قد يتصور البعض أن ما جري في الفترة الأخيرة بين العملاقين الآسيويين الصين واليابان بعيد عما يشغلنا في مصر من هموم محلية كانت او اقليمية لان المسافة بيننا وبين شرق آسيا شاسعة وعلاقاتنا بتلك المنطقة من العالم لاتتعدي استيراد منتجاتها الحديثة والمبهرة ومنخفضة السعر نسبيا والتي تغرق أسواقنا حاليا من فوانيس رمضان الي الحواسب الالكترونية والسيارات. وايضا ما تقيمه اليابان او الصين من منشآت ثقافية مثل دار الاوبرا ومركز المؤتمرات وغيرهما.. فنحن قريبون من شرق آسيا بعلاقاتنا تلك وبعيدون عنها بتأثيراتنا المتبادلة، ولكن في ظل المتغيرات الحادة التي حلت بالعالم وما تفرضه العولمة من استحقاقات أصبح من الضروري ان نتابع جيدا ما يجري في العالم من حولنا ليس فقط في محيطنا الاقليمي ولكن علي امتداد المعمورة كلها.. من هذا المنطلق كان لابد من الاهتمام بما يجري مؤخرا بين الصين واليابان الذي بدا وكأنه أزمة حادة كادت ان تتحول إلي فتنة لا يحمد عقباها لولا حكمة يابانية بالغة تجلت في شجاعة رئيس وزارء اليابان وهو يتقدم باعتذار رسمي وعلني عما سببته اليابان من آلام للشعوب التي قامت بغزوها في بدايات الحرب العالمية الثانية.. ولكن المهم من ايقظ تلك الفتنة التي ظلت نائمة بين عملاقي شرق آسيا لأكثر من نصف قرن حتي اعتقدنا انها قد انتهت خاصة ان العلاقات الدبلوماسية استؤنفت عام 1972.. والعلاقات الاقتصادية بدأت بينهما اعتبارا من عام 1993 وتطورت بسرعة مذهلة حتي تجاوز حجم التبادل التجاري 178 مليار دولار.. وبلغت قيمة الاستثمارات اليابانية في الصين عام 2005 اكثر من 46 مليار دولار.. واتسعت مجالات التعاون بين العملاقين في جميع المجالات واقتربت التكنولوجيا الصينية كثيرا من التكنولوجيا اليابانية ودخلت معها في شراكة قوية في بعض المجالات.. ولعل أقرب مثال علي ذلك السيارات الصينية متعددة الطرازات التي تشاهدها مؤخرا تجري في شوارع القاهرة وهي نتاج واضح لتلك الشراكة.. لا تنكره الصين ولا اليابان.. وكان العالم يترقب مزيدا من تطور العلاقات والتعاون بينهما خاصة ان الصين تخطو خطوات واسعة وجريئة نحو الاقتصاد الحر وآليات السوق وهو ما يقربها اكثر من اليابان وايضا من الولاياتالمتحدةالامريكية والغرب بصفة عامة وتحولت علاقاتها بامريكا من العداء والصدام الي التعاون والصداقة.. وتصور الكثيرون ان منطقة شرق آسيا التي تضم الصين واليابان وشبه الجزيرة الكورية تتجه نحو الاستقرار والتنمية المتسارعة.. وان القنابل الكامنة فيها هي فقط مشكلة تايوان واصرار الصين علي ضمها اليها.. والمشكلة الكورية واتجاه كوريا الشمالية الي تطوير برنامجها النووي.. وكلا القنبلتين يجري التعامل معهما بهدوء وحكمة من أجل نزع فتيلهما تماما. ولكن وفجأة دون مقدمات واضحة علي السطح بدأ الموقف في شرق آسيا يتوتر ويزداد حدة واحتقانا بشكل سريع.. بدأ التوتر بحادث عارض عندما اخترقت غواصة صينية المياه الاقليمية اليابانية.. ورغم اعتذار الصين الا ان اليابان اعتبرت الحادث خرقا شديدا لسيادتها ولم تكتف بالاعتذار الصيني وتغلق الملف.. ثم بدأت الصين تجري عمليات استكشاف واسعة عن البترول والغاز الطبيعي في بحر الصين الشرقي فما كان من اليابان الا ان وقعت حكومتها اتفاقية للتنقيب عن البترول والغاز في نفس البحر مع عدد من الشركات اليابانية.. احتجت الصين وادعت ان المنطقة التي تستكشف فيها الشركات اليابانية هي منطقة صينية وتدخل في اطار مياهها الاقليمية.. ثم اعلنت عن تكليف احدي الشركات الوطنية بتكثيف عمليات الاستكشاف والبحث والتنقيب عن البترول بالقرب من نفس المنطقة.. واحتجت اليابان.. وكشفت الصين عن موقفها صراحة عندما اعلنت عدم موافقتها علي احتلال اليابان احد مقاعد مجلس الامن الدائمة باعتبارها احدي ثلاث دول مرشحة بشكل شبه مؤكد وهي اليابان والهند وألمانيا. ووصل الامر الي حد تهديد الصين باعتبارها عضوا دائما في مجلس الأمن باستخدام الفيتو في منع اليابان من احتلال مقعد دائم في مجلس الامن.. تواكب مع تلك التطورات.. تطورات اخري علي السطح اكثر وضوحا.. وهي اثارة النعرات الوطنية القومية لدي الشعبين الصيني والياباني من خلال استعادة تاريخ العلاقات الدامية بينهما إبان الحرب العالمية الثانية فاعادت الصين فتح متحف يحيي ذكري المذبحة التي قام بها اليابانيون عام 1937 وراح ضحيتها اكثر من 300 الف صيني.. وردت اليابان باصدار كتاب مدرسي يتناول الحرب اليابانية - الصينية بشكل ينفي عن اليابان قيامها بمثل تلك الاعمال. وفجأة خمدت العاصفة باعتذار رئيس الوزراء الياباني.. والسؤال المهم هو من ايقظ الفتنة؟ ولماذا؟ ومن يضمن عدم ايقاظها مرة اخري؟ وما علاقة كل ذلك بما تشهده الساحة العالمية من متغيرات؟ للاجابة عن تلك التساؤلات لابد لنا من مراجعة ملف الاستراتيجية الامريكية الكونية.. واحد اهدافها الرئيسية