هذه لحظة مهمة في حياتنا! دق وباء الطيور علي باب مصر ودائما أقول إن "أفراحنا شحيحة" فما كدنا نفرح بكأس دورة الأمم الأفريقية، حتي أعلنت الدولة أنها ضبطت حالات انفلونزا الطيور. لم يعش الفرح في صدورنا طويلا وكنا خلال مباراة الكأس الأخيرة نعيش أحزان العبارة ومازلنا نبحث عن "الصندوق الأسود" الذي ربما يحدد كيف غرقت العبارة وهبطت بالأرواح والأحلام إلي القاع! من الطبيعي والمألوف في زمن التلوث أن يدق الوباء علي بابنا، فليس بمستغرب مطلقا، فقد دق علي أبواب دول أخري و"تعاملت" معه كواقع لابد من مواجهته.. إذ لابد من تعاون كل أطراف المجتمع، الأجهزة المعنية والمؤسسات والمجتمع المدني.. فالقضية تحتاج لتضافر جهود تصد هذا الزلزال الذي يحصد الأرواح.. إن وباء الطيور، عدو، عبر حدودنا رغم أنوفنا لأنه يأتي في شكل أسراب طائرة مهاجرة.. بعضها يموت أثناء الطيران وبعضها يواصل التحليق بحثا عن مكان يحط عليه وبالتالي تبدأ الحرب! وأتصور أن الدولة "احتشدت" لهذا العدو، فليس من المعقول أن يقتصر دورها علي الكلام والاجتماعات، بل لابد أن تكون المستشفيات في مصر مستعدة لأداء دورها بالأقراص والأمصال والرعاية المطلقة. لقد أحسن "الإعلام" حين أتي بناس متخصصين يخاطبون الناس في البيوت ليكون لهم مصداقية وتأثير. وفي هذه الحالة ولنكن واقعيين سيمتنع الناس عن أكل الطيور مهما قيل أن تنظيفها جيد ووضعها في درجة غليان عالية يقضي علي الفيروسات.. وليس أمام الناس إلا اللحوم والأسماك.. وعندي يقين أن تجار اللحوم والأسماك وللدقة بعضهم سوف يبالغون في الأسعار وهؤلاء يجب الضرب علي أيديهم وإغلاق المحال كعقوبة رادعة. إن صناعة الدواجن انهارت وجاء الوباء ليؤكد انهيارها أكثر.. وكانت الدولة قد عقدت اجتماعات مع أصحاب مزارع يستغيثون ويطلبون تدخل الدولة الرحيم بتعويض خسائرهم الكبيرة الفادحة.. ولم تصل الاجتماعات إلي شيء محدد رغم أن الخسارة في هذه الصناعة تقترب من ال 16 مليارا. أخطر سلاح أحذر منه هو الإشاعات والقيل والقال.. حالة إشاعة واحدة تسري وسط الناس تحدث بلبلة وتهدد السكينة والطمأنينة.. ونحن بلد "شهادات وإشاعات"! والناس عندنا في مصر يتطوع بعضهم عن جهل بذكر معلومات يتلقفها الاَخرون بلهفة لأنهم يتصورون أنفسهم جنرالات حرب! لا يجب بأي حال أن تتعدد مصادر المعلومات فتجتهد الصحف إياها في فبركة معلومات بحجة تحذير الناس.. المعلومات تحدد لها الدولة مصدرا واحدا ولعله المجلس الأعلي "للقضاء علي الأزمة". إنها بالفعل "أزمة" طارئة مثل الكوليرا.. ولا مجال للاجتهاد في الحصول علي معلومات أخري لا تعلنها الدولة، فالشفافية هنا مطلوبة وليس الأمر مثل كارثة العبارة التي تنوعت فيها الاجتهادات علي نحو غريب ومريب.. ومازالت الأسرار تحوط الحادث. لا يجب أن يأخذنا الحزن والغضب إلي شواطئ أخري.. لقد عرفنا الحزن الصامت في حادثة العبارة وعرفنا الغضب الساطع في حادث الرسوم الدانماركية المسيئة للرموز الدينية المقدسة.. وجاء وباء الطيور لتكتمل ثلاثية الحزن والغضب والخوف! الخوف من وباء الطيور وارد وطبيعي مثلما حدث في تركيا مؤخرا ولكن بالإمكان التصدي للوباء ومواجهته بجهود مكثفة متناغمة ومصدر واحد للمعلومات فلا مزايدة ولا تصوير لحجم الوباء بمبالغات أو بحجم كاذب وغير حقيقي. في بعض الأحيان نلجأ لمنطق التهوين من الوباء، ظنا أن هذا الأسلوب يخفف البلوي، وهذا منطق خاطئ، لابد من الحقيقة مهما كانت مرة وثقيلة علي النفس. إن وباء الطيور هو"عبَّارة طائرة" ولابد من احتياطات مكثفة حتي لا تحصد الأرواح وهنا دور وزارة الصحة ووزارة البيئة، إنه امتحان للأداء الحكومي الذي يواجه هذه العبارة الطائرة الشهيرة بانفلونزا الطيور!