمن، وإذا كان السودان يمثل الأرض الصالحة، فأين هي الشركات العربية التي يمكن أن تستزرع أرض السودان التي هي محل رغبة من الغرب في احتلالها، كي يتم زراعتها بالقمح والذرة وتربية الماشية، صحيح أن الأرض السودانية تحتوي البترول، ولكن حين يوجد وطن عربي واحد تبلغ مساحته مساحة أوروبا مجتمعة، ويكون أغلب سكانه في حاجة إلي معاونة، فلا أقل من تتم المعاونة في شكل إقامة مزارع كبيرة للقمح ويقال عنها "مزرعة الرغيف العربي". لقد رفعنا منذ سنوات شعارا يقول "من لا يملك طعامه لا يملك حريته"، والمجتمع العربي في أغلبه يستورد القمح، فما بالنا نجتمع لنناقش المشكلات العاجلة فقط ولا ننتبه إلي المشكلات التي تزحف ببطء شديد وهي في نفس الوقت ستكون شديدة الوطأة علينا جميعا. فلتشرق شمس الرغيف العربي من خلال اجتماع علمي وسياسي يقرر زراعة الأرض الصالحة من المحيط إلي الخليج بالقمح فنحرر الرغيف بدلا من أن ننتظر شراءه ممن يحولونه الآن إلي طاقة يتم استخدامها كوقود للسيارات بدلا من البترول العربي.