وقف أبو حمزة المصري أمام القضاء الأمريكي وقدم اعترافات ليست بجديدة عن تعاون منظمات العنف الجهادي مع أجهزة الاستخبارات البريطانية ، بشرط توجيه هذه النيران المدمرة إلى الخارج وليس الداخل. شهادة المصري تؤرخ لحقائق معروفة بأن جماعات التطرف الاسلامي تم احتضانها وتغذيتها تحت بصر أجهزة أمنية غربية وجهت هذه الكتائب أولاً نحو أفغانستان عندما كانت الحرب مشتعلة ضد الاتحاد السوفياتي ، حيث تم صياغة نظرية الجهاد ضد الدولة السوفياتية بهدف هزيمتها وعقابها على الحرب التي انتصرت فيها داخل الأرض الفيتنامية . تسليح هذه الجماعات تم تحت رعاية أجهزة استخبارات لتوجيه ضربات للحكم الأفغاني آن ذاك المدعوم من السوفيات . وقد ذهب أبو حمزة وغيره وتلقوا تدريبات على العنف والقيام بعمليات ارهابية . كان الاتفاق المعروف مع جماعات الجهاد : الحفاظ على لندن وعدم توجيه العنف إلى الداخل ، غير أن هذه الجماعات شعرت بالقوة بعد انسحاب السوفيات من أفغانستان وبدأت تتحرك بشكل أوسع مما ادى إلى تجاوز الاتفاق المعروف مع الأمن البريطاني . المسئول الأول عن تحطيم الاتفاق انه تم فتح أبواب الدعوة الجهادية بلا حدود أو ضوابط مما استقطب أجيالاً من أبناء الجالية المسلمة خصوصاً الباكستانية و توسعت المنظمات التي تقوم بتجنيد هؤلاء الشباب مما بلور عقيدة جهادية تدعو لتجميل وتحبيذ الاستشهاد ، في المقابل بدأت عملية تنفيذ خطط القتل والتخريب لتوجيه هذه الجماعات نحو أفغانستان مرة وإلى مواقع أخرى في مناطق ساخنة بالعالم . يعترف أبو حمزة المصري انه عندما كان في لندن حشد الانصار ، مع ادراكه أن الامن لا يراقبه بل يبارك خطواته كلها ، اذ أن اعداد الرجال بهدف معركة تجري على أرض أفغانستان أو باكستان أو سوريا أو مصر . والهدف هو الخارج وليس الداخل . برر البريطانيون نمو حجم منظمات الجهاد و عنف الموجة المتطرفة بأنه إلى الخارج تحت شعارات حرية التعبير وحق الاختلاف . وقد ظلت جماعات مصرية وجزائرية ويمنية وخليجية تتحرك ضمن هذه الاستراتيجية ، والامن البريطاني في حالة اطمئنان بأن فصائل الجهاد موجهة نحو الخارج ، حتى حدث هجوم تنظيم القاعدة على الولاياتالمتحدة في عام 2001 . بعد هجوم القاعدة على الولاياتالمتحدة عقد رئيس الوزراء البريطاني آنذاك توني بلير مؤتمراً صحفياً قال فيه أن قواعد اللعبة تغيرت ولابد من مواجهة هذا العنف وتلك الايديولوجيا . وعندما غزا بلير العراق مع الولاياتالمتحدة ، قادت هذه الكتائب حملة عنيفة ضد رئيس الوزراء البريطاني واتهمته بالعمل ضد الاسلام . كان أبو حمزة ورفاقه من الفصائل المتقدم في شحن الكراهية ضد توني بلير وحزب العمال والحكومة البريطانية . وصل الخطاب الجهادي إلى أعلى قوته ، ولم يعد يلتزم بالاتفاق القديم مع أجهزة الأمن . جرى توجيه العداء لبريطانيا والغرب ، اذ تصور التنظيم انه لم يعد بحاجة إلى حماية وهو في مرحلة تنفيذ قيام دولة الخلافة والدعوة اليها في بريطانيا واستخدام العنف والتحريض والمواجهة . وعندما نجحت مجموعة شابة باكستانية في وضع قنابل داخل شبكة المواصلات العامة البريطانية ، كان الموقف يعبر عن لحظة الصدام المروعة ، وحصاد ما تم زرعه من ترك هذه الجماعات تتحرك بحرية وتبني قواتها طبقاً لمعاهدة