كان غريبا ان يسارع وليد جنبلاط - في اعقاب اغتيال جبران تويني في 12 ديسمبر الحالي - ليتهم سوريا علنا بتنفيذ الجريمة رغم ان كل الدلائل تكاد تجزم بأن طرفا ثالثا قد يكون الموساد او السي آي ايه هو المستفيد من وراء حوادث الاغتيالات المتلاحقة سعيا لتعميق الشرخ بين سوريا ولبنان وعزل سوريا بالتالي واخضاعها لعقوبات دولية. من المتهم؟ العمل إجرامي لايقدر علي تنفيذه بهذه الحرفية إلا جهاز استخباراتي كالموساد او السي آي ايه والهدف زيادة تأجيج التوتر بين سوريا ولبنان بعد ان تحسنت العلاقات بينهما مؤخرا وعادت إلي طبيعتها في أعقاب اللقاء الذي تم بين السنيورة والشرع، فكلما كانت هناك محاولة لقاء جدية بين الدولتين يفتعل حادث كبير لافسادها وطي صفحة الماضي. أما الفرصة فكانت متاحة والموسم ملائما لاعداء سوريا لارتكاب أية جريمة وإلصاقها بها زورا وبهتانا لاسيما ان النفوس مهيأة لاتهام سوريا مباشرة بعد ان اصبح اتهامها شيئا مألوفا وبعد ان بات الخصوم يتجاوبون مع الأجندة الأمريكية. لماذا محكمة دولية؟ زاد الطين بلة عندما طالبت الحكومة اللبنانية بتشكيل محكمة دولية لمحاكمة المتهمين في قضية اغتيال الحريري في الوقت الذي لم يكن فيه الجدل قد انتهي بعد حول الطبيعة القانونية والسياسية للجنة التحقيق الدولية التي يرأسها "ديتليف ميليس" بموجب قرار مجلس الأمن 1595 الغريب ان هذا الطرح الذي تبنته في الاساس كتلة المستقبل جاء بعد اعلان ميليس مؤخرا عدم رغبته في الاستمرار كرئيس للجنة التحقيق الدولية والتي تنحي عنها بالفعل في الخامس عشر من الشهر الحالي. أما المعارضون لفكرة تشكيل محكمة دولية فبنوا معارضتهم علي اساس ان مثل هذه المحكمة ستفتح الباب علي مصراعيه امام فرض الوصاية الدولية علي لبنان وهو ما تسعي اليه وتحاوله كل من الولاياتالمتحدةوفرنسا الامر الذي من شأنه ان يجعل التدويل يذهب إلي اعماق لم تكن متوقعة. وهذا هو جوهر الموقف الذي تبنته "أمل" و"وحزب الله" حيث ذهب كل منهما إلي ان إنشاء مثل هذه المحكمة هو امر سابق لأوانه خاصة ان التحقيق لم ينته بعد ولم يتم التوصل إلي المذنب الذي قام بارتكاب هذه الجريمة وبالتالي كيف يمكن ان تنشأ وليس هناك متهم بعد ؟! * أطر قانونية.. الجدير بالذكر أنه لم يحدث من قبل ان تم تشكيل محكمة دولية للبحث في قضية اغتيال شخص واحد، كما ان تشكيل لجنة التحقيق الدولية التي ترأسها " ديتليف ميليس" تم بموجب قرار مجلس الامن رقم 1595 الذي يشير إلي ان اللجنة المذكورة هي من اجل ان تساعد الحكومة اللبنانية علي التحقيق في القضية بهدف التوصل إلي الفاعل. ومعني هذا ان لجنة التحقيق الدولية هذه التي شكلت من اجل البحث عن المتورطين في اغتيال الحريري لا تنفرد باجراء التحقيق وانما تكون فقط عنصرا داعما ومساعدا للحكومة اللبنانية في كشف المستور بحيث اذا بادرت الحكومة اللبنانية فقط واعلنت بأنها ليست في حاجة إلي معاونة فإن عمل اللجنة الدولية يكون قد انتهي والجدير بالذكر ان قرار 1595 يعد فريدا من نوعه وليس له سابقة في القرارات الدولية الي تستند علي مبادئ اساسية لحمتها مراعاة عنصري السيادة والمساواة بين كل الدول لاسيما وان المنظمة الدولية تقوم علي مثياق يحكم العلاقة بين الاعضاء وبالتالي ليس لها ان تتدخل في امر داخلي. هدف الأجندة الأمريكية لعل الغرض من كل التحركات الجارية اليوم في الساحة اللبنانية والتي تحركها أجندة مشتركة لأمريكا وفرنسا وإسرائيل وبريطانيا هو إنهاء العلاقة بين سوريا ولبنان ولهذا تم توظيف كل الآليات من اجل ذلك، فاستخدم تقرير "ميليس" وتم تحريك الداخل اللبناني المعارض لسوريا وتحريضه اكثر واكثر ضدها ودفعه لاتخاذ اجراءات وقرارات تفضي إلي تعكير الأجواء بين الدولتين وقصم عري التقارب بينهما. ولقد اكد هذا عمليا علي ارض الواقع اصرار الاغلبية البرلمانية اللبنانية علي تشكيل محكمة دولية لمحاكمة المتهمين في قضية اغتيال الحريري والمطالبة بتوسيع صلاحيات اللجنة الدولية للتحقيق في كل عمليات الاغتيال التي وقعت في لبنان منذ الاول من اكتوبر من العام الماضي وحتي اغتيال "تويني" وهو المطلب الذي فرنسا في مشروع قررها الذي طرحته العام الماضي وحتي اغتيال "تويني" وهو المطلب الذي فرنسا في مشروع قرارها الذي طرحته في مجلس الأمن... ًما الذي يعنيه قرار 1644؟ ولكن تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن - ذلك ان القرار الذي تبناه مجلس الأمن الخميس الماضي لم يحقق لفرنسا ما تطلعت اليه فالقرار 1644 - الذي تبناه مجلس الأمن بالاجماع - دعا إلي تمديد عمل لجنة التحقيق الدولية في اغتيال الحريري ستة أشهر أخري إلا أنه استبعد توسيع صلاحياتها لتشمل عمليات الاغتيال الأخري وكذا استبعد مطالبة الحكومة اللبنانية بتشكيل محكمة دولية تاركا مسألة البحث في هذه القضية للبنانيين. ولا شك ان رفض صيغة توسيع عمل لجنة التحقيق جاء في الاغلب بعد معارضة كل من روسيا والصين والجزائر حيث ان توسيع عمل لجنة التحقيق كي تشمل كل وقائع الاغتيالات الأخري بالاضافة إلي اغتيال الحريري - من شأنه ان يمنح انطباعا بأن مجلس الأمن يقر باحتمال تورط سوريا في هذه الاغتيالات وكأن موقف الجزائروروسيا والصين قد حال دون تمرير المشروع الثلاثي الأمريكي الفرنسي البريطاني وشكل بذلك نصرا نسبيا لسوريا التي حوصرت مؤخرا بضغوط شتي استهدفت تضييق الخناق عليها وعزلها والتلويح بإمكانية فرض العقوبات عليها..