علي مرمي البصر من أيام هذا الزمان سيأتي الخامس من يونية في يوم الثلاثاء القادم، لذكرنا بما حدث لنا منذ اربعين عاماً، حين ركبنا حصان الغفلة وصنعنا قوارب من أحلام ليست لها أقدام، وقررنا أن نخوض في مواجهة لم نستعد لها، بعد أن فهمنا واقعنا بصورة مضخمة عما نملك من امكانات. كنا نخوض أيامها معارك قد نختلف اليوم علي تقييمها، ولكنها كانت تنبع كلها من حرص شديد علي كرامة الانسان من أقصي المحيط إلي أقصي الخليج. وكان جمال عبدالناصر يحاول من خلال عزيمة نادرة أن يوقظ حق كل انسان في الحرية والعمل والمستقبل، ولكنه حين اعتمد علي فكرة الامن وحدها لصيانة ثورة يولية كان لابد أن يخونه عمليا قائد جيشه وصديق عمره عبدالحكيم عامر، فالباحث عن الامن قد يفكر في العلاقات الدولية بعقلية المخبرين التي كنا نراها في السينما المصرية، حيث البالطو الاصفر والمتابعة والتلفيق هي أدوات المخبر بالإضافة إلي قسوته في تتبع من يري أنهم معارضون، أو علي الاكثر في حالة عدم وجود معارضين، يصبح عليه اختراعهم. وقد حدث ذلك كثيراً في تاريخ ثورة يولية، إلي أن جاءت الطامة الكبري وهي الضربة القاسية التي تلقتها الأمة العربية من اسرائيل، وكان لابد أن يغادر جمال عبدالناصر موقع البحث عن أمان الثورة إلي البحث عن تحرير الوطن ولذلك جاء بقادة مختلفين. وكأن نكسة يونية قد قدمت لمصر افضل ما في مقدمة ابن خلدون عن المنتصر والمهزوم، فقد اخذنا من يومها بأساليب العلم والعمل معا في اعداد الجيش، ويكفي أن نتذكر حقيقة واحدة وهي مراجعة الفريق عبدالمنعم رياض رئيس اركان حرب القوات المسلحة المصرية فيمابعد الهزيمة لملفات كل ضابط في القوات المسلحة ليعيد اكتشاف القادرين علي قيادة القوات في المواقع المختلفة، وهذا الأمر ليس سرا بل مكتوبا في شهادة أحد هيئة مكتبه بالدراسة غير التقليدية التي نشرتها القوات المسلحة بعد مرور ربع قرن علي حرب اكتوبر المنتصرة. لقد ألقت مصر من وراء ظهرها تلك العقلية الأمنية بأسلوب المخبرين، وبدأت رحلة مختلفة تحمل فيها المجتمع بأكمله مسئوليات أقل ما توصف به بأنها جسيمة، وتحمل بدو سيناء واهاليها كل أشواك ومرارات الاحتلال وحموا لمصر العديد من ابنائها. وهل انسي طبيبا لا اتذكر اسمه للأسف الشديد، كان يقوم بتجبيس ارجل وايدي العديد من المقاتلين الذين لم يستطيعوا تنفيذ امر الانسحاب وقام بدو سيناء بتهريبهم إلي بورسعيد والسويس كيلا تفقد مصر بعضا من رجال عرف عنهم أهل سيناء الشجاعة والقوة والاصرار علي إعادة الكرة وصناعة النصر. ان احزان يونية ليست فرصة لتحميل القادة التاريخيين لمصر مزيدا من الطين، ولكنه فرصة كي نري كيف انتقلنا من هزيمة مريرة إلي صناعة نصر مازال يحتاج إلي مساندة بتنمية حقيقية للوطن بأكمله.