تكبدت شركة جنرال موتورز الأمريكية كبري شركات السيارات في العالم خسارة جسيمة خلال الربع الأخير من العام الماضي بلغت قيمتها ما يقرب من 5مليارات دولار "مليارات وليست ملايين وخلال ثلاثة أشهر فقط وليس ثلاث سنوات". ولاشك أن الرقم يبدو فلكيا لكنه رغم ذلك لا يمثل سوي قمة جبل ثلج يطفو علي سطح أكبر اقتصادات العالم من المؤكد أن شظاياها الباردة أو الساخنة ستطول الاقتصاد العالمي بحكم العولمة، قدر البشرية الاقتصادي الاجتماعي الجديد.. وقد أرجعت الشركة هذه الخسائر إلي عوامل عديدة، في مقدمتها ارتفاع تكاليف التشغيل خاصة تكاليف المواد الخام المستخدمة في تلك الصناعة وارتفاع تكاليف العمالة والمنافسة الضارية من الشركات اليابانية مثل تويوتا وميتسوبيشي وهوندا "الشركات اليابانية صارت تستحوذ علي ثلث سوق السيارات الأمريكي". ووقعت هذه الخسارة الفادحة علي الرغم من تبني الشركة في نوفمبر من العام الماضي خطة إعادة هيكلة تقضي بتسريح ثلاثين ألف عامل من عمال الشركة وإغلاق 12 مصنعا في أمريكا الشمالية.. ومما زاد الطين بلة أن قطاع السيارات الأمريكي كله يعاني أزمة خانقة منذ عدة سنوات لنفس الأسباب التي تثقل كاهل جنرال موتورز إضافة علي أسباب أخري مثل تقلص الإنفاق الاستهلاكي الأمريكي وإقبال الأمريكيين علي شراء السيارات الاَسيوية الصغيرة وسط ارتفاع أسعار الوقود.. ووصل الأمر إلي حد التكهن بأن تطيح الماركات الشهيرة التي تنتجها شركة تويوتا اليابانية بماركات جنرال موتورز من صدارة قائمة الأكثر مبيعا في أمريكا هذا العام.. الأمر الذي اضطر جنرال موتورز إلي التورط في حرب أسعار مع الشركات المنافسة فتقلص هامش الربح الذي تجنيه من بيع منتجاتها من المركبات.. ووصل وضع الشركة المالي إلي حافة الهاوية. فتضاعف حجم الديون المستحقة علي الشركة إلي مستوي قلما شهد العالم له مثيلا، وصلت قيمة تلك الديون إلي 300 مليار دولار بينما هبط سهم الشركة بأكثر من 50% خلال العام الماضي.. وحذرت اثنتان من المؤسسات العالمية العاملة في مجال التصنيف الائتماني من احتمال عجز الشركة عن سداد ديونها بل ومن احتمال أن تشهر الشركة إفلاسها وهو الأمر الذي سيكون علي الأرجح طعنة في قلب الاقتصاد الأمريكي عموما وضربة عنيفة للدولار علي وجه الخصوص.. وبصرف النظر عما يمثله هبوط الدولار من تداعيات سلبية خطيرة لم تعد خافية بالنسبة للاقتصادات العربية، حيث إن أكثر من 60% من الصادرات العربية من البترول الذي يباع بالدولار في المقام الأول، الأمر الذي يعني تراجع القيمة الحقيقية لعائدات الصادرات العربية بمجرد هبوط العملة الأمريكية. أضف إلي ذلك أن عددا كبيرا من العملات العربية مرتبط بالدولار، علاوة علي أن ارتفاع العملات الرئيسية الأخري خاصة اليورو سيؤدي إلي ارتفاع فاتورة وارداتها من الدول صاحبة تلك العملات وارتفاع فاتورة سداد الديون العربية غير الدولارية. الفصل بين الملكية والإدارة غير أن هناك أمرا اَخر يثير القلق، والمدهش أنه لم يلق الاهتمام والدراسة الكافيين من المسئولين عن الاقتصادات العربية الناشئة فيما يتعلق باتساع نطاق عمليات الخصخصة دون الاستفادة من تجارب عالمية أخري يعتبر القطاع الخاص فيها أكثر استقرارا.. فلم نسمع مثلا أن التجارب المتكررة لأزمات شركات كبري مثل "إنرون" و"وورلد كوم" الأمريكيتين و"بارمالات" الإيطالية وغيرها حظيت في بلداننا بما تستحق من بحث واستخلاص للدروس، التي من أهمها ضلوع فئة المديرين في جرائم فساد تهز أركان الشركات الخاصة.. فمنذ اتساع نطاق الشركات التي كانت "عائلية" في نشأتها وتحولت إلي شركات مساهمة، مما أدي إلي ظهور مبدأ الفصل بين الملكية والإدارة، بدأت تتوالي قضايا فساد المديرين، وجل همهم إخراج الميزانيات الختامية للشركات في صورة مفرحة ترفع أسعار أسهم الشركة في السوق، حتي لو استخدموا في ذلك أساليب التلاعب في المعايير المحاسبية، فتتراكم خسائر الشركة في الواقع بينما تظهر الأوراق أرباحا هائلة، إلي أن يحين أوان استيقاظ المالكين علي حقيقة مروعة، فحواها أن الشركة باتت اَيلة للسقوط إن لم تكن انهارت بالفعل في الواقع.. وهي حقيقة تستحق التوقف أمامها طويلا لإيجاد سبل دقيقة لضبط أداء المديرين في الشركات التي جرت خصخصتها علي سبيل المثال في بلداننا النامية.. خاصة أن تجارب كثيرة أوضحت تورط شركات تصنيف كبري في عمليات التلاعب التي يقوم بها المديرون. وفي ذلك يقول جوزيف استجلتز أستاذ الاقتصاد بجامعة كولومبيا: اعتقد الناس بأن الفساد متفش فقط بين صفوف موظفي الحكومة.. ووظف هذا الأمر من أجل تبرير تطبيق الخصخصة، خاصة في البلدان النامية لكن أصحاب القطاع الخاص المنتشين فشلوا في الحد من براعة مديري الشركات في الانغماس، وعلي نحو واسع، في الممارسات الفاسدة وهو ما ظهر جليا علي رأسمالية الشركات الأمريكية في وقت لاحق.