دعاني رجل الأعمال سميح ساويرس الأسبوع الماضي لحضور ثاني ندوة ثقافية يقيمها "نادي جاردن سيتي" الندوة عقدت تحت عنوان "هل يمكن أن تكون غنيا دون أن تكون لصا" وحفلت بحوار صريح وجاد بين عدد من كبار المفكرين والكتاب في مصر من أمثال د. ممدوح البلتاجي وسعد هجرس ونبيل زكي وصلاح منتصر ومحمود عوض وعبد القادر شهيب وغزالي حرب ومصباح قطب ود. محمد السيد سعيد ومجدي مهنا وبين رجال الأعمال: صلاح دياب وإبراهيم كامل ومعتز رسلان ومنير فخري عبد النور. والحق أن مصادر ثروات رجال الأعمال في مصر هي موضع تساؤل لدي الغالبية العظمي من المهتمين بالشأن العام ولدي جمهور عريض في الشارع المصري. وهو تساؤل لم يصل للآن إلي إجابة شافية ربما بسبب التراكم السريع وغير المسبوق لهذه الثروات وسط اقتصاد يعاني من اختناقات وأزمات كثيرة وأغلبية شعبية لا تجد السبيل لاشباع حاجاتها الضرورية فضلا عن طموحاتها المشروعة.. وربما أيضاً لعدم الشفافية التي تسود حياتنا جميعا وإلي أن رجال الأعمال لايزالون يعيشون للآن في جيتو اجتماعي منعزل. وإذا كانت الشبهات والإشاعات تحيط بثروات رجال الأعمال فإن الشكوك أيضا تحيط بدورهم الاجتماعي وبمسئوليتهم العامة في التصدي للأزمات الطاحنة والطارئة الكثيرة التي تقع علي كاهل طبقات عريضة ومهمشة. وإن كان هذا لا ينفي أن الكثيرين من رجال الأعمال ساهموا ويساهموا في التخفيف من آثار هذه الأزمات وبادروا في أكثر من مناسبة إلي مد يد العون للدولة والمواطن في مجالات شتي. لكن هذه المبادرات للآن تبدو أقل بكثير مما يفترض ربما لكثرة مشاكلنا وأزماتنا وزيادة أعداد من يحتاجون للعون والمساندة يوما بعد يوم بفعل سياسات عامة لا تقع مسئوليتها علي رجال الأعمال. وكمثال فقد توجهت مؤخراً لزيارة قلعة الكبش مندوبة عن اثنين من رجال الأعمال تفضلا بكل كرم المصريين وشهامتهم فأبدوا استعدادهما لإنقاذ حياة المتضررين في هذه المنطقة واحتواء هؤلاء في خيام صحية مجهزة حتي بالحمامات وإلي حين الانتهاء من إقامة مساكن بديلة لهم يتوليان هما أيضا إقامتهما. وقد كانت زيارتي القصيرة لهذه المنطقة المنكوبة تجربة يندر أن تتكرر علي الرغم من النتائج السلبية التي انتهت إليها. فوسط أكثر من 90 أسرة احترقت منازلها وتهدمت ولم تحل مشكلتهم للآن لم اهتد إلي طريق أو وسيلة لتحقيق رغبة رجلي الأعمال في مد يد العون، وكدت أفقد حياتي لولا تدخل البعض وعلي رأسهم مباحث منطقة قلعة الكبش. وقد اضطررت إلي الخروج من المنطقة عبر سلالم حديدية مثبتة علي أسطح بعض المنازل لأتسلل من الشارع الخلفي هربا من تدافع هؤلاء المنكوبين باتجاهي وكأنني المهدي المنتظر الذي سيقوم بحل جميع مشاكلهم وفي التو واللحظة. وقد خرجت من هناك وأسئلة مخيفة تلح علي: كيف وصل حال مصر إلي هذا المستوي البغيض من الفقر والعوز؟ وأين هو عضو مجلس الشعب عن هذه الدائرة وكيف يترك ناخبيه ينامون في العراء طوال هذا الوقت دون أن تلوح في الأفق نهاية لمشكلتهم؟ والغريب أن أكثر من عشر سيارات أمن مركزي تحاصر المنطقة، والأهالي في حالة حادة من الغضب، ولهم كل الحق، سوء معاملتهم من قبل الحكومة والأجهزة التي أوكلت كل أمورهم إلي الأمن فيما هم في الشارع وأطفالهم مرضي أما كبار السن منهم ففي حالة بكاء مستمر. وأجد لزاما علي بعد هذه التجربة المؤلمة أن اتوجه لعضو مجلس الشعب عن قلعة الكبش وإلي محافظ القاهرة وأن ادعوهما للتفضل بتسهيل الحصول علي قوائم واسماء المستحقين ممن لم يجدوا حلا للآن ولايزال رجلا الأعمال اللذان لا استطيع للآن الإعلان عن اسمهما نزولا علي رغبتهما عند وعدهما وعند مبادرتهما. وبانتظار أن اتلقي الرد وأناشد كل رجال الأعمال في مصر تقديم المزيد من العطاء لاخوانهم في الوطن الذي من خيره وخير أبنائه تتضاعف ثرواتهم، وهي الثروات التي لن تكتسب مشروعيتها إلا في عيوني وعلي أفواه وفي ضمائر المواطنين.