توجيه نيران الارهاب إلى الخارج . اتخذت بريطانيا خطوات متشددة لمقاومة الارهاب ورموزه ، وكان القبض على أبي حمزة وترحيل أخرين ، لكن نظرية عودة وجهة النظر الأمنية بشأن غض الطرف عن الارهاب طالما يتجه إلى الخارج ، عادت مرة أخرى بالطريقة القديمة في ظل استغلال أحداث سوريا لتصعيد نغمة الجهاد لتحرير دمشق من نظام الأسد عدو الاسلام . شجعت الحكومة البريطانية على التعبئة ، طالما أن هذه القوات من المجاهدين ستتجه إلى سوريا . وأظهرت لقطات ارهاب جهادي بريطاني في المدن السورية بصورة مفزعة ، وأعادت شبح توابع معركة أفغانستان ، حيث بدأت تظهر أنشطة المجاهدين البريطانيين في سوريا مع وجود 500 مجاهد على درجة عالية من التدمير . وفي ظل أجواء حسم المعركة لصالح النظام السوري ، بدأ هؤلاء المجاهدين يعودون إلى لندن مما أزعج أجهزة الأمن ، لأن هؤلاء مدربون على العنف وقد يفجرون أنفهم مرة أخرى داخل البلاد كما حدث في عام 2005 . بدأت أجهزة الأمن توجه انذارات بأن جهادي سوريا خطر ومارست القبض على بعض العائدين للتحقيق معهم للوقوف على خبايا هذه التنظيمات وأهدافها . وحتى الآن لا تدرك بريطانيا ملامح اللعبة الخطيرة بتشجيع الارهاب ، طالما انه للتصدير وليس للاستهلاك المحلي ، لكن خطورة السلع الارهابية عدم التزامها بقواعد سوق محدد ، اذ الارهابي الذي يتم تصنيعه يكون جاهزاً للانفجار ، سواء في كابول أو دمشق أو مصر أو لندن . كان مشهد مقتل الجندي البريطاني لي ريجبي بيد متطرفين في لندن قمة المأساة في اعلى درجاتها ، غير أن المجتمع البريطاني لا يزال أسيراً فكرة انه يمكن احتضان ارهاب للتصدير للخارج وليس للاستهلاك في الداخل . الارهاب وصناعته بهذا العنف لا يلتزم باتفاقيات ، وقد تورط البريطانيون في قضية أخرى جديدة بالتعامل مع الموقف دون ردع وتطبيق نظرية الخارج وسلامة الداخل . بهذا المنطق الفاشل والمخرب جرى احتضان الاخوان المسلمين في بريطانيا وقد تضخمت الظاهرة في الشهور الاخيرة نتيجة امتصاص لندن لارهابي الاخوان من قطر وتركيا والعمل على جعل العاصمة البريطانية عاصمة التنظيم الدولي ، ويدعم هذه الخطة المال القطري ، الذي اشترى متاجر هارودز وينفق بسخاء على مؤسسات بحث واعلان ودعاية بالملايين ، لذلك هناك من يتغاضى عن نشاط الاخوان تحت يافطة حرية التعبير مع محاولة الحصول على تعهدات بجعل لندن آمنة وتوجيه هذا العنف إلى الخارج وعدم الاهتمام بنشاطه في الداخل . أجهزة الأمن والسياسة في بريطانيا لا تقرأ صفحات التاريخ القريب وهناك اصرار على تجاهل تهديد حقيقي بترك هذه المنظمات تعمل دون النظر إلى الأضرار المترتبة على تورط سابق حدث خلال الحرب الافغانية ويجري الآن نتيجة الحرب في سوريا ، لأن السم الجهادي عندما ينمو يمكن تحويله وتوجيهه وتفشل الاتفاقيات في ردعه ، ويكفي العودة إلى وثائق تاريخ الاخوان في مصر وسوريا واليمن للوقوف على حقيقة جهادهم بأنه لتخريب كيان الشعوب وتدمير هوية الدول . بريطانيا تخوض في مياه سامة لا تدرك خطورتها ، وترك الاخوان يأتون إلى لندن من كل فج عميق ، هو شحن العاصمة البريطانية بمتفجرات لن تنفجر في مصر والمنطقة العربية فقط ، وانما قد تطول نيرانها بريطانيا أيضاً كما حدث في يوليو عام 2005 .