طبيبي النفسي في عائلة أحمد عكاشة ليس هو الاستاذ الكبير الذي تشمل شهرته آفاق مهنة الطب النفسي في الشرق والغرب، واعني به الاستاذ الدكتور أحمد بذات نفسه، وايضا ليس طبيبي النفسي هو ابنه البكر الذي نال الاستاذية اخيرا في هذه المهنة الشرسة، مهنة الطب النفسي، ولكن طبيبي النفسي الفعلي في تلك العائلة هو كبيرها المثقف الموسوعي ثروت عكاشة الذي حاول منذ بداية ثورة 23 يولية أن يرتقي بنوعية الانسان المصري من خلال نشر الثقافة الرفيعة، وبما اضافه الي رصيد الكرامة المصرية بالحفاظ علي تراث النوبة الفني قبل ان تغمرها مياه النيل، وهو من اضاف الي الكبرياء المصرية سهما مضافا حين رفض ان يقوم اليونسكو بمعونات الدول ان يتحمل تكاليف نقل معبد أبوسمبل بل اقنع جمال عبدالناصر بان تساهم مصر ب30% من تكاليف هذا الانتقال، ولا يمكن ان نحصر ونعدد ما فعله ثروت عكاشة لعلاجنا نفسيا نحن العشاق لهذا البلد والذين كنا نلقي كل إهانة من المماليك واحفادهم من أبناء أسرة محمد علي. كما أني أتلقي علاجا حاسما بالتصور الواقعي والفعلي للمستقبل من خلال رجل البنوك الرائع هشام شعلان، هذا الذي يمكنه ان يشرح لك اقتصاد الكون وحركته في كلمات بسيطة واضحة حاسمة، وحين تسمع له تظن انك تسمع من يضع جهاز رسم مخ كي يكشف لك عن حركة الجنون العالمي المسمي ظاهريا بعلم الاقتصاد، ولكنه في الحق والواقع يحتاج الي ان يتم ادخاله جبرا الي منتجع عكاشة بالقاهرة الجديدة كي يتلقي ثماني جلسات كهربية يخرج بعدها من المنتجع كي يبحث عن علاج فعال لمأساة وجود ملايين الشباب بلا عمل، وملايين الاطفال تحت خط الجوع، وملايين الأسر تحت خط سوء التغذية، بينما يوجد علي الجانب الآخر ديناصورات وحيتان الشركات العابرة للقارات يرفلون في بحور أمواجها من الذهب والقلق والشراهة، ولا يفيقون ابدا علي مأساة ما يصنعونه في كرتنا الأرضية. أعرف أحمد عكاشة منذ عام 1965، وأعرف ابنه البكري طارق عكاشة من أيام أن كان تلميذا موهوبا في الرسم أثناء وجوده في مدرسة بورسعيد الابتدائية والاعدادية والثانوية، وراقبت كيف شرب الشاب مهنة الطب النفسي لا كمواد دراسية ولكن كأسلوب حياة، فكل متصل بالاطباء النفسيين ويعرف تفاصيل ما يمارسونه من علم مع المرضي قد يصعق عندما اكشف له ان بعضا من شركات الدواء صارت تصدر قائمة بالاعراض المختلفة لكل مرض، ومعها شرح للادوية وجرعاتها، وتلك مصيبة ما بعدها مصيبة، لان الامراض النفسية في اغلبها تقريبية بمعني ان اعراضها من الممكن ان تتداخل، فضلا عن ان وسائل العلاج التي يجب ان تتبع مع كل مريض يجب ان تضع في حسبانها ان كل مريض هو نسيج منفصل عن بقية المرضي حتي ولو كان يتعرض لنفس الاعراض، وهنا يرتقي الطب النفسي من دائرة المهنة الخاضعة لجدول الضرب الذي تصدره الشركات، وتصبح المهنة اقرب الي الفن الرفيع الذي يقدس كرامة الإنسان. ولأني واثق أن أحمد عكاشة الكبير قد مارس مع الطب النفسي مثل ما مارسه محمد عبدالوهاب مع الموسيقي العربية والعالمية حيث اقتبس من كل مدرسة جزءا مناسبا للمجتمع العربي، ويعرف كيف يقوم بتفصيل اسلوب علاج لكل مريض، فقد رأيت ان ابنه طارق قد تفوق في سبر أغوار المرضي من وجهات متعددة، ولذلك لم أندهش حين قرأت ان جامعة عين شمس قد أضافت له لقب "أستاذ" لانه في الواقع "أستاذ من بدري جدا". مبروك د.طارق.