المجتمع المصري هذه الأيام تغزوه أفكار جديدة ذات طبيعة إصلاحية مثل تحويل التأمين الصحي إلي شركة قابضة ودراسة أفكار جديدة للدعم والاستخدام الأمثل لزيادة السكان. ولا بأس مطلقا في البحث عن أفكار جديدة لتحسين الأداء وإعطاء المواطن فرصة أفضل في الحصول علي سلعة بسعر مناسب أو خدمة علي مستوي محترم سواء في الصحة أو التعليم أو الأمن أو أي مجال خدمي آخر. والمشكلة من وجهة نظري هي التركيز علي الأدوات وليس علي الأهداف وعلي مناطق التسرب التي تجعل أي إصلاح خاليا من المضمون. المشكلة أن الحديث في مسألة التأمين الصحي مثلا يتركز حول الشركة القابضة وقد تابعت معظم الحوارات التي دارت حول الموضوع وتتراوح بين تأييد فكرة الشركة القابضة وبين رفض هذه الفكرة. والحقيقة أن المبررات التي طرحها وزير الصحة ومؤيدو فكرة الشركة القابضة تتركز حول تحسين الخدمة.. وهنا يتجه الوزير إلي الهدف من تحويل الهيئة إلي شركة قابضة.. فقد لوحظ أن الشكوي متكررة من سوء الخدمة وضعف إمكانيات هيئة التأمين الصحي التنظيمية لمواجهة مطالب العملاء وبالتالي اتجه التفكير إلي استخدام وسيلة أخري لتفادي المشكلات التي يواجهها العملاء. وأنا شخصيا لا أري أي سبب يدعو إلي مقاومة الشركة القابضة حيث إن جميع الدعاوي المضادة ترتكز علي أسباب واهية لا تستفيد منها سوي مجموعة من الموظفين الذين لا يريدون تطوير قدراتهم من ناحية، ومجموعة أخري "ركبت" نظام التأمين واستطاعت استقطاع مساحة من المنافع الشخصية.. وهؤلاء بالطبع لا يريدون إعادة ترتيب الأوراق خشية أن تضيع مصالحهم. ومثال الشركة القابضة في مجال الخدمة الصحية يمكن أن ينجح ويمكن أن يلاقي نفس مصير الهيئة إذا استمرت نفس عوامل الفشل والتحلل وانتقلت إلي جسد الشركة الجديدة من الهيئة القديمة. وعوامل التحلل هذه بمثابة "فيروس" في نظام الإدارة نفسه وهذا "الفيروس" اسميه "الحداقة والفهلوة" وعنوان هذا الفيروس هو نظم العمل غير المنطقية ومطالبة الموظف أو العامل أو الطبيب بأن يعطي عملا وجهدا حقيقيين وهو لا يتقاضي أجرا حقيقيا. ولست أدري كيف تقوم ممرضة أو سكرتيرة بالعمل مقابل سبعين أو مائة جنيه في الشهر أو أن يعمل طبيب مع درجة علمية لمدة خمس وعشرين سنة وأجره لا يتجاوز ثلاثمائة جنيه في هذا الزمن. إن الخدمة يجب أن تعتمد علي قيم حقيقية.. وينصرف الدعم إلي غير المستحق بطريقة واضحة ويحصل العامل علي أجره المجزي ليقدم في النهاية خدمة حقيقية.