تودع الشركات الألمانية عام 2006 في ظل أجواء أقل ما توصف به أنها مشرقة بفضل تحسن أداء الاقتصاد الألماني واحتفاظ البلاد بمركزها كأكبر دولة مصدرة في العالم واستمرار الشركات الألمانية في مقعد قيادة الاقتصاد الأوروبي، ويأتي ذلك كله في ظل الاندفاع السريع لقطار العولمة الاقتصادية. وليس ثمة شك في أنه بعد 15 عاما من انطلاق الشركات الألمانية في مسيرة إعادة الهيكلة حتي تتكيف مع تحديات العولمة الاقتصادية التي هبت بقوة علي الاقتصاد العالمي خلال العقد الأخير من القرن العشرين، يمكن القول الاَن بأن هذه الشركات وصلت إلي مرحلة اتقان فن التعامل مع قوي العولمة. وعليه فقد أكدت نتائج عدد من استطلاعات الرأي وكذلك بيانات الشركات الألمانية خلال الفترة الأخيرة تزايد القدرة التنافسية للشركات الألمانية علي الصعيد العالمي وتنامي الثقة في الكيانات الاقتصادية العملاقة في ألمانيا. إذ إن مؤشر ثقة الشركات والمستثمرين في الاقتصاد الألماني قد قفز إلي مستوي قياسي خلال ديسمبر وفقا لبيانات معهد إيفو الألماني للدراسات الاقتصادية الذي يعد واحدا من أهم مراكز الدراسات الاقتصادية في ألمانيا، والذي أشار في تقريره إلي تزايد ثقة المستثمرين في قدرة الاقتصاد الألماني علي استيعاب التباطؤ المتوقع في نمو الاقتصاد العالمي خلال عام 2007. وفي الوقت ذاته يتوقع الخبراء وصول توزيعات الأرباح لأكبر 30 شركة ألمانية خلال العام المقبل إلي مستوي قياسي جديد قدره 5.21 مليار يورو "3.28 مليار دولار" بفضل الأداء الجيد للاقتصاد العالمي وتحسن أرباح هذه الشركات. وتزيد هذه التوزيعات بنسبة 18% علي مثيلاتها المسجلة في عام 2005 عندما قاد الانتعاش في الطلب الأجنبي علي المنتجات الألمانية إلي نمو كبير في أرباح الشركات وتحسن مطرد في سوق الأسهم الألمانية حيث أنهي مؤشر الأسهم العام الماضي بارتفاع بلغت نسبته 20%. ويأتي نجاح الشركات الألمانية في القيام بأكبر عملية إعادة هيكلة خلال السنوات العشر الماضية تقريبا في الوقت الذي فشلت فيه النخبة السياسية في الإقدام علي تنفيذ خطة شاملة للإصلاح الاقتصادي في ألمانيا وهي الخطة المطلوبة بشدة من أجل إكساب سوق العمل المرونة المطلوبة والحد من العجز الكبير في الموازنة نتيجة المخصصات الكبيرة لما يعرف باسم دولة الرفاة الاجتماعي. وعلي مدي السنوات القليلة الماضية كانت الصادرات قاطرة نمو الاقتصاد الألماني في ظل الظروف المحلية غير المواتية لهذا الاقتصاد مثل ارتفاع معدل البطالة وتراجع الإنفاق الاستهلاكي. وفي الوقت نفسه أثبتت الشركات الألمانية نجاحا في الخروج من دائرة الركود التي عاني منها الاقتصاد الألماني خلال السنوات القليلة الماضية من خلال الاعتماد علي التصدير. وقد أشار مسح أجري خلال العام الحالي علي الشركات الصغيرة والمتوسطة التي تمثل العمود الفقري للاقتصاد الألماني إلي أن 89% من هذه الشركات نجحت في الوصول إلي أسواق تصدير بزيادة قدرها 51 نقطة مئوية عن العقد الماضي. ورغم ذلك فإن عملية إعادة الهيكلة التي نفذتها الشركات الألمانية الكبري وحققت من خلالها مكاسب كبيرة لم تكن بلا مقابل.. فقد أسفرت هذه العملية عن تسريح أكثر من مليوني عامل من القطاع الصناعي خلال السنوات العشر الماضية. كما أنه الاَن وبعد نحو 17 عاما من إعادة توحيد شطري ألمانيا يمكن القول بأن عدد الوظائف في قطاع الصناعة بألمانيا الموحدة أقل من العدد الذي كان موجودا في الشطر الغربي من ألمانيا قبل إعادة التوحيد. ونجحت الشركات الألمانية أيضا في الاستفادة من قوة العولمة من أجل تقليم أظافر النقابات العمالية القوية في ألمانيا.. فقد استغلت هذه الشركات ورقة نقل المصانع إلي خارج ألمانيا للحصول علي العمالة الرخيصة سواء في اَسيا أو في شرق ووسط أوروبا من أجل الحصول علي تنازلات كبيرة من جانب النقابات العمالية. وبعد أن كانت تلك النقابات قوة يخشي بأسها في ألمانيا وكانت تحارب من أجل الحصول علي مزايا وامتيازات جديدة للعمال أصبحت الاَن تقاتل من أجل الحفاظ علي ما لديها أو حتي تقليل الخسائر العمالية